التآمر الأمريكي والعجز العربي يعمقان مأساة ليبيا...!!
المؤامرة الامريكي تتلخص بالاستيلاء على اموال عائلة القذافي وتدمير مكونات الشعب والقدرة العسكرية للنظام الليبي .
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : كانت المقامرة المجنونة يوم ٢ آب ١٩٩٠ باحتلال العراق للكويت تحمل دعوة غير مباشرة لامريكا لتكريس وجودها العسكري في مياه الخليج العربي وعلى أراضيه، وكانت هذه المقامرة مقدمة لاحتلال العراق عسكرياً بعد ١٣ عاماَ من الحصار والعقوبات والتدمير المنظم للعراق...الخ.
يومها وقف النظام العربي عاجزاً عن تدارك الكارثة واستأثرت امريكا بتسيير أمور المنطقة بعد أن انهار النظام العربي وتمزق.. و... و...
نذكر هذا اليوم ونحن نتابع استئثار الولايات المتحدة والحلفاء في التحكم بمجريات الحدث الليبي، ونشهد كل هذا التواطؤ، وكل هذا التباطؤ في دعم ثورة الشعب الليبي المنكوب بحكم العقيد على مدى ٤٢ عاما.. وكأن امريكا ترى ان هذا الشعب لا يكفيه ما عاناه من طغيان مجنون على يد المهووس معمر القذافي الذي أصبح حليفاً أثيراً للغرب في السنوات الاخيرة، وهو في كل أزمانه وحالاته كان يخدم بالنتيجة ما تهدف له امريكا من تخريب ليبيا ومن وجود القذافي كعنصر تمزيق للعرب !!
وعندما تعلن أمريكا في اصعب لحظات المواجهة الليبية بأنها ستنسحب من العمليات العسكرية وما يرافق ذلك من تردد وتعمد في اطالة أمد وآلام الشعب الليبي، فهم الأمر في بعديه الأساسيين: الأول هو ان هنالك صفقات مشبوهة تدور للاستيلاء على الاصول المالية للقذافي وعائلته ولليبيا، وهي بمئات المليارات، أما البعد الثاني فهو الاستراتيجية الثابتة للامبراطورية الامريكية بتدمير ما تبقى من مكونات ومقومات ليبيا استكمالاً لما ألحقه القذافي بليبيا باعادتها أكثر من مئة عام الى الوراء.
ولا ندري أين هم العرب الذين يتحدث عنهم وزير دفاع امريكا ورئيس هيئة الاركان المشتركة والذين يطالبهم بأن يقوموا بتسليح الثوار وتدريبهم، وهؤلاء العرب اقتصر دورهم كما هو معروف على أن يصدروا قراراً عن جامعتهم يدعو الغرب للتدخل لانقاذ الشعب الليبي من المجازر والابادة الجماعية التي يرتكبها القذافي بحق هذا الشعب، ولا شك ان دعوة العرب لتولي مهمة يعجزون عنها هو تملص امريكا من المسؤولية، وهو خداع ونفاق.. ذلك ان امريكا تدرك ان قدرات العرب أو الاصح بعض العرب العسكريين ونقصد بعض بلدان الخليج المنخرطة عسكرياً في التحالف هي امكانيات محدودة، والاهم هو ان الارادة العربية غائبة ومغيبة، فهذا النظام كما يقول سمير عطاالله في «النهار» يقف عاجزاً أمام مرآته، وبات مستسلما الى ان مرجعيته في الازمات المستعصية لا تزال في الخارج، وانه لا بد من دور دولي ما، من مسألة كبرى كالحرب الليبية، الى مسألة اهلية كالحكومة اللبنانية. لم يستطع النظام العربي ان ينشىء مرجعية لنفسه. وهو يتهاوى قبل نهاية الرحلة في البحث عن الذات.
ويضيف الاستاذ عطاالله باستذكار أن العرب أنهوا أنظمة النكبة بالنفي أو الاغتيال، لكنهم أقاموا مكانها أنظمة النكسة. وفي الحالين نسوا ان يديروا شؤون الناس وان يلحقوا بضرورات الجيل. وهكذا قامت شعوب من الخاسرين واليائسين وطالبي الهجرة على اعتاب البلدان.
ليس ثمة شك في نيات العسكريين الذين ارادوا تحرير فلسطين، لكن المشكلة كانت في مدى الكفاية، كما كانت في الثمن الذي دفعه المجتمع العربي، بذريعة ذلك، من ترَّد اقتصادي، وتخلف علمي، وتحجر في الممارسة الديمقراطية.
