ریاح الفتنة الطائفية التي تهب فيى الخليج منشأها الخاسر الاكبر من الثورات العربية اي امريكا واسرائيل وحلفائهم في الخليج الفارسي .
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : لا زال العالم يتابع الهبة المفاجئة لربيع الثورات العربية التي أثار بداياتها البوعزيزي، منتفضاً لكرامته و عزته والتي انطلقت من وحي تراكمات اختزنت داخله ترجمة لمعانات تنوعت عبر سنين لتأتي لحظة الانفجار التي لم يكن مفر منها.
كانت انتفاضة بو عزيزي ترجمة لمشاعر ملايين البشر في تونس و خارجها. فانهار نظام تونس، الذي قبض على الحكم سنيناً طويلة أذعن خلالها العباد و الرقاب تحت سلطته البوليسية. وبين مصدق ومكذب لما يحدث، قالها أبو الغيط حينها، أن مصر ليست بتونس. لتثبت القليل من الأيام، أن أبو الغيط لم يكن بقدر المرحلة بقدرته الأقل من المتواضعة في قراءته للأحداث. فبدأت تباشير رياح الربيع تهب في ميادين مصر. وبتدافع الرغبات الداعمة و المعادية لما كان يحدث في مصر، رحل رئيسها، وبدأ النظام يحاول تقليل الخسائر قدر ما يستطيع مدعوماً بأمريكا الخاسر الأكبر ، وكالة عن إسرائيل، في الانهيار الذي لازلنا نشاهد فصوله تتتالى. وخلال ذاك الحراك، لم توفر رياح الربيع أي من الدول العربية بأشكال مختلفة و بمستويات متفاوتة. فهبت العواصف عاتية في كل من ليبيا و اليمن و البحرين، و شديدة بعض الشيء في الأردن، وأقل شدة فيما تبقى ممن لم توفره تلك الرياح.
مع هذا المشهد، ارتبكت "إسرائيل"، و خلفها أمريكا فما عسى أن يقود هذا الربيع إليه؟ حتى اللحظة تلك، أصبحت "إسرائيل" في قمة الارتباك والخطر، حيث أضحت وكأنها سفينة في وسط بحر هائج تتلاقفها الامواج المتفاوتة الارتفاع والمختلفة الاتجاه. لم يعد خط التماس الذي طغى على اللعبة السياسية في الشرق الأوسط لسنوات عديدة، بين أمريكا( إسرائيل) وأعدائها قادر على لعب دوره الآن. خط التماس الذي تمثل في شمال لبنان و حدود غزة وإلى حدٍ ما ساحتي العراق و سوريا. وكانت "إسرائيل" حينها، تستند بدرجة كبيرة على مصر و دورها الكبير في تسويق مشاريع "إسرائيل"، و مساندتها في الكثير من المواطن دعماً لها و محاربةً لمناوئِيها من العرب، وغير العرب.
وكانت تستند أيضاً على موقف الأردن الذي يشترك مع مصر في كونهما دولتان تمثلان المتنفس الكبير ل"إسرائيل" مع ما تمليه اتفاقيات الاستسلام بينهما. خلع حسني مبارك من المشهد العربي وانهارمع غيابه كل ما في مصر مما كانت تستند عليه "اسرائيل". وتحركت رياح ربيع ثورات العرب عبر الأردن، فتعالت النداءات عالية للمطالبة و الحديث في الكثير مما كان محرما الحديث عنه. وكان ذاك الحراك كفيلاً بأن تنكفئ الأردن عن دورها الذي أملت عليه اتفاقية السلام مع "إسرائيل".
هكذا، أصبحت "إسرائيل" اللقيطة بدون أب أو أم أو أخ أو أخت في محيطها. وازداد الخطر عليها. فكان لابد من محاولة لإيجاد علاج ومخرج لما تعيشه. فلا طاقة لها أن تعيش في بحر أعداء تكاثروا، و في شمالها أناس يهددونها بنبراتٍ لم تعتد أن تسمعها بتدمير مطاراتها و كل مواقعها الحيوية رداً على أي تحرش منها بهم، بل ووصل الأمر إلى التهديد باحتلال الجليل وعلى حدودها الغربية الجنوبية، اعداء حاسمين لوجود "اسرائيل". كل هذا جعل من خط التماس التقليدي عالة عليهم ولا يمكن أن يبقى، فهو مصدر تهديد و خاصرة رخوة "لاسرائيل".
تأملت أمريكا مليا في الأمر. فما كان منها الا موقفها التقليدي المتربص بموارد ومقومات القوة في اوطاننا، فحاولت اقتناص الفرص و ادارة الأزمات لربما تمكنت من قطف بعض الثمار أو قللت الخسائر. ففي تونس ومصر حاولت أمريكا، الالتفاف على ما شهده البلدان، وأستماتوا ولا يزالون يستميتون في محاولة اجهاض حراك اليمن و ليبيا. وحطت رياح الربيع في البحرين، وازداد أثر الرياح تلك على الوضع في البحرين،
ولا زالت أمريكا تحاول التأثير على حراك الشعوب لكي لا يتجاوز المسموح في التعرض لمصالح أمريكا. كل هذا وهي مدفوعة من قبل "إسرائيل" بإيجاد مخرج لها ، من هذه أمواج الاردن و مصر المتلاطمة وتهديد شمالها والتي تشكل في مجملها مصادر أرق لحاكمي فلسطين المغتصبة.
وكان الحدث البحريني في المطالبات التي خرج من أجلها الشعب، فرصة من نوع آخر لدهاة السياسة الأمريكية. فلتمان ، الذي صال و جال في لبنان محترفاً تسعير خط التماس التقليدي، عبر الفتنة تارة و عبر التحريض تارة اخرى، لم يكن غائباً عن الحدث فلقد أوفد إلى مياه الخليج الهادئة و الدافئة خلال هذه الفترة. البحرين واجواء المطالبات فيها، كانت لاعداء المنطقة و اهلها فرصة لخلق خط تماس جديد بأقل كلفة على الغرباء. ثمن خط التماس هذا يدفعه أهل المنطقة اقتتالا بين الأخوة و الأحبة بتغليفٍ من لونٍ طائفي مقيت تستدرج من خلاله إيران إلى ساحةٍ أخرى غير الساحات التقليدية التي أثبتت الأيام أن "إسرائيل" أصبحت عاجزة فيها، وكذا أمريكا.
خط تماس تستدرج فيه ايران الى ساحة تكون خاصرة رخوة لها. وقوامها ما حاولوا تسويقه منذ سنوات في ادارة بوصلة العداوة جهة ايران بعيدا عن "اسرائيل"، فتتمكن سفينة "اسرائيل" من الراحة بعض الشيء بينما الرياح عاتية في وجهة اعدائها.
هنا المنطقة الخليجية، حيث إيران لا تملك اوراقا كالتي تملكها في اماكن أخرى وليس لها مقومات قوة كما لها في لبنان و سوريا و غزة، وكذا العراق. إيران هنا تستدرجها أمريكا إلى فتنة طائفية، يمكن أن تسوق لها بشكل منظم وممنهج. وبالنسبة لامريكا و"اسرائيل" فهم ينطلقون من منطق "فلنجرب، وما عسى أن نخسر؟".
