إنّ الشرط الأساسي لنهضة الأمّة – أي أمّة كانت – أن يتوفر لديها (المبدأ) الصالح الذي يحدد لها أهدافها وغاياتها ويضع لها مثلها العليا، ويرسم اتجاهها في الحياة،
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) :
* الشهيد السيد محمدباقر الصدر (قَد جَاءَكُم منَ الله نُور وكتاب مُبِين يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ ١٦). إنّ الشرط الأساسي لنهضة الأمّة – أي أمّة كانت – أن يتوفر لديها (المبدأ) الصالح الذي يحدد لها أهدافها وغاياتها ويضع لها مثلها العليا، ويرسم اتجاهها في الحياة، فتسير في ضوئه واثقة من رسالتها مطمئنة إلى طريقها متطلعة إلى ما تستهدفه من مثل وغايات، مستوحية من المبدأ وجودها الفكري، وكيانها الروحي.
ونحن نعني بتوفر المبدأ الصالح في الأمة وجود المبدأ الصحيح (أولاً) وفهم الأمة له (ثانياً) وإيمانها به (ثالثاً)، فإذا استجمعت الأمة هذه العناصر الثلاثة فكان لديها مبدأ صحيح تفهمه، وتؤمن به، أصبح بإمكانها أن تحقق لنفسها نهضة حقيقية، وأن توجد التغيير الشامل الكامل في حياتها على أساس ذلك المبدأ، فما كان الله ليغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم كما دل على ذلك التنزيل الحكيم.
وأمتنا الإسلامية الكريمة لا تفقد في الحقيقة من عناصر الشرط الأساسي لنهضتها البناءة إلّا واحداً منها، فالمبدأ موجود لديها متمثل في دينها الإسلامي العظيم الذي لا يزال، وسيبقى أبد الدّهر أقوى من يكون على تحمل أعباء القيادة المبدئية، وتوجيه الأمة وجهتها المثلى، والارتفاع بها من نكستها إلى مركزها الوسطي من أمم الأرض جميعاً كما شاء الله لها، والأمة الإسلامية كلها مجمعة على الإيمان بهذا المبدأ، وتقديسه ديناً وعقيدة، غير أن هذا الإيمان ضعيف في الغالب، ومحدود لدى كثير من الأشخاص، وأكبر سبب في ذلك امتلاك الأمة بصورة عامة وغالبية، العنصر الثالث وهو فهم المبدأ، فالأمة تؤمن بالمبدأ الإسلامي إيماناً إجمالياً ولكنها لا تفهمه فهما إجمالياً، وهذا هو التنافض الذي قد يبدو غريباً لأول وهلة فكيف تؤمن الأمة بالمبدأ وتدين له بالولاء وهي لا تفهمه حق الفهم ولا تعرف من مفاهيمه وأحكامه وحقائقه إلّا نزراًَ يسيراً، ولكن هذا هو الواقع الذي تعيشه الأمة منذ منيت بالمؤامرات الدنيئة المستترة تارة والسافرة أخرى من أبناء الصليبيين المستعمرين أعداء الإسلام التاريخيين. تلك المؤمرات الهائلة التي شنوها على الأمة وكيانها حتى انتهت بالغزو الاستعماري المسلح، فلم يكن للغزاة من همّ بعد القضاء على كيان الإسلام الدولي إلّا أن يباعدوا بين الأمة ومبدئها.
وقامت عملية الفصل هذه بين الأمة والمبدأ على قدم وساق وهي تعني سلب الأمة إيمانها بالمبدأ وفهمها له، ولكن لما كان إيمان الأمة بالإسلام أقوى من تلك المؤامرات والمخططات الاستعمارية جميعاً استطاع أن يثبت وينتصر في المعركة فظلت محتفظة بإيمانها بإسلامها العظيم، وأما فهم الأمة للمبدأ ومفاهيمه وحقائقه فقد كان هو نقطة الضعف التي نجحت فيها عملية الفصل بين الأمة والمبدأ، فقد استعمل الغزاة الآثمون كل الطرق والأساليب للقضاء على وعي الإسلام من ذهنية الأمة وحجب أضوائه وأنواره عنها بما نثروه هنا وهناك من مفاهيمهم وأفكارهم وتشويهاتهم للإسلام المشرق العظيم.
وهكذا أصبحت الأمة بعد أن نفذ أعدائها فيها مخططهم الفظيع وهي لا تعرف من الإسلام شيئاً واضحاً محدداً أو تعرف ما زوَّره المستعمرون من أفكاره وحقائقه. وبهذه الطريقة وجد التناقض العجيب في كيانها فأصبحت لا تفهم الإسلام فهما صحيحاً كاملاً بالرغم من أنها ظلت باقية على إيمانها به. وبطبيعة الحال إن انخفاض الوعي وحجب الصور الحقيقية الزاهية للإسلام عن الأنظار كان سبباً في انخفاض الدرجة المعنوية للإيمان نفسه وفقدانه لكثير من طاقاته الحرارية الجبارة، فمسألة الأمة اليوم – وهي تملك المبدأ الصحيح وتؤمن به – أن تقبل على تفهم إسلامها ووعي حقائقه واستجلاء كنوزه ليملأ الإسلام كيان الأمة، وأفكارها، ويكون محركاً حقيقياً لها، وقائداً أميناً إلى نهضة حقيقية شاملة، فالفهم العام للمبدأ الإسلامي إذن هو ضرورة الأمة بالفعل التي تستكمل الأمة به الشرط الأساسي لنهضتها.
وليست هذه (الأضواء) إلّا إشعاعة من نور الإسلام الوهاج حاولنا أن تنير للأمة وتكشف عن شيء من كنوز الإسلام أو تعكس أنواره على ما يتماوج به واقع الأمة من أفكار وأحداث، وهي جزء من حركة فكرية شاملة تدعو المصلحين، والقادة الإسلاميين إلى إيجادها والتوفر على تنميتها وتغذيتها لتعرف الأمة طريقها السوي وتفهم كيف تفتح الدنيا بالمفتاح الإلهي الذي أهملته طوال هذه السنين. المصدر: كتاب رسالتنا