ألحمدلله رب ألعالمین وأفضل الصلاة والسلام علی خاتم النبیین محمد وآله الطیبین الطاهرین وآصحابه المنتجبین
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته؛
أما بعد فإن ظاهرة تفشي فايروس كورونا أدت إلى متاعب كثيرة في شتى البلدان وأصبحت مصدرا لحزن الشخصيات الدينية في العالم لاسيما علماء الأمة الإسلامية .
إن الحوزات العلمية وكبار العلماء بمدينة قم وايران وتأسيا بإرشادات قائد الثورة الإسلامية دام ظله وكذلك سائر المراجع العظام دامت بركاتهم مع تقديم خالص المواسات للعوائل المتضررة وذوي الضحايا والمصابين بهذا الفايروس من كافة أتباع الأديان لاسيما أتباع المذاهب الإسلامية يسألون الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة للمتوفين والشفاء العاجل للمصابين ويؤكدون على لزوم التنسيق مع الجهات الطبية المتخصصة وإتباع إرشادات المتخصصين وتطبيقها حيث أنهم أصبحوا من الأوائل الذين يطبقونها .
من منطلق المنطق الإسلامي فإن الحوادث الطبيعية ظواهر تحمل الحمكة في طياتها وهي تمثل ابتلائات للبشر من أجل إمتحانه وتمهد الطريق لتطوره كما أنها تحذير للإنسان من أجل ايقاظه ووعيه بالنسبة للمعاد وفي نفس الوقت هي عامل للسير به نحوالتطور العلمي للمجتمع البشري ولذلك فإن من واجب علماء الدين تعزيز المبادئ الإعتقادية والتنبيه نحو ضرورة التوجه إلى ضرورة إصلاح النفس وتهذيبها من أجل صيانة المجتمع من الرذائل وكذلك الإلتفات إلى قدرة الله سبحانه وتعالى والتوسل بالذات القدس الإلهية والروح المطهرة للنبي صلوات الله عليه واله والاولياء والإهتمام بالدعاء والمناجات وإحياء وتعزيز النهج المعنوي والروحاني والأخلاقي والعبادي .
إن التبیین الصحیح والعقلاني لهذه الظواهر وفلسفتها وأسرارها وكيفية مواجهتها في منطق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مسؤولية كبيرة حيث أن تعاليم الدين مع أخذ الوحي والعقل والعلم بعين الإعتبار، يمكنه الإجابة على جميع الأسئلة وبإمكانه هداية جميع الأفكار ومن المستحيل أن يقع في فخ الإزدواجية الوهمية بين الدين والعقل والعلاج والدعاء .
إن الإنسان المؤمن ومن منطلق المنطق الديني في أثناء قبول النظام الطبيعي المبني على العلل في العالم، يقوم بالإهتمام بمراعات التعليمات الصحية وفي نفس الوقت يعلم أن لله اليد العليا في الخلق حيث يرفع يد الدعاء والحاجة له سبحانه وتعالى.
إن تعزيز المؤسسات العلمية والتقنيات، تطوير الدراسات والبحوث من أجل العثور على العلاجات المناسبة للمعضلات الإجتماعية والحوادث الطبيعية وتعزيز المشاركة الفعالة لتعزیز الدفاع السلبي، إستمرار النشاط الإجتماعي والإقتصادي، تعزيز التعاون والتكافل الإجتماعي، تعزيز البنى التحتية الثقافية والإجتماعية والإعتقادية والأخلاقية والأسس الروحیة والمعنویة في المجتمع وتحكیم الأخوة الإسلامية وتقویة الوحدة الإسلامیة، واجب خطير يقع على عاتق النخب والمثقفين والمسؤولين ومن هذا المنطلق تقع مسؤولية مضاعفة على قيادات وعلماء العالم الإسلامي في المجالات الإجتماعية والثقافية والإعتقادية والنظرة المستقبلية حيث أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب نظرة شاملة وتعاون من جميع المراكز والجامعات والمؤسسات العلمية الإسلامية والرجوع إلى الرأس مال الإسلامي المنقطع النظير الذي يتمثل بتعاليم القرآن الكریم .
إن المجتمعات الإنسانية في ظل الظروف الراهنة، تحتاج بشدة إلى الهدوء والثقة والمحبة وهذه الظروف هي أفضل فرصة من أجل ايقاظ الفطرة الإنسانية، الايمان بالله تعالى وتعاليم الإسلام الشاملة والفضائل الأخلاقية والعبادات والدعاء والرجوع إلى الأصول الفطرية والإنسانية بصفتها أفضل أسلوب للتبليغ والدعوة .
إن تعالیم دین الخاتم في ظل الظروف العصيبة الراهنة يمكنها أن تكون رائدا للدعوة إلى الإستقامة والعزم والأمل والنشاط والإبداع والتطور والموفقية در جميع الساحات في العالم الإسلامي ولجميع البشرية .
ومن الواضح أنه يجب عدم الغفلة عن خطر الإستكبار العالمي والطواغيت والشياطين وأعداء الإنسانية الذين يتربصون دوائر السوء بالشعوب المستقلة وهؤلاء الطواغيت هم أحد عوامل الكثير من المصائب والفساد في الأرض حيث يستغلون كل فرصة للغزو الثقافي وتدمير إقتصاد وثقافة الدول الضعيفة ومستضعفي العالم ويحاولون تضعيف الدين وخطابه ولذلك يجب التصدي لهم بطريقة ذكية حيث يجب أن لايتم السماح لهم بتشديد الأزمة عبر اخطبوط ثرواتهم وقدراتهم المالية والإعلامية المعارضة للأخلاق والمعنوية .
إن العلماء والقيادات الحقيقية والصالحة لازالوا على عهدهم مع الله والنبي الأعظم صلوات الله عليه واله وأوفياء للإسلام الحبيب والإنسانیة ويعتبرون من واجبهم التضحية في سبيل ضمان سعادة وسلامة الأمم والبشرية .
إن من دواعي فخر الحوزات العلمیة الشيعية في العالم، هذا الواجب حيث تعلن الحوزات العلمية عن إستعدادها وإستعداد المؤسسات التابعة لها من أجل تقديم الخدمات الممكنة لمكافحة فايروس الكورونا وسائر الحوادث الطبيعية والكوارث ولن تتردد فی تقدیم أي نوع من الخدمات المادية والمعنوية وهذا الأمر مستمر بفضل الله تعالى .
يشهد المجتمع الايراني هذه الأيام مشاهد جميلة من روح الأخوة الإسلامية وروح الوحدة الايمانية التي لايمكن وصفها حيث الحركة التطوعية من طلبة وأساتذة الحوزات العلمية والمراجع العظام في سبيل تقديم الخدمات جنا إلى جنب جموع هائلة من الكوادر الطبية والأطباء والممرضين والمسؤولين وسائر الفئات الشعبية وقوات التعبئة والقوات المسلحة والشعب الايراني على وعي تام وثقة بأن رجال الدين وعلماء الحوزات العلمية لا يحملون هم أي شئ سوى تقديم الخدمات له ويقفون إلى جانبهم في جميع الأحوال .
إن الحوزات العلمية وكبار رجال الدين والعلماء في قم المقدسة يرفعون أيديهم بالدعاء من أجل سلامة جميع البشرية من هذه المحنة وجميع الأزمات التي يواجهها الإنسان المعاصر ومع تأكيدها على مراعات جميع الإرشادات الطبية والصحية والعلمية كذلك تؤكد على ضرورة التعاون الدولي لمكافحة هذا الوباء العالمي كما تؤكد أن ترك سياسة التمييز والعقوبات الغير عادلة والتي تعرقل مكافحة هذا الوباء كما يحدث في ايران، هي خطوة إستراتيجية .
لاريب أن طريق التغلب على هذه الأزمات يمر عبر تعزيز النظرة الإلهية للعالم والإنسان وتعزيز مبادئ العدالة ومراجعة النظر في التصرفات الوحشية في الطبيعة والبيئة وتغییر سياسة إفتعال الحروب ومنع إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البايولوجية .
إن الحوزات العلمية مصرة على عدم توقف نشاطاتها العلمية والتبليغية والثقافية والتربوية بسبب هذه الأزمات وتحاول تبديل التهديد إلى فرصة عبر إستخدام جميع الأساليب والتقنيات الحقيقية والإفتراضية المتاحة حيث إستطاعت تحقيق هذا الهدف بفضل الله وإتخذت خطوات أساسية في هذا المجال وهي مستمرة في هذه الحركة بسرعة وتعلن إستعدادها لتبادل التجارب العلمية والبحثية والثقافية لاسيما في مجال الفضاء الإفتراضي مع جميع الجامعات والمؤسسات الدينية والعلمية الدولية.
علي رضا الأعرافي
رئیس الحوزات العلمیة
مدينة قم المقدسة
الجمهورية الإسلامية الايرانية