حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، من "كارثة إنسانية غير مسبوقة ستحل على مناطق شمال قطاع غزة"، مع إطباق الاحتلال الإسرائيلي حصار مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، منذ أن بدأ الهجوم البري على تلك المناطق مطلع الأسبوع الجاري، ومع استمرار تصعيد وتيرة “جريمة الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين هناك، بارتكاب المجازر وجرائم القتل العمد والتهجير القسري واسع النطاق.
شارک :
منذ 5 أيام يتمترس المواطن محمد الفار (55 عامًا) رفقة عائلته في منزلهم الواقع في قلب معسكر جباليا، ولا يستطيع الخروج منه مطلقًا، بسبب نيران طائرات الكواد كابتر، واستهداف الاحتلال لأي جسم متحرك يحاول الخروج من المخيم.
المواطن محمد الذي استرق بضعة دقائق للحديث إلى مراسل المركز الفلسطيني للإعلام، عبر الهاتف أكد أنهم يعيشون في إبادة حقيقية، لا ماء ولا طعام، ولا دواء، يقول: نحن نموت في الدقيقة ألف مرة، وكل لحظة تستهدف الطائرات المنازل، والطرقات، هناك شهداء في الشوارع ولا أحد يستطيع الوصول إليهم.
ومضى يقول : احنا بننباد في شمال قطاع غزة، المناطق محاصرة تمامًا، وأي إنسان يحاول الخروج، يقتل بدم بارد، أين العالم، أين الضمير الإنساني.
ولليوم الخامس على التوالي، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوما بريا واسعا على مناطق بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، في ظل حصار خانق على سكانها، هو الثالث منذ بدء العدوان على غزة.
ويزداد الوضع سوءا كل دقيقة، حيث تستهدف قوات الاحتلال كل جسم متحرك وتمنع دخول إمدادات المياه والطعام والدواء إلى محافظة الشمال، وسط قصف مدفعي وجوي مكثف.
ونزح المواطن فايز أبو شعيرة من منطقة بئر النعجة وهي منطقة نائية صباح السادس من أكتوبر، تحت القصف إلى قلب معسكر جباليا، ظنًا منه أنه أكثر أمنًا، ليواجه المصير الخانق نفسه في داخل المخيم.
ويقول أبو شعيرة إن الوضع في شمال غزة قاسٍ للغاية، وإن الموت يلاحق الناس في الشوارع، ومسيرات الكواد كابتر تطلق النار على أي جسم متحرك، إضافة إلى قصف مدفعي وجوي لا يكاد يتوقف في كل مكان، “في كل لحظة هناك شهداء.
ويضيف “نحن محاصرون في مخيم جباليا ونتضرع إلى الله أن يزيل عنا هذه الغمة، الوضع في الشمال يفوق الوصف: البيوت تُقصف على رؤوس ساكنيها والشهداء (تنتشر جثثهم) بالطرقات وتحت الأنقاض، في ظل الإمكانيات المحدودة لطواقم الإسعاف والدفاع المدني واستهداف جيش الاحتلال لهم بشكل مباشر”.
ويشير إلى أن مًسيّرات الكواد كابتر تحاصر محافظة الشمال بالنيران، فلا أحد يستطيع التحرك، ويؤكد “لا نعلم إن كنا سنعيش أم لا فكل ليلة تكون أصعب من سابقتها، نحن شعب حر وصاحب كرامة وقضية، حرام إللي بيصير فينا بهدلة الأطفال والنساء، كل شقاء العمر راح، لكننا صامدون”.
ويهدد الاحتلال الإسرائيلي هؤلاء المواطنين الذين يزيد عددهم على 200 ألف نسمة في مناطق وأحياء محافظة شمال القطاع، بإخلاء منازلهم مرتكبا المجازر بحق المدنيين لإجبارهم على النزوح جنوبا وتهجيرهم.
حصارٌ مطبق
الدفاع المدني الفلسطيني يقول في بيان له إن الاحتلال يفرض حصارا مطبقا على شمال القطاع ويعزله عن مدينة غزة بشكل كامل.
وأوضح أن جيش الاحتلال يمنع منذ صباح الأحد دخول الإمدادات الأساسية لمحافظة شمال غزة.
وأوضح أن عشرات الجثث عالقة في الطرقات شمالي القطاع، ولم يتم انتشالهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر والعنيف، مؤكدا أن الاحتلال دمر البنية التحتية في محافظة الشمال، مما جعل عملية الانتقال خلالها أمرا شبه مستحيل.
وقال : إنّ إخلاء مستشفيات شمال القطاع من شأنه أن يؤدي لانهيار كامل في النظام الصحي، كاشفًا أن طواقمه فقط في محافظة الشمال موجودة فقط في منطقة مدرسة الفاخورة في جباليا.
ونبه إلى أنهم يتلقون مناشدات كثيرة من مواطنين مصابين محاصرين داخل منازلهم.
وفي ساعات المساء بعد عصر الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كان محمد هاني وطفله يبحثان عن ملابس دافئة في سوق مخيم جباليا، وفجأة انهالت عليهما قذائف مدفعيات الاحتلال، أصواتها تزلزل القلوب وتثير الخوف في وجوه الناس وهم يركضون إلى مأمن يحول دون إصابتهم بشظاياها التي تحمل الموت والفقد، على حد وصفه.
وأضاف هاني “حملتُ ابني وركضت عكس اتجاه الناس الفارين، أردت أن أسحب عائلتي فقد كانت تنتظرني، من شارع إلى زقاق ألهث خوفا وأملا أن أنجو بأبنائي، وصلت إليهم وحملنا متاعنا على أكتافنا بحثا عن نزوح آمن ولكن إلى أين؟”.
ويوضح أنها المرة الثالثة التي يتوغل فيها جيش الاحتلال في محافظة الشمال ويشن فيها أبشع المجازر، ويقول “نزحنا مرات كثيرة من جنب الركام وتحت القذائف والطائرات والموت يرقص حولنا، عشرات القتلى والإصابات في الشوارع، ليس لدينا قوة لنحملهم ونسعفهم”.
وصدرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن لحصار السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان ردًا على حصار مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة.
عمل في ظل خطورة كبيرة
في حين قال العقيد أحمد الكحلوت مدير الدفاع المدني في شمال قطاع غزة: “لليوم السادس من العملية العسكرية للاحتلال بشمال غزة طواقم الدفاع المدني لا تزال تعمل في ظل خطورة كبيرة على الطواقم والمركبات جراء استهداف الإحتلال لكافة المناطق بمحافظة الشمال ومحاصرة مخيم جباليا مما يحد من قدرة الدفاع المدني للوصول إلى كافة المناطق والمنازل المستهدفة”.
وأكد أن أكثر من ٢٢٠ شهيد حتى الآن بالشمال منذ بدء العملية العسكرية، مشيرا إلى أن طواقم الدفاع المدني عاجزة عن الوصول لعشرات الشهداء والمصابين بأماكن التوغل بمنطقة بئر النعجة ومنطقة ابو شرخ ومنطقة القصايب ومنطقة مقبرة الفالوجا ومنطقة السكة شرق معسكر جباليا.
كارثة غير مسبوقة
أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن كارثة إنسانية غير مسبوقة، ستحل على مناطق شمال قطاع غزة، مع إطباق الاحتلال الإسرائيلي حصار مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، منذ أن بدأ الهجوم البري على تلك المناطق مطلع الأسبوع الجاري، ومع استمرار تصعيد وتيرة “جريمة الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين هناك، بارتكاب المجازر وجرائم القتل العمد والتهجير القسري واسع النطاق.
وأشار المرصد في تقرير جديد حول واقع شمال القطاع إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلية أحكمت حصارها على مخيم جباليا والأحياء الشرقية والشمالية المحاذية له، مثل تل الزعتر والسكة وبيت حانون وبيت لاهيا، إلى جانب التمركز في الجزاء الغربية وصولًا لمقبرة يافا ومفترق التوام.
وأبرز الأورومتوسطي أن جيش الاحتلال يواصل اجتياح أجزاء واسعة من شمال غزة منذ مساء السبت الماضي، وسط شن غارات وأحزمة نارية وقصف مدفعي، بما في ذلك قصف منازل على رؤوس سكانها، ما أدى إلى عشرات الشهداء والجرحى.
وأكد أنه تلقى معلومات أولية عن إعدام قوات الاحتلال الإسرائيلي خمسة فلسطينيين، منهم امرأة ورجل وابنه خلال محاولتهم النزوح من مخيم جباليا، رغم أنهم كانوا يرفعون رايات بيضاء.
إخلاء مستشفى كمال عدوان
وفي تطور خطير، أبلغت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء كامل لمستشفى كمال عدوان الواقع في مشروع بيت لاهيا، شمال غزة.
ونقل عن الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، قوله إنه تلقى اتصالًا من القوات الإسرائيلية وأبلغوه بإخلاء المستشفى من المرضى والطواقم الطبية خلال 24 ساعة، وإلا سيعرضون أنفسهم للخطر.
وأشار إلى أن مستشفى كمال عدوان يعمل بشكل جزئي مع مستشفيين آخرين في شمال غزة؛ هما مستشفى العودة والإندونيسي في جباليا شمال القطاع، بعد أن تعرضوا للتدمير والمداهمة والتنكيل بالطواقم الطبية والمرضى والنازحين خلال الاجتياح الأول لشمال غزة في ديسمبر/ كانون أول الماضي.
ويأتي هذا التطور في وقت يتعرض فيه مستشفى كمال عدوان للحصار وإطلاق النار من مسيّرات “كواد كابتر”، مع شن عشرات الغارات على المباني محيطها، واستهداف بوابتها بقنابل دخانية.
وقد تسبب قصف بناية بقطع الطريق الوحيد الذي كانت تمر منه سيارات الإسعاف من مستشفى كمال عدوان إلى المستشفى المعمداني لنقل عشرات الإصابات الخطيرة، قبل أن يجري تشديد الحصار بالنار على المستشفى وإعاقة حركة الإسعاف ونقل الضحايا.
وتطرق التقرير الحقوقي إلى اعتقال جيش الاحتلال أحد المسعفين خلال نقل مرضى من المستشفى إلى المستشفى المعمداني، رغم وجود تنسيق مسبق لذلك.
وأفاد الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي بتلقي شهادات من فلسطينيين تمكنوا من الوصول إلى مدينة غزة عن مشاهدتهم جثامين شهداء في الشوارع، إلى جانب آخرين من الضحايا تحت أنقاض المنازل التي تعرضت للقصف ويتعذر على طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، حيث تعرض ما لا يقل عن 20 منزلًا للاستهداف في غضون 4 أيام.
وأكد أن هناك آلاف المحاصرين في مخيم جباليا وبيت لاهيا وجباليا يعانون من نفاد شبه تام للمواد الغذائية التي كانت أساسًا قليلة لديهم بسبب إغلاق المعابر الإسرائيلية مع وقف إدخال البضائع والمساعدات القليلة التي كانت تدخل منذ أكثر من أسبوع قبل الاجتياح الجديد.
وأكد أن هناك الآلاف من الأسر لم تخلِ منازلها حتى اللحظة وتعيش ظروفًا صعبة تحت القصف المركز، لافتا إلى أن السكان غير قادرين على الخروج من منازلهم للتزود بالمياه، في وقت لا تتمكن طواقم البلديات أو اللجان المحلية مساعدتهم في الحصول عليها.
الآلاف مهددون بالموت جوعا
وقال إن هذا يعني أن آلاف السكان “مهددون بالموت جوعًا أو عطشا”، علمًا أن جميعهم يعانون من الآثار الكارثية لسوء التغذية نتيجة سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال منذ عام كامل.
وحذر الأورمتوسطي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمل بشكل ممنهج لمحاولة تفريغ شمال غزة من سكانها، ودفعهم للانتقال القسري إلى الجنوب، حيث أصدر عدة أوامر تهجير إلى جانب إلقاء منشورات تطلب ذات الهدف.
وأكد أن تتبع عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي يدلل على أنه لا يوجد لها هدف أو ضرورة حربية، بل تأتي لاستكمال عمليات التدمير التي طالت أكثر من 85% من مباني شمال غزة، خلال ثلاث عمليات توغل سابقة، واستهداف المدنيين وإجبارهم على إخلاء المنطقة وتحويلها إلى منطقة عسكرية بالكامل.
وأشار إلى أن الجيش نصب حاجزًا يقطع طريق صلاح الدين من جهة الإدارة المدنية ويخضع كل من يسلكه للخروج من المخيم للتفتيش.
وطالب الأورومتوسطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإنقاذ عشرات آلاف السكان شمال غزة، ووقف عملية “التطهير العرقي المروعة” التي تجري ضدهم، ووضع حد لـ”جريمة الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل للعام الثاني على التوالي.
وشدد المرصد على ضرورة قيام المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، بالتدخل الفوري والحاسم لإنقاذ عشرات آلاف السكان الذين قال إنهم “يتعرضون لواحدة من أعنف حملات جريمة الإبادة الجماعية التي شهدها القطاع”.