حديث التقريب.. الثورة الإسلامية الإيرانية والعالم العربي
تنـا - خاص
خمسة واربعون عامًا مرّ على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وكان لذلك الانتصار الأثر الكبير على الساحة العالمية وخاصة على ساحة العالم العربي.
شارک :
حديثنا يقتصر على العالم العربي، فقد كان الجوّ السائد السبعينات من القرن الماضي يتجه إلى الركود والتراجع النفسي، وبلغ ذروته بعد اتفاقية كمب ديفيد (17/9/1978).
الارتباط بين الحياة العربية وبين القضية الفلسطينية بدا واضحًا في تلك الحقبة، فالاتفاقية المذكورة اقترنت باحباط وشعور بالذل واليأس، وكان الأمر يتجه الى الاعتقاد بأن القضية الفلسطينية قد تمّ تصفيتها تمامًا وأن الساحة العربية بدت مستسلمة لقوى الهيمنة العالمية وللصهيونية العالمية.
وإيران في ذلك الوقت كانت قاعدة لأمريكا والصهيونية وكان الشاه يرى في اسرائيل صديقًا وحليفًا، ويردّد في مناسبة وأخرى أن عدوَّ عدوّي هو صديقي زاعمًا أن العرب يناصبون العداء لإيران واسرائيل تعادي العرب فهي إذن صديقته.
وخلافًا لما كان يجري في العالم العربي من مظاهر تدل – ظاهرًا على الأقل – على التراجع والاستسلام كان الشارع الإيراني يغلي ناقمًا على الشاه وأمريكا واسرائيل، وكان الإمام الخميني (رض) يكرر في كلامه أن "أمريكا هي العدوّ الأول للإسلام والمسلمين" وأن "ربيبته اسرائيل غدة سرطانية وُجدت لتتمدد من النيل الى الفرات ولتسيطر على مقدرات البلدان الإسلامية". وكان كل شيء في إيران ينبئ بولادة جديدة لا لإيران فحسب بل للعالم أجمع وخاصة للعالم العربي والإسلامي. غير أن هذه الولادة كان يلفّها التشكيك والغموض، لأن إيران كانت قاعدة لأمريكا ولإسرائيل، فكيف يمكن أن تكون ولادة (الحياة) الجديدة في أحضانها. ولكن وبعد، ثورة شعبية قُدمت فيها التضحيات تلو التضحيات، شاء الله سبحانه أن تنتصر بعد أشهر من معاهدة كامب ديفيد في 12/2/1979 ويرتفع فيها شعار اليوم إيران غدا فلسطين.
وهكذا تحولت قاعدة المكر الاستكباري إلى قاعدة لمناهضة الاستكبار وتحقق قوله سبحانه: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ .
وساد في العالم الإسلامي وعامة في العالم العربي بشكل خاص شعور : - بإمكان أن يستعيدوا أرضهم المغتصبة في فلسطين وأن يواجهوا الصهاينة ومن وراءهم من قوى الاستكبار العالمي.
- بإمكان أن يقيموا نظام حكومتهم على أساس عقيدتهم وثقافتهم وإيمانهم.
- بإمكان أن يستأنفوا مسيرة الحضارة الإسلامية على مستوى متطلبات العصر و...
كل هذا صعّد روح (الإحياء) في النفوس وأعاد (الثقة) التي شاء أعداء الأمة أن تكون مهزوزة وقوّى العزائم التي اُريد لها أن تكون منهارة.
وفي الأرض الفلسطينية توالت الانتفاضات، بدأت بالحجارة وبلغت مستوى الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة.
وخرج الفلسطينيون من عزلتهم التي خلقها حولهم أعداؤهم فأصبحوا مدعومين بمحور المقاومة وبتأييد شعبي عربي وإسلامي وعالمي.
هذا التطور في القضية الفلسطينية يكمن وراء هذا الإيمان الذي غرسه الإسلام في النفوس، وأعادت الثورة الإسلامية إليه النماء والحركة والحياة.
كما أن هذا التطور لم يكن مقتصرًا على فلسطين، بل إنه عمّ العالم العربي والإسلامي نرى في بلدان المسلمين كلها تصاعد إرادة التغيير والتطوير والوعي الحضاري، وهذا كله يبشّر بغدٍ واعد لأمتنا الإسلامية عامة وللعالم العربي بشكل خاص لأن فلسطين تعكس كل مافي العالم العربي من تقدم أو تخلّف في العزائم والمعنويات وإرادة الحياة.
ثم إن الساحة العربية بعد انتصار الثورة الإسلامية شهدت وعيًا أهّلها للوقوف بوجه التحديات، نجحت فيه غالبًا وأخفقت فيه أحيانًا.
لقد تحدّت محاولات إثارة النعرات القومية والطائفية، فقد خطط أعداء الأمة لفصل القوميات في العالم الإسلامي عن بعضها وخلق الحزازات الطائفية بين أبناء مذاهبها. واتجهت هذه المحاولات إلى إثارة العرب ضد إيران وإثارة السنة ضد الشيعة، وكانت الحرب المفروضة على إيران بقيادة حاكم العراق آنذاك تستهدف بالدرجة الأولى إضرام النار في هذه الإثارات، وكان شعار (الفرس المجوس) يشير إلى هذا الاستهداف، فكلمة (الفرس) تعني الإثارة القومية، و(المجوس) تعني الإثارة الطائفية. ولم يكن وراء فشل هذه الحرب في تحقيق أهداف من أشعل نارها سوى الوعي الذي أوجدته الثورة الإسلامية بتركيزها على المشروع الحضاري الذي يتجاوز التفرقة الطائفية والقومية.
ثم إن المشروع الأمريكي والصهيوني بايجاد (داعش) كان واسعًا ومدروسًا ومجهزًا بكل ألوان الأسلحة النارية والإعلامية، وما كان أحد يتصور أنه يُقضي عليه من جذوره، لولا هذا الوعي الذي أوجدته الثورة الإسلامية.
إن مسيرة الهدم والبناء الذي اختطته الثورة الإسلامية الإيرانية سوف يتواصل لهدم الموانع والسدود التي خلقها أعداء الأمة أمام مسيرتها الحضارية، وبناء ما يدفع بالأمة نحو مستقبل يليق بأمة محمد (ص).
بقي إن الشعوب والحكومات العربية يجب أن تعي هذه الحقائق وأن يكون بينها ائتلاف لنصرة الحق والتعاون على البرّ والتقوى لتقويت الفرصة على الذين يريدون خلق أجواء التعاون على الاثم والعدوان. والله وليّ التوفيق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية