المرجع السيستاني يضع أسسا للتعايش العقائدي في العراق ونبذ الكراهية المذهبية
تنا
وضعت المرجعية الدينية العليا خريطة عمل وطنية على كيفية التعايش الثقافي والعقائدي في العراق على اعتباره مجتمعا متعدد الانتماءات المذهبية،موضحة ان الوطن الواحد قد يكون فيه مجتمع متعدد الانتماءات المذهبية يعني هناك اختلاف في الجانب الفكري والثقافي والعقائدي .
شارک :
وبين ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة يوم 4/ذي القعدة/1438هـ الموافق 28/7/2017م بين كيفية طرح هذا الاختلاف الثقافي والعقائدي متسائلا هل يُطرح – وهذا لوسائل الاعلام والفضائيات والتواصل الاجتماعي وبقية الوسائل التي من خلالها تُطرح هذه الاختلافات- هل يجوز استعمال اسلوب يستفز الاخرين ويثير فيهم الحساسية المذهبية والطائفية بما يؤدي ربما الى حصول الفتنة والاختلاف والصراع.
واضاف" هل يجوز ان يُطرح هذا الاختلاف كوسيلة تعطي الذريعة لاعداء الاسلام لكي يطعنوا في الاسلام ويثيروا الفتن والقلاقل والصراعات المذاهبية في الوطن الواحد وفي العالم الاسلامي..؟ مشيرا انه من المفاهيم التي اولاها الاسلام العناية والرعاية واهتم بوضع الاسس لها هو مفهوم التعايش السلمي والذي اعتبره الية ناجحة لمعالجة مخاطر التنوع في الانتماء المذهبي والديني وعلى مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والعقدية..ولم يقتصر ذلك على مستوى وضع النظريات والمبادئ بل تعداها الى التطبيق الدقيق لها من قبل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واله الاطهار وقد مضى الكلام في التعايش الاجتماعي واسسه ويقع الكلام هنا بخصوص التعايش الثقافي واسسه:
الاول: ان المشتركات بين مختلف المذاهب الاسلامية سواء في العقيدة (التوحيد، النبوة، المعاد) او الدعائم العملية للدين الحنيف من الصلاة والصيام والحج وغيرها وبالرغم من وجود اختلافات هنا وهناك تفرض مستوى من الانسجام الثقافي والحوار المبني على احترام خصوصيات الاخر بشكل يحفظ العلاقة الوطنية المشتركة بين المنتمين لهذا التعدد المذهبي ويصون المصالح العليا للمسلمين قاطبة خصوصا اذا كانوا ضمن الوطن الواحد.
الثاني: الترابط القلبي وانبعاث مشاعر العطف والرحمة والتواد التي فرضها الحديث الشريف (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم..)فان هذا الحديث فرض مساحة ومرتبة من التعاطف القلبي المثمر للتحرك الاجتماعي الايجابي نحو الاخر بما يحفظ قوة العلاقة المجتمعية وعدم تغلب مساحة التقاطع والتهاجر على مساحة التواصل والتقارب الاجتماعي الفاعل.
الثالث: الايمان بان التعدد الديني والمذهبي امر واقع لا مناص منه واقتضته المشيئة الالهية (ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة)، فالتعايش السلمي ضرورة يفرضها الواقع وحقائق التاريخ وينبغي معرفة كيفية التعامل الايجابي البناء مع التعددية بما يصون المجتمع المتعدد الانتماءات من الصراع واستخدام العنف والمطلوب التعامل بعقلانية وواقعية وعدالة مع التعددية...
الرابع: ان من حق صاحب كل فكر ان يدافع عنه ويحاول اقناع الاخرين به بإقامة الدليل عليه واتباع الاسلوب العلمي في اثبات احقيته من وجهة نظره، ولكن من دون المساس بكرامة من يخالفه في الفكر وجرح مشاعره والاساءة الى مقدساته بما قد يؤدي الى الاخلال بالتعايش السلمي بين ابناء الوطن الواحد، فليس المطلوب ان يكف اهل الحق عن بيان ما هو الحق ورجالاته وما هو الباطل ورجالاته ولكن لابد من اتباع الاسلوب الصحيح في ذلك والابتعاد عما يثير الكراهية والبغضاء بين الناس.
الخامس: ان من الامور الخطيرة التي اريقت بسببه الكثير من الدماء البريئة هو تكفير الاخر لمجرد المخالفة في بعض القضايا العقدية وما يتبع ذلك من تأويل للنصوص على غير ما هو المراد منها خصوصا التي حفظت وصانت المجتمع الاسلامي في دماء ابنائه واعراضهم واموالهم.
السادس: ان الوعي لما تفرضه المصالح العليا للمسلمين والمصالح الوطنية العامة هي اهم بكثير من المصالح الضيقة (التي يتصورها البعض انها مصالح للمذهب والطائفة) يستدعي مراعاة الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للجميع ضمن دائرة حقوق المواطنة التي يتساوى فيها الجميع والتعايش على قاعدة المبادئ والمصالح المشتركة ودرء مفاسد الاختلاف والشقاق المضرة للجميع.
السابع: ان مما يزعزع التعايش السلمي كثرة الجدال والمراء والانتقاد للاخر في الخطاب العام والابتعاد عن اسلوب الطرح العلمي ضمن دائرة اصحاب الاختصاص.. والمسؤولية الاسلامية في البلاغ وحسن البيان للمطالب الحقة. فمن آمن فقد احسن لنفسه ومن لم يؤمن فحسابه على الله تعالى (إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب).