مرتضى مطهري قامة كبيرة في ساحة وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين مذاهبها ومكافحة التعصب الأعمى وعوامل الشقاق والنزاع.
شارک :
يوم الثاني من مايو أيار سنة 1979 ارتقى "آية الله الشيخ مرتضى مطهري"، على يد الإرهابيين الذين سخّرتهم قوى الهيمنة العالمية لمواجهة الجمهورية الإسلامية مستغلة ظروف الانفلات الأمني في فترة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، وبعده امتدت يد الإرهاب إلى كبار القيادات فقتلت وفجّرت، بل لم يسلم من يد الإرهابيين عامة أبناء الشعب من كسبة وحرفيين وطلاب ومعلمين، مستقوين بحماتهم الأجانب من دعاة حقوق الإنسان!! الذين احتضنوهم و وفّروا لهم المراكز الآمنة حتى اليوم لمواصلة جرائمهم بشتى الصور.
"مرتضى مطهري" قامة كبيرة في ساحة وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين مذاهبها ومكافحة التعصب الأعمى وعوامل الشقاق والنزاع؛ بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاده نقف عند أهم معالم مسيرته التقريبية الوحدوية ومحاور خطابه في هذا المجال :
المحور الأول : اهتمامه بخطاب الوحدة في القرآن الكريم، ويكرر في أحاديثه آيات من كتاب الله تؤكد على وحدة الصف الإسلامي مثل قوله سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾، وقوله:﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
ويذكر الآية الكريمة: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ﴾ ويرى أن الدعوة في الآية إلى مطلق الخير، وأن أهم الخير الدعوة إلى الوحدة الإسلامية.
الثاني : سرد سيرة النبي (ص) والإمام علي (ع) في المحافظة على وحدة الأمة؛ بشأن سيرة النبي (ص) يذكر اهتمام الرسول بعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، حتى كانوا لأمد يتوارثون.
ثم يطيل الحديث في سيرة أمير المؤمنين علي (ع) في هذا الإطار، ذلك لأن مخاطبيه عادة هم الشيعة، يريد بذلك أن يقول لهم إذا كنتم شيعة علي حقًا فعليكم أن تكونوا أكثر من غيركم اهتمامًا بوحدة الأمة، رادًا بذلك على الفئة التي تتخذ من الولاء لآل البيت (عليهم السلام) مدخلاً للتفرقة بين المسلمين.
وفي سيرة علي (ع) يركز على موقفه من الخلفاء لحفظ وحدة الأمة، وتعامله بإخلاص معهم لصيانة الإسلام والمجتمع الإسلامي، من ذلك نصيحته للخليفة الثاني أن لا يخرج مع الجيش في فتح إيران، خشية أن يسبب قتله في تجرّؤ العدوّ وفي تصعيد معنويات الجيش المعادي.
ويشير أيضًا إلى موقف أبي سفيان الذي حرّض عليًا (ع) لأن يثور على بيعة أبي بكر متظاهرًا بأنه يؤمن بأحقية علي في الخلافة، وإلى موقف عليّ (ع) في رفض هذا الموقف بشكل حاسم، مؤكدًا اهتمامه بسلامة الإسلام.
بعد ذلك يقول : «يبدو أن يد أمثال أبي سفيان لا تزال تعبث للتفرقة بين المسلمين متظاهرة بالولاء لآل البيت»!! ويحذّر من هذه الأيدي مؤكدًا ضرورة وضع سيرة علي(ع) نصب العين لدفع شرّ هؤلاء المفرقين.
وفي كتابه "سيرى در نهج البلاغة" (فارسي) يركّز على موقف علي (ع) من وحدة الأمة، وما قدمه على هذا الطريق من تضحيات. ولا بأس أن أنقل عنه عبارة تنبئ عن مواجهة في عصره بين التقريبيين والمفرقين يقول: «علي أصبح فداء للوحدة الإسلامية، أي شخص كان بِقَدَر علي في احترام الوحدة؟ الآخرون كانوا يقطعون وهو كان يوصل.. (من المؤسف) أن رجلاً اليوم يصعد المنبر ليقول : «كنت بحمد الله منذ بداية حياتي معارضًا للوحدة الإسلامية» لا كثّر من أمثالك في هذا المجتمع يا رجل!! ألم تسمع قوله تعالى ...» ثم يذكر الآيات الداعية إلى الوحدة ونبذ الاختلاف.
