المعادلة أكثر من يسيرة على الفهم، لكن اختلاط المصالح والحسابات يجعل بعض اللبنانيين، كما بعض العرب، أسرى وهم الحرص الأمريكي عليهم.
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : لم يجلب الخارج للبنان سوى الكوارث وزج الوطن الصغير في مرمى العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً على مدى سنين طويلة. الغزو الإسرائيلي الأول عام ١٩٧٨ والثاني ١٩٨٢ وعدوان تموز ٢٠٠٦، محطات بارزة انقسم اللبنانيون خلالها، كما اليوم، حول قضية لا يجوز الانقسام حولها بين الانخراط في المشروع المقاوم ودعمه وبين الوقوف على الحياد بل ومواجهة المقاومة مباشرة تبعاً لأجندات متبدلة لكنها كانت على الأغلب تصدر من واشنطن وخصوصاً في مواجهة عدوان تموز ٢٠٠٦ عندما وعدت وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس فريقاً من اللبنانيين بتخليصهم من "حزب الله" ضمن مشروعها للشرق الأوسط الجديد لتتحول تلك الحرب إلى حرب أمريكية قادتها "إسرائيل" بالوكالة للقضاء على المقاومة.
وقائع الأمور توضح اليوم أن فريقاً من اللبنانيين لم يتعظ من كل تلك الأحداث مراهناً حتى اللحظة على الخارج الأمريكي، هذه المرة في رفضه المطلق لأي تسوية تجنب لبنان تبعات الفتنة، والزج بفريق "المقاومة" عينه في تهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ضمن محاكمة أقل ما وصفت به من اللبنانيين أنفسهم بأنها مسيسة وغير عادلة واعتمدت شهادات زور، فضلاً عن أنها ترفض حتى اليوم مناقشة شهود الزور ومن فبركهم والاقتراب مما وصف بخط أحمر عريض يتوقع أن يقوض أساس المحكمة.
ساقت القوى والشخصيات اللبنانية الكثير من المبررات القانونية التي جعلتها ترفض آلية عمل المحكمة الدولية وتدعو بالصوت العالي لإحالة الملف إلى المجلس العدلي لكن لم يستجب أحد لا في لبنان ولا وراء البحار، ما يؤكد التواطؤ الأمريكي الفرنسي المبكر للزج بالمقاومة وسورية في جريمة الاغتيال - كما أورد ذلك كتاب سر الرؤساء وكشفه عن مسارعة الرئيسين بوش وشيراك لطرق باب مجلس الأمن لتشكيل المحكمة الدولية - وأكثر من ذلك راهنت تلك القوى على مدى أكثر من خمسة أشهر على المساعي السورية - السعودية لتسهيل توافق اللبنانيين أنفسهم على الحل انطلاقاً من قاعدة ذهبية تقول إن الحل لبناني وما دور الجوار العربي سوى تشجيع الأطراف المعنية ومساعدتها على الوصول إلى ذلك الحل. وقد بدا حتى قبل أسابيع قليلة أن ولادة الحل اللبناني حاصلة إلى حين خروج رفض واشنطن المعلن واستجابة فريق من اللبنانيين لكلمة السر الأمريكية.
أياً كانت الوعود الأمريكية والغربية معلنة، أو جرى تداولها في الغرف المغلقة، فإنها لن تقدم شيئاً للبنان: مسيرة الأعوام، بل العقود الماضية، أثبتت على الدوام أن واشنطن لم تسعَ يوماً إلا لمصلحة أمن إسرائيل، وبالتالي إنهاء كل شكل من أشكال المقاومة، فكيف الأمر في لبنان حيث المقاومة التي قادت تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ وصدت عدوان تموز ٢٠٠٦ وتشكل اليوم توازن الرعب مع إسرائيل؟.. المعادلة أكثر من يسيرة على الفهم، لكن اختلاط المصالح والحسابات يجعل بعض اللبنانيين، كما بعض العرب، أسرى وهم الحرص الأمريكي عليهم.