فنفخ في الفتنة بشكل غير مسبوق وجيشت كل وسائل الإعلام تمتهن الفتنة و العداوة لمن يحمل معتقداً يشترك فيه مع إيران. لقد وجدت أمريكا ضالتها فأدارت الحراك بشكل أخبث من الخبث مستغلة الجاهزين للتنفيس عن مكنونات انفسهم بنفس طائفي بغيض ومن يحملون نفس الافكار و الرؤى في ادارة احداث المنطقة من أفراد وتجمعات وهيئات . فدفعوا بك لثقلهم لتوريط المنطقة في فتنة طائفية بين مكونات شعوب الخليج أنفسهم، كنتاج لخلق العداوة بين ضفتي المنطقة. وهكذا أصبح مسير الأحداث ، ليس في البحرين،
بل في كل الدول الخليجية يشهد قوالب واشكال متعددة للفتنة. ولم تكن إثارة الفتنة تلك إلا فرصة للمنتفعين منها في تحقيق بعض مما استوطن انفسهم. فترجمت الفضائيات و المنتديات و المواقع و الصحف و الإذاعات الخاصة بهم، مكنون الأفئدة و استعرت نار الطائفية حامية تحرق الكثير من مكتسبات الشعوب في التعايش و التراحم و التعامل الوطني السليم بينهما الذي حاول المخلصين جاهدين تجاوز شروخ وآثار ما شهدته المنطقة في الماضي القريب و الذي سبب استقطابات حادة كما كان الحال فيما رافق الحرب العراقية الإيرانية وما خلقتها من واقع ليس ببعيد عما نشهده هذه الأيام من استقطابات طائفية محزنة.
لست ممن يستهويه حديث المؤامرة. لكن ما حدث لا يمكن تفسيره الا بهذا التوصيف. فكيف للاجواء أن تنقلب راسا على عقب في فترة قياسية قصيرة؟ وكيف يمكن فهم صمت رفع الاصوات الرسمية و الاهلية عالية في الرفع من مسببات الفتنة، بينما لا تسمع لهم همس في تضميد الجراح و اخماد الفتنة و معالجة العقلاء؟ وأيضا هل تخسر أمريكا مما يحدث؟ وهل كانت ستخسر فيما لو سارت الامور بخلاف ما جرى من تجييش مذهبي؟
لقد حققت أمريكا بعض المكاسب في خلق جبهة تماس طائفية مع أعدائها الأكثر حسما في عدائها، وربما ضد أكثر اعدائها ان لم نقل كلهم. ربما كانت احداث البحرين قد استثمرت امريكيا (اسرائيليا) وشكلت نقطة انطلاق لمشروعهم الفتنوي، لكن فتنهم تسير متخفية و ظاهرة لتتسلل الى محيط أعداء امريكا و اسرائيل في كل مكان.
سمها جبهة أو خط تماس ، واي شيء آخر لكن المشترك أن ذخيرته الحقد و القطيعة و التحامل بين مكونات البلدان وانعكاساتها تترجم في كل نواحي الحياة في البيت و المدرسة و الشارع و السوق و المنتزه و حتى في المطعم.
مع تشكل هذه الجبهة سيجبر من يطالب من الشعوب بحقوقه أن تخبوا مطالبه و تأخذ مكانا ثانويا في المشهد، فعليها تتقدم عناوين الطائفية و الاحقاد بل وعلى كل العناوين الأخرى. وتشهرالطائفية و التصنيف في وجه المطالبين بادنى الحقوق المشروعة عندما يمكن وضعهم في الجبهة الجديدة للتراشق. وبهذه الأجواء تكون المطالب المحقة تخضع لمشروع أمريكي (اسرائيلي) فرض نفسه بخبث على خليجنا الهاديء و أبعد منه.
هذه الاجواء وهذه الفتنة لا افق لها في المستقبل. فليس فيها ما يحقق لشعوب المنطقة أي شيء غير تنفيس الاحقاد و الضغائن. بينما الغرباء المتمثلين في أمريكا و "اسرائيل" سيجنون الكثير اولها انقاذ "اسرائيل" مما هي فيه الآن من مخاطر، وتحقق أمريكا " فرق" الذي يمهد لهم لكي يصلوا الى "تسد".
هذه الاجواء تحتم على محبي الاوطان أن يكونوا بقدر الحدث وبقدر التحديات و بقدر الاعداء الكبار اللذين يتربصون بأطراف الجبهة الجديدة التي يأملون تأسيسها و ترخيمها، وبقدر من يحيكون لهم المكائد. فيكون أفضل ما يمكن لاي فرد من ابناء المنطقة الخليجية المحب لوطنه، أن يفر من الفتنة و أن يحاربها بالعقل و المنطق وأن يطبق قول حكيم الحكماء (كن في الفتنة كابن اللبون: لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب).