لأول مرة منذ سنوات طويلة تتغير لغة خطاب رئيس الدولة لشعبه... خاطبهم بلهجتهم فتلقوا الرسالة دون حاجة لتفكيك الشفرات والقراءة بين السطور وهبوا للشوارع ليلة أمس (الجمعة) يهتفــون "تحيا تونس".
شارک :
تحيا تونس قالها بن علي ذات صباح سبت صادف أن كان يوم السابع من نوفمبر ١٩٨٧... قالها عندما كان يهم بمغادرة قصر الحكومة بالقصبة وفاجأه صوت رجل بريء أو ربما صوت ببغاء حزبي مرددا "يحيا بن علي"..زمنها ملت الآذان هتافات تخرجها الحناجر خوفا مرددة "يحيا بورقيبة"... في تشخيص بلغ حد التأليه صنعته ماكينة الدعاية الحزبية التي أدارتها بميكيافلية على امتداد سنوات طويلة مسامير صدئة ظنناها اقتلعت بعد التحول... فإذا بها بعد سنوات قليلة من التغيير تعيد الماكينة للدوران ويلتف أخطبوطها حول الاعلام وحول الرئيس فيختنق حق التعبير ويُعطّل التغيير.
هل كان لزاما أن تراق الدماء وتحترق المنشآت والقلوب لكي تخترق الأصوات المكبوتة جدار القصر الرئاسي ويتفطن الرئيس إلى أن بعض من كانوا يحيطون به غالطوه.. فيخرج للناس معلنا أنه فهم الشعب... أن كل برقيات التأييد والمساندة ومظاهر الزينة والاستقبالات الشعبية هي صناعة ماكينة الدعاية وأن الشعب غاضب. لم يغضب الشعب لأن ما تحقق من انجازات وما بلغته تونس من مراتب مشرفة لم يكن بالقدر الكافي.. بل غضب لأنه لم يجن ثمار هذه الانجازات بنفس القدر الذي جنته فئة قليلة... لم يغضب من طول فترة البطالة بل غضب لقصرها لدى كل من دفع رشوة أو كان له ولي نافذ أو من تحزّب وحمل صفة "مناضل"... لم يغضب الشعب من بن علي بل غضب ممن يحيطون به... واليوم يعيش التغيير تغييرا جديدا ولد من رحم أيام دامية موشحة بالسواد... اليوم فقط نتحمل جميعا وزر البلاد بعد أن اعتبر العديد ولسنوات طويلة أنفسهم "كرّاية" بها... اليوم تونس أمانة بين أيدينا فلنحفظ الأمانة.