يسعى الحريري الى الارتماء مجدداً في الحضن السعودي الدافئ ليقيه من البرد السياسي كالذي يعاني منه في هذه الايام .
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : بعد طول انتظار زار سعد الحريري السعودية، لكنه دخل اليها هذه المرة مثقلاً بإقالته من حكومة ما كان يرغب في أن يخرج من رئاستها باكراً، وبانتقاله الى معارضة لم تكن في حسبانه يوماً، وبدخوله في امتحان مصيري ليس مضموناً تجاوزه بنجاح.
ما من شك في أن تلك الزيارة تشكل بالنسبة الى الحريري حاجة وضرورة، وهي وان كانت تتم تحت عنوان عريض محصور بالاطمئنان على صحة الملك عبدالله بن العزيز، فإن هناك من يقول إن من أسبابها ما له بعد توضيحي تبريري لما قاله امام لجنة التحقيق الدولية، وكذلك استرضائي، خاصة بعد ما قاله في حق الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز تحديداً، وايضا في حق الامير الوليد بن طلال، وغير ذلك من سقطات وقع فيها الحريري وكشفتها «حقيقة ليكس».
ومن تلك الاسباب ما له بعد سياسي يسعى من خلاله الحريري الى الارتماء مجدداً في الحضن السعودي الدافئ ليقيه من البرد السياسي كالذي يعاني منه في هذه الايام وليعرف على اي مخدة سياسية سينام من الآن فصاعداً، خاصة انه شعر في لحظة انه متروك على قارعة الأزمة وأدرك في قرارة نفسه بأنه صار في موقع لا يُحسد عليه ابداًَ.
كما ان من تلك الاسباب ما له بعد مادي وطموح في فك الحصار المالي المضروب على زعيم تيار المستقبل منذ فترة غير قصيرة. ويتردّد أن بعض الشحنات المالية قد وصلت في الآونة الأخيرة.
ولكن تلك الزيارة تستولد في المقابل اسئلة بديهية هي التالية:
ماذا عن السعودية، ماذا تعني زيارة الحريري اليها في هذا التوقيت، ولماذا ارادتها المملكة الآن، في ذروة حرب ضروس يشنها الحريري على سلاح المقاومة في لبنان. هل تقف على الحياد؟ وهل تغطي «١٤ آذار»؟ وأين هي من تلك الحرب؟ وهل هناك من يحاول استنساخ الموقف السعودي حول من وصفهم المصدر المسؤول بداية الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز ٢٠٠٦ بالمغامرين، وبالتالي هل توفر المملكة المظلة لشعارات خطيرة ذات بعد سياسي مذهبي، وما من شك في أن عواقبها وخيمة مهما كانت نتائجها.. بالإضافة الى ذلك، اين السعودية من الواقع السياسي الجديد وازاحة الحريري ومجيء نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة؟ لا موقف سعودياً واضحاً أو معلناً حتى الآن، لكن هناك بعض الاشارات البالغة الدلالة، التي يمكن أن تؤشر الى الموقف السعودي:
الإشارة الأولى: الاستياء الكبير من إزاحة الحريري، وتجلت تعابير هذا الموقف في ما كشفه النائب وليد جنبلاط عن اتصال بين الامير مقرن بن عبد العزيز والوزير غازي العريضي، وتبلغ فيه العريضي استياء الملك وقطع العلاقة مع جنبلاط على خلفية الموقف الذي اتخذه في الاستشارات النيابية وتسميته ميقاتي بدلاً من الحريري. الثانية: عدم اعلان موقف رسمي سعودي تجاه الرئيس نجيب ميقاتي، وكل ما قيل له او حوله، قيل همساً وعبر كواليس. حتى ان هناك من بات يعتقد ان «الضوء الاصفر» الذي اعطي لميقاتي يكاد يخفت أو يختفي.
الاشارة الثالثة: اجتماع دار الفتوى ومحاولة إلقاء الحرم على من «تجرأ على مقاربة الحق الحصري لسعد الحريري في رئاسة الحكومة»، واجتماع على هذا المستوى من الأهمية لا يتم بمعزل عن ارادة المملكة ومباركتها له.
الاشارة الرابعة: إحجام بعض الشخصيات السنية عن المشاركة في حكومة ميقاتي، علماً ان من هؤلاء من كان راغباً بذلك وعبر عن تلك الرغبة سراً وعلناً للرئيس المكلف وغيره. ويقال إن «نصائح» تلقاها هؤلاء بالابتعاد عن ميقاتي، وتشريع ما يعتبره الحريري «الانقلاب».
الاشارة الخامسة: التصريح الشهير لوزير الخارجية السعودية سعود الفيصل وما أثاره من التباسات، حول رفع المملكة يدها عن جهود المصالحة في لبنان، وإقران ذلك باستذكار مفردات «التفتيت» و«التقسيم».. ثم الانكفاء السلبي وانقطاع التواصل مع دمشق منذ ذلك الحين، فلا الرئيس بشار الأسد سافر لعيادة الملك عبدالله بعد انتقاله من مشفاه الاميركي الى المغرب، ولا سافر وعاده في المملكة بعد عودته مؤخراً. وفي المقابل لم يسجل اي اتصال سعودي بسوريا بعد الاتصال الذي تبلغ فيه الأسد الاعلان السعودي لفشل مبادرة الـ«سين سين»، وذلك على الرغم من الاشارة البالغة الدلالة التي اطلقها الرئيس السوري في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بداية شباط الماضي بأنه ينتظر مجيء الامير عبد العزيز بن عبدالله «لنعلم ما حدث تماماً» كما قال الاسد، لكن الامير لم يأت بعد برغم ما استبطنته اشارة الاسد من حرص لدى الرئيس السوري على استمرار العلاقة بين البلدين والمسعى السوري السعودي حول لبنان على الايجابية التي كانت قائمة، ومن رغبة في الوقت ذاته في جلاء الامور وسبب انكفاء السعودية ووقف جهودها.
الاشارة السادسة: رسائل الاستياء الشديد التي وردت من المملكة الى «جهات معينة» في لبنان وخارجه، والتي تعتبر ان اسقاط الحريري لم يصبه وحده، بل انه موجه الى المملكة ايضاً. وان المسؤولية الاولى في ذلك تقع على دمشق.
الاشارة السابعة: الصمت السعودي الواضح حيال التصعيد الذي بدأه الحريري بعد إخراجه من السلطة، وترك الامور على غاربها خاصة حيال العنوان الخطير الذي رفعه الحريري في الحرب على «حزب الله» ومحاولة النيل منه في أقدس مقدساته أي سلاح المقاومة ضد اسرائيل. وعدم مبادرتها الى تحذير من يحاول ان يضبط المشهد اللبناني على «لحظة انفجارية» عبر اللعب بنار يخشى اذا ما اشتعلت الا يكون من السهل إخمادها. وهناك من يدرج هذا الصمت في معرض مباركة الحرب الحريرية.
تلك الاشارات وغيرها موضوعة تحت المجهر الداخلي، فهناك مقربون من الحريري يقولون إن المملكة تعرّضت للغدر في لبنان، وبالتالي فإن وجهات النظر متطابقة بين السعودية والحريري حيال التطورات الاخيرة، والشواهد كثيرة، وخاصة التواصل الذي لم ينقطع بين الحريري ووزير الخارجية السعودية سعود الفيصل، وصولاً الى الاتصال الأخير الذي أجراه الحريري بالملك عبدالله قبل ايام. وانتهاء بزيارة الحريري الى المملكة والنتائج التي ستنتهي اليها، والتي ستتأتى من برنامج اللقاءات الحافل والمكثف الذي نظم للحريري وتلك إشارة بالغة الدلالة.
يقول مرجع بارز في الاكثرية الجديدة إن سكوت السعودية على موقف الحريري وفريقه تجاه سلاح المقاومة في لبنان مصيبة لما ينطوي عليه من أخطار واحتقانات وتوترات وارتدادات ليس في إمكان أحد حصر مساحتها، وإن كانت تغطيه مباشرة او مواربة فالمصيبة أكبر. ثم يستدرك ويسأل: «المنطقة تتحرّك من اقصاها الى اقصاها ومنظومة «الاعتدال العربي» سقطت او تبخرت، والهواء التغييري بدأ يهب على المنطقة من الجزائر الى تونس الى مصر الى اليمن الى البحرين الى ليبيا وصولاً الى المملكة نفسها التي بدأت تشهد حراكاً لبعض القطاعات التغييرية تتوازى مع حديث عن أزمة خلافة ووضع صحي محاط بعلامات استفهام، فهل تملك المملكة القدرة على اغماض العين عن النار المشتعلة من حولها وعلى حدودها وفي خاصرتها، وهل تستطيع وسط هذه النار ان تفتح جبهة جديدة في لبنان (وتحديداً مع حزب الله وسوريا)، او بالأحرى ان ترتكب خطأ ربما يكون قاتلاً بالمعنى السياسي ولا حصر لارتداداته؟ نبيل هيثم - صحيفة السفير