المنطقة مفتوحة امام خيارات وتسويات معقدة وحروب وفتن متنقلة فعلى الشعوب أن تدرك حجم ما يحاك ضدها من مؤامرات، وما يزرعه الآخرون من ألغام في الحقول السياسية والمذهبية والطائفية، لتعرف كيف تتعامل مع المرحلة الجديدة، وكيف ترد العدوان بالمواقف الميدانية الحاسمة، قبل أن تلتف عليها المعطيات وتحاصرها الأحداث.
شارک :
ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما قال في خطبته السياسية:" تدور رحى الاستيطان بوتيرة متصاعدة في القدس المحتلة، إلى جانب هدم منازل المقدسيين المتواصل، لتغدو القدس أسيرة التهويد، بين سندان الهدم ومطرقة الاستيطان، فمن الهدم في حي رأس العمود، إلى الزحف الاستيطاني نحو حي الصوانة، إلى عمليات الاعتقال والضغط المتواصلة على المقدسيين في داخلها. لتدخل القدس مرحلة التهويد الكاملة، من دون أن ترتفع الأصوات أو الأيادي العربية والإسلامية لتدافع عنها وتحمي ساحتها".
اضاف:" وفي موازاة ذلك، عادت الإدارة الأميركية إلى دورها السابق في اللعب على أعصاب السلطة الفلسطينية حيال مفاوضات باتت تبحث عن إدارتها بطريقة تحفظ لها بعض ماء الوجه، بعدما سقطت هذه الإدارة في أحضان العدو، وسقطت معها مصداقيتها، وباتت تدير المفاوضات، كما يريدها كيان العدو، لكسب الوقت، أو لتجميل صورة هذا الكيان وتقديمه بصورة الساعي للتسوية والحلول أمام العالم، وهو أبعد ما يكون من الوصول إليها".
وتابع:" أما السلطة الفلسطينية التي استمعت إلى المبعوث الأميركي وهو يعرض عليها "أفكارا جديدة" تحمل عنوان العودة إلى مربع المفاوضات القديمة غير المباشرة، فلم تملك إلا أن تقول للأميركيين بأنها تحتاج إلى ضمانات، وهي تعرف مسبقا أن أميركا ـ الإدارة لا تقدم ضمانات إلا للعدو، وبالتالي، فهي تريد من الفلسطينيين والعرب والجامعة العربية،أن يصادقوا على مسعاها الجديد في لعبة التفاوض للتفاوض، أو لتقطيع الوقت، لأنها تريد أن تتفرغ لإيران ولمحور الممانعة في المنطقة، وتريد من الأنظمة أن تكون شاهد زور على كل ما يجري. إننا نقول للفلسطينيين على مستوى السلطة وغيرها، إن أقل ما يمكن القيام به، هو إيقاف هذه المهزلة، والعودة إلى توحيد الصف الفلسطيني، لمواجهة المرحلة، واكتشاف آفاق المرحلة الجديدة. إننا نعتقد أن الفلسطينيين يملكون الكثير من مواقع القوة التي يخشاها العدو، وهي وحدتهم، رغم تنوع الأدوار وصمودهم ومقاومتهم، كما يملكون وقوف الشعوب العربية والإسلامية معهم، والدول التي لا تزال تقف في خط الممانعة لكل التسويات المذلة".
اضاف:"لقد جرب الفلسطينيون أن يراهنوا على أنظمة الذل وعلى أميركا، فماذا جنوا؟ لقد نجحوا عندما قاوموا بالحجر، وثبتوا وصمدوا، وصمدت معهم كل الشعوب العربية والإسلامية، واضطر العالم إلى أن يقف معهم وتبقى غزة. ونقول للعرب على مستوى الأنظمة: لقد انكشف كل شيء، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر، وبقي عليهم أن يلوحوا لإدارة أوباما بكلمة اعتراض، للايحاء بأنهم لا يزالون يملكون بعض أوراق اللعبة، بعدما قررت هذه الإدارة أن تتعامل مع المنطقة على أساس استبعاد أي دور فاعل للجامعة العربية والعرب، الذين، ومع الأسف، قرروا الانسحاب من الحاضر، وربما من تبعات المستقبل".
واستطرد "إن أكثر ما تعمل له الديبلوماسية الأميركية في المنطقة، يتمظهر في الضغط على إيران ودول الممانعة، لأنها تعتقد أن لا سبيل لضخ الحياة في مشروعها المتجدد، إلا باستنزاف إيران اقتصاديا وسياسيا، وحتى أمنيا، وإرباك كل القوى الممانعة. ولذلك، فإننا نلمح في العدوان المتصاعد على الجمهورية الإسلامية، من اغتيال العلماء النوويين، إلى التفجيرات الوحشية، وخصوصا في منطقة سيستان بلوشستان، كما حصل في المجزرة الأخيرة، إلى الضغوط الديبلوماسية والحصار المستمر، محاولة لدفع إيران إلى الخضوع للشروط الأميركية، التي تتصل بمكانتها في المنطقة، كما تتصل بدعمها للمقاومة وحركات التحرر".
ورأى في "العدوان المتعدد الوجوه على إيران، والمتزامن مع محاولات التشويه التي تتعرض لها المقاومة في لبنان، هجوما أميركيا ودوليا وصهيونيا واحدا، وإن تعددت الجبهات واختلفت الأساليب والخلفيات". كما رأى أن "المنطقة برمتها قد دخلت في خضم مرحلة جديدة، تقترب فيها الأمور من حساب الخيارات المفتوحة، بين التسويات المعقدة، والحروب المتنقلة، والفتن المتحركة هنا وهناك، وبالتالي، فعلى الشعوب أن تدرك حجم ما يحاك ضدها من مؤامرات، وما يزرعه الآخرون من ألغام في الحقول السياسية والمذهبية والطائفية، لتعرف كيف تتعامل مع المرحلة الجديدة، وكيف ترد العدوان بالمواقف الميدانية الحاسمة، قبل أن تلتف عليها المعطيات وتحاصرها الأحداث".
وقال:" اننا عندما نحدق مليا في الملف الإسلامي المسيحي الذي فتح مجددا في مصر، تحت عنوان الصراع مع الأقباط، وفي الملف السوداني الذي يقترب أكثر من لعبة التمزيق والتقسيم، وصولا إلى حالات الاختراق المتعددة لنسيج الأمة الداخلي، من اليمن، إلى العراق وأفغانستان، نعرف جيدا أن مبضع التقسيم والتفتيت الدولي، ولو كان على المستوى النفسي، وإيجاد الحواجز بين الطوائف والقوميات، قد بدأ يفعل فعله، ليمهد الطريق أكثر للعدو الصهيوني لكي يهرب إلى الأمام، ويسيطر على البقية الباقية من فلسطين، لا بل ليستعد للحرب بكل الإمكانات والاستعدادات".
اضاف:" وسط هذا المشهد، تبرز المشكلة اللبنانية التي تدير خيوطها جهات دولية وأميركية، لإدخال البلد في لعبة المساومات، بعد طرح مسألة المقاومة وسلاحها على الطاولة، وبعد تشويه صورتها، والتشويش على دورها، وإرباك حركتها وفاعليتها، بحيث تصبح مشكلة بدلا من أن تكون حلا لهذا الوطن، عندما تقف في مواجهة العدو الأول إسرائيل، التي لا تريد أن يقوى هذا الوطن، وتنجح تجربة التنوع فيه، بل أن يبقى معبرا لتحقيق مشاريعه في العالمين العربي والإسلامي".
وتابع: "إننا في الوقت الذي نتمنى على اللبنانيين أن يحدقوا مليا في الصورة، ليتعرفوا إلى كل تفاصيلها وأبعادها، نريد لهم أن يعرفوا أن البلد لا يتحمل لعبة مساومة كبرى من هذا النوع، ولا يمكن أن يكون جاهزا لحسابات اللعب والخسارة على هذا المستوى، وبالتالي، فلا واقعية لمسألة الغالب والمغلوب في كل هذا الصخب الذي لا ينتهي، ولذلك، فلا بد من تلمس خطوط الحل باعتماد الحوار سبيلا للتفاهم والحل، فليجلس الجميع على طاولة الحل لكل ما يتهدد الوطن الآن، وما يتهدد مستقبله، فماذا نستفيد لو ربحنا مكسبا سياسيا هنا أو مذهبيا أو طائفيا هناك، أو حققنا عدالة تدور حولها التساؤلات، وخسرنا لبنان".
وختم:" إن لبناننا جميل، فلا تحرقوه بالحرائق التي تحرق الأشجار والغابات، ولا بالحرائق التي تحرق إنسانه وتحرق كل قوته وكل الوحدة، وتجعله أسير الفتن التي لا تبقي ولا تذر، فهل يستمعون؟".