يقول أمين معلوف في «اختلال العالم»، إن المكان الذي احتله عبد الناصر في قلوب العرب كان يمكنه من ان يأخذهم الى أي نظام. لكن الناصرية افتقرت الى شيء أساسي في حريات الشعوب، وهو القليل – على الاقل – من الديمقراطية. أطاحت ٢٥ يناير ٢٣ يوليو، فيما رفع الليبيون الاعلام الملكية، عندما تذكروا ان ادريس السنوسي اقترض من الدولة ٤٠٠ جنيه استرليني، نفقة علاج في تركيا، وعلموا ان اميركا جمدت ٣٣,٥ مليار دولار من حسابات بطل الثورة على ذلك العهد البائد!
لا أحد منا يدري الى متى سوف تظل حال الاختلال قائمة في المنطقة العربية ولا الى أين ستؤدي.
ركب القذافي عربة عبد الناصر وذهب بها الى شرفة نيرون. وتحول عبد العزيز بوتفليقة من ثائر يسدل شعره على طريقة غيفارا الى رئيس يمدد لنفسه وينوي توريث شقيقه. وقبع علي عبدالله صالح ٣٣ عاماً قبل ان يخضع لمبدأ الخروج، وسط صرير ساحات صنعاء وازقتها المتمادية في الفقر، المغالبة للعوز.
نشبه، على نحو محزن، اسبانيا الثلاثينات. تلك التي قال خوسيه اورتيغا إي غاسيت، إنها ليست اسبانيا التي ينبغي ان تكون بل اسبانيا التي اخفقت في ان تصير نفسها. جوهرة مرمية في الرماد. يطرد القرويون اللعنات بأن يرددوا الاغاني الشعبية بالمقلوب. هكذا يقرأ العرب تاريخهم اليوم. وكم أشعر بالنضوب، الشخصي والوطني، عندما اترحل دائماً الى الماضي بحثاً عن مقارنة، أو شهادة، أو اثبات. واصبحت اعتقد ان هذه مجرد تقاسيم على ايقاع الحنين، تسلي أصحابها وتعزي خيباتهم، ولا تفيد في نفع.
جميعنا نخشى ان تتحول بعض الاضاءات التي تبدو هنا وهناك، الى ظلام جديد. فالظلمة، مثل الظلم، موت. تعبَّد الانسان الاول الشمس وهام بالقمر واستضاء طريقه بالنجوم. وسمى كل معرفة نوراً. أليس من معالم الظلام ان العرب صاروا يتحدثون عن الفتنة وكأنها لازمة في اغنية؟
انهكتنا عقدة المؤامرة وثقافتها. يقول أمين معلوف ما خلاصته: لو ان عبد الناصر أقام دولة الحق ووضع حداً للفساد والمحسوبية والتدخلات الخارجية، لكانت كل الطبقات ستسير معه. لكنه آثر ان يلغي النظام بكامله، ويقيم نظام الحزب الواحد، بداعي ان الاختلاف يفتح فجوة يستفيد منها الاعداء، «فبلاده كانت منذ أجيال عدة تعيش في خشية دائمة من المكائد الانكليزية». تعلم نهرو في أوكسفورد وفي سجون الانكليز، كيف يحاربهم. واستطاع ان يقيم في أكثر دول العالم فقراً وتخلفاً أوسع نظام ديمقراطي في التاريخ. إلاباء الوطني، والحرب على الفقر، والتحالف مع السوفيات في وجه الغرب، لم تؤثر في خياره الداخلي من أجل شعبه.
حارب عبد الناصر الشيوعيين والاخوان المسلمين في حدة واحدة، لكنه قلد موسكو في النظام الداخلي، والغى البورجوازيات الصغيرة المنتجة، وطفق يصارع القوى الاشتراكية والرأسمالية، في انحاء العالم العربي، محاولاً اطاحة الملكيات والانظمة الثورية معاً. وعندما استعاد حصاد المرحلة وتأمل ما حدث، من انهيار الوحدة مع سوريا الى كارثة ٥ حزيران، كان الوقت قد تأخر. فقد وهنت مصر، ودب الضعف في الرجل الذي خرجت تودعه قبل ان يتسنى له تصحيح ما مضى.
حاولت كل الانظمة، على نحو أو آخر، تقليد عبد الناصر، ووراثة شرعيته السياسية. وبدت الصورة مشوهة، وأحياناً هزلية، كما في حال «أمين القومية العربية» الليبي. فقد استخدم عبد الناصر في الدرجة الاولى سحره الشخصي في حين ان الحاكم الليبي يتكلم بظاهره شيطانية و.. و.. نكته أو لعبته وكل الصفات الشريرة القبيحة التي لا يتسع لها قاموس اللغة. راكان المجالي