أكّد الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، التزام الخرطوم بالاعتراف بما يختاره الجنوبيون في الاستفتاء المرتقب في التاسع من يناير الجاري، معربًا عن استعداده لقبول النتائج "إذا ما جرى الاقتراع في أجواء نزيهة وشفافة"، غير أنّه دعا الجنوب للتفكير في النموذج الأوروبين الذي قام على الوحدة بعد الحرب، وتعهد بعدم إقامة العزاء في الشمال إنْ اختار الجنوبيون الانفصال.
وقال البشير، الذي تحدث أمام أكبر المسؤولين السياسيين الجنوبيين: "رسالتنا حقيقة كانت رسالة السلام، ولو رجعت الناس إلى خطاباتنا من أول يوم استلمنا فيه السلطة كان دائماً الهدف الأول المقدم على كل أهدافنا هو السلام، وأنه لا يمكن حل مشاكل السودان بعيدا عن السلام".
واستعرض البشير تاريخ المفاوضات بين حكومته والحركة الشعبية في الجنوب، وقالت إن التجارب الماضية أكدت أن "محاولة فرض الوحدة عن طريق القوة فاشلة والنتيجة كانت عكسية، وهي المزيد من التباعد والتباغض بين أبناء الوطن الواحد فكان يلزم إعطاء الفرصة بأن تكون الوحدة اختيارية".
وأضاف:" اتفقنا على إعطاء المواطنين حق تقرير المصير، نحن عندما وقعنا الاتفاقية (للسلام) وقعناها للالتزام بها لأننا أصحاب عقود ومواثيق، ولكن نحن سنظل دعاة وحدة لأنه قناعتنا الوحدة هي مصلحة وقوة وأمن وتقدم وتطور لكل أهل السودان لكن لو كانت رغبة المواطنين الجنوبيين (الانفصال) أهلا وسهلا، لكن يا جماعة كلنا عارفين حجم الترابط والتداخل والمصالح الموجودة بين الشمال والجنوب وهو غير موجود بين أي دولتين في العالم".
وذكّر البشير بنموذج الاتحاد الأوروبي للتأكيد على فوائد الوحدة، معتبراً أن دول القارة الأوروبية خاضت الحروب من الحروب قبل أن تنتقل إلى خيار الاتحاد، غير أنه تعهد أن يقوم بالاحتفال مع الجنوبيين، بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء، وأن الشمال "لن ينصب سرادق عزاء" إذ قرر الجنوب الانفصال.
ودعا البشير إلى التصرف بأسلوب حضاري خلال الاستفتاء وبعده لتفويت الفرصة على "الإعلاميين المحتشدين لتصوير الصراع والقتل الدمار والحرائق" وأعرب عن استعداد الخرطوم لتقديم كل أشكال الدعم الفني واللوجستي والتدريبي للدولة التي قد تولد قريباً في الجنوب.
وفي أول رد فعل جنوبية على مواقف البشير، أعلن سلفاكير ميارديت، النائب الأول لرئيس الجمهورية، أن حكومته اتخذت إجراءات طردت بموجبها حركات دارفور المسلحة من جوبا، ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن سلفاكير قوله "لا توجد معارضة من الشمال تتخذ من جوبا قاعدة لها".
ووصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، وذلك قبل أيام قليلة على الاستفتاء الذي سيحدد مصير جنوب البلاد بالانفصال أو الوحدة مع الشمال، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وقالت الوكالة إن البشير وصل إلى مدينة جوبا صباح الثلاثاء مع الوفد المرافق له، مشيرة إلى أن نائبه الأول، الفريق سلفاكير ميارديت، ورئيس حكومة الجنوب وأعضاء حكومته كانوا في استقباله.
وأشارت الوكالة إلى أن الزيارة تأتي قبل أيام قليلة من الاستفتاء الذي سيقرر مصير الجنوب بالانفصال أو الوحدة، حيث من المقرر أن يعقد الاستفتاء في التاسع من يناير الجاري، وأوضحت أن زيارة البشير تتضمن لقاء مع سلفاكير، ومع حكومة الجنوب، على أن يعقبها لقاء جماهيري دعت له الفعاليات السياسية بالجنوب.
ووفق توقعات كثير من المراقبين فإن هذه الزيارة ربما تحسم الكثير من القضايا المعلقة بين الطرفين، بحسب الوكالة.
وكان البشير قد أكد في كلمة له الجمعة، بمناسبة الذكرى الـ۵۵ لاستقلال السودان، القبول والاعتراف بنتائج الاستفتاء أياً كانت، إذا تم بصورة تعكس الإرادة الحقيقية لمواطني جنوب السودان.
وأضاف قائلاً:" فلتمضِ عملية الاستفتاء على بركة الله، واثقةً بالتزامنا الذي نجدَّده في هذه اللحظة ونؤكده، تعهُّداً بالتاريخ المتفق عليه، وقبولاً بالنتيجة المتأتية عن رغبة المواطنين واختيارهم".
وجزم الرئيس السوداني بأن حماية المواطنين الجنوبيين ومصالحهم أمر نهائي وقاطع وغير قابل لإعادة النظر، كما أكد التزام أجهزة الدولة المختصة بتحقيق النظام والاستقرار خلال فترة الاستفتاء وما بعده، مبيناً أن "العالم سيشهد استفتاءً سلمياً وآمناً".
وبعد أقل من أسبوع، يتوجه سكان ولايات جنوب السودان إلى صناديق الاقتراع لتقرير مصيرهم إما بالاستقلال أو الوحدة مع الشمال، في استفتاء قد يعمل على تغيير خارطة أفريقيا.
وتم توزيع ما يقارب من ۴ ملايين ملصق لصناديق الاقتراع تحمل صورتين وكلمتين، الصورة الأولى ليد واحدة تشير إلى الانفصال، بينما الثانية ليدين وتشير إلى الوحدة.