صدر هذا الكتاب في وقت مناسب تماماً، حيث يتزايد الجدل في حوض نهر النيل بين دول المنبع ودول المصب وبخاصة مصر، وحصتها في مياه النهر، ومدى إلزامية الاتفاقيات الدولية المبرمة منذ عقود في الحقبة الاستعمارية التي تحدد حصص الأطراف المختلفة والتزاماتها تجاه نهر النيل. ويلقي الكتاب الضوء على جانب آخر من الصورة، حيث يناقش أبعاد الدور الإسرائيلي، منذ أكثر من نصف قرن وحتى الآن، في الوصول بالمشكلة إلى مرحلة الأزمة حالياً. الدكتورة زبيدة عطا مؤلفة الكتاب هي أستاذة جامعية في التاريخ ومتخصصة أكثر في تاريخ اليهود والحركة الصهيونية، وتستعرض في هذه الدراسة الموثقة جذور وأبعاد المشكلة التي بدأت مع ظهور المشروع الصهيوني نفسه، وبحثه عن حل لمشكلة المياه، ومروراً بالدور الذي تلعبه في القارة السمراء، وصولاً إلى حالة الأزمة التي تعيشها المنطقة فيما يخص قضية المياه.
إسرائيل وأفريقيا وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب. الأول بعنوان: "إسرائيل وأفريقيا" وفيه تناقش المؤلفة تراجع الدور المصري في أفريقيا بعد عهد الرئيس جمال عبد الناصر والذي كان لفترة حكمه تأثير واضح في دعم ومساندة حركات التحرر في مناطق عديدة من دول القارة وهو ما أدى إلى قيام معظم دول أفريقيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في أعقاب حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام ١٩٧٣م.
ورغم ذلك فإن الحكومة المصرية لم تحاول الاستفادة من هذا الموقف في توثيق التعاون بينها وبين الدول الأفريقية عموماً ودول حوض النيل خصوصاً، وهو ما أدى إلى نجاح إسرائيل في استعادة علاقاتها تدريجياً مع دول القارة، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفد بالولايات المتحدة الأميركية عام ١٩٧٩م.
ويستند أصحاب الرأي الرسمي في مقارنتهم بين مدی نفوذ مصر واسرائيل في حوض نهر النيل، إلى أن حجم استثمارات إسرائيل في إثيوبيا مثلاً -وهي إحدى الدول الرئيسية المؤثرة في حوض نهر النيل- لا يزيد عن مائة مليون دولار، وهو رقم ضعيف بالمقارنة بالاستثمارات المصرية في تلك الدولة. لكن الرأي الآخر في هذا الجانب لا يربط بين تدفق الاستثمارات وحجم التأثير السياسي منها مثلاً ما يقوله العديد من خبراء المياه في مصر والسودان من أن إسرائيل لديها أحلام ومشاريع كبيرة في مياه النيل، ويستند أصحاب هذا الرأي أيضاً إلى أن إسرائيل تستخدم أزمة المياه، كورقة ضغط على مصر، لتحقيق مطالبها الخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
النيل وسيناء ويتناول الباب الثاني أطماع إسرائيل في شبه جزيرة سيناء، وإمكانية توصيل مياه نهر النيل إليها عبرها، ويشير إلى فقرات متعددة من كتاب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"، تؤكد على اهتمام المسؤولين هناك بمشروع توصيل مياه النيل إلى إسرائيل عن طريق القنوات المائية في مصر، وهو المشروع الذي تسعى إليه الصهيونية العالمية منذ أيام هيرتزل، ولذلك جاء اهتمام إسرائيل بشبه جزيرة سيناء، وهي النافذة الغربية التي يمكن أن تؤمن لها حلاً لأزمة المياه التي تعاني منها.
ويشرح الباب الثالث ـ وهو الأهم والأكبر حجماً بين صفحات الكتاب ـ الأبعاد التفصيلية لعلاقات إسرائيل بدول حوض نهر النيل، والدول الغربية التي تساندها في ذلك.
إن هذا الكتاب صيحة تحذير لكل من يهتم بأزمة المياه في دول حوض نهر النيل وإذن في الختام تتساءل الدكتورة زبيدة عطا: هل يمكن بعد كل هذه المعلومات والوقائع على الأرض، أن ينهار ذلك تحت شعار نظرية المؤامرة الوهمية؟