الثالث : محور بيان طبيعة الدعوة الإسلامية، وهو ما يؤكد عليه الأستاذ الشهيد في كتاباته ومحاضراته بسبب شيوع الخطاب القومي والطائفي في عصره، فيفصّل القول في عالمية الإسلام، ويعرض موقف القرآن والسيرة من الأطر القومية والعشائرية وأي إطار آخر يفصل بين المسلمين.
يستعرض الخطاب الغربي الموجّه إلى الإيرانيين بشأن الدين الإسلامي.. زاعمًا أنه دين غريب على الإيرانيين ولا يرتبط بهم لا قوميًا ولا لغويًا ولا ثقافيًا!! ويردّ على ذلك في كثير من كتبه؛ مؤكدًا على عالمية الدعوة الإسلامية وأسسها الإنسانية، ومشيرًا إلى أن المسيحية التي يعتنقها الغرب هي دعوة انبثقت من أرض فلسطين فهل يمكن اعتبارها غريبة عليهم؟!
ثم يستعرض الأسس التي يقوم عليها الإسلام في تقويم الإنسان من القرآن: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ومن السنة: «يا معشر قريش إن حَسَب الرجل دينه ومروءته خُلُقه، وأصله عقله وإن العربية ليست بأبٍ والدٍ ولكنها لسان ناطق، فمن قَصّر به عمله لم يبلغ به حَسَبُه».
الرابع : الحج ووحدة المسلمين، خصص الأستاذ الشهيد كتابًا للحديث عن الحج وكله يدور حول دور الحج في ترسيخ وحدة المسلمين، والمعاني التي تنطوي عليها مناسك الحج من توحيد للصفوف وتأليف للقلوب وإزالة للفوارق القومية والمذهبية والطبقية.
ويرى أن سنّة الرسول (ص) تقتضي تكريس كل شيء في الحج واستثمار هذا الموسم على طريق وحدة المسلمين، واستشعار روح الأخوة بينهم؛ إذ إن رسول الله (ص) قد استثمر هذا الموسم ليعلن قائلاً : «أيها الناس إنّ ربكم واحد وأباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. إن أكرمكم عندالله أتقاكم. وليس لعربيّ على عجمي فضل إلا بالتقوى» (تحف العقول/ 34).
ويذكر عن علي (ع) قوله عن الحج: «جعله سبحانه وتعالى للإسلام عَلَمًا» (نهج البلاغة/ الخطبة1).
ويذكر معنى العَلَم بأنه الراية التي يجتمع حولها المدافعون عن حياض الأمة، وهي ترمز إلى حياة الجماعة وبقائها وقدرتها ومقاومتها، والعكس من ذلك إذا انتكست الراية فإنها تدل على السقوط والاندحار.
وينقل عن الإمام الصادق قوله عن الحج أيضًا :
«فجعل فيهم الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا». ويشرح المناسك واحدًا واحدًا مبينًا أنها جميعًا تنطوي على معنى ترسيخ مفهوم الجماعة والأمة الواحدة في الإسلام».
الخامس : رفض مقولة «إما أن تقبل كل ما عندي أو ترفض كل ما عندي». هذه هي عبارة الأستاذ الشهيد، وهي تعبير آخر عن مقولة : لنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
ينقل (الاستاذ الشهيد) رأي المعارضين لوحدة المسلمين حيث يقولون "إن الوحدة تعني التنازل عن المعتقدات"، وهم بذلك يخلطون بين توحيد المذاهب ووحدة الأمة في الإطار الإسلامي، ويوضّح أن الوحدة تعني التعاون في حقل المشتركات وهي كثيرة للغاية، ويبقى كل مذهب محتفظًا بآرائه الخاصة. ويورد أمثلة من سيرة علي وآل عليّ، فهم وإن كانوا يحملون رؤيتهم الخاصة، غير أن ذلك لم يمنعهم من أن يقولوا : «والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة» (نهج البلاغة/ 72).
ويذكر لعليّ (ع) أيضًا قوله : «من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت ما سواها ولا أغتفر فقدَ عقل ولادين».
وفقنا الله سبحانه لأن نهتدي بهذا الخطاب التقريبي فهو السبيل الوحيد لإعلاء راية الإسلام واستعادة كرامة الأمة.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية