العلمانيون في عالمنا الإسلامي وقعوا في أخطاء أضرّت بمصالح بلدانهم وشعوبهم . فهم رفعوا شعار فصل الدين عن السياسة. وخلطوا بين المعنى الصحيح للسياسة والمعنى الرائج المنحرف وهو الصراع على السلطة.
شارک :
كانت لنا أخيراً جلسة مع وزير الأوقاف في الجمهورية العربية السورية، تناولنا فيها مختلف شؤون التعاون الديني والثقافي والتقريبي بين البلدين . وكان مما شكا منه السيد الوزير التيار العلماني المتطرف.
ونقل عن السيد الرئيس بشار الأسد أنه سمّى هذا التيار بالداعشية العلمانية.
اصطلاح جديد ينطلق من تجربة المعاناة التي خاضتها سوريا ضد التطرف والإرهاب ورفض الآخر بل القضاء على هذا الآخر.
هذه التجربة تعانيها بدرجة وأخرى بقاع عديدة من عالمنا الإسلامي.
والاصطلاح يعني أن الداعشية لا تقتصر على جماعة بعينها بل هي حالة تشمل الجماعات التي ترفض الاعتدال والاستماع إلى الآخر، ولا تقبل إلا متبنياتها الفكرية مهما بلغت درجة من الانحراف.
العلمانيون في عالمنا الإسلامي وقعوا في أخطاء أضرّت بمصالح بلدانهم وشعوبهم . فهم رفعوا شعار فصل الدين عن السياسة. وخلطوا بين المعنى الصحيح للسياسة والمعنى الرائج المنحرف وهو الصراع على السلطة. السياسة كما يتبين من معناها اللغوي هي إدارة أمور الناس بما يحقق مصالحهم المادية والمعنوية، والسياسي هو الذي يتصدّى لهذه الخدمة الكبرى في ساحة الحياة ويبذل الغالي والنفيس من أجلها.
السياسة بمعناها الصحيح هي الخروج من دائرة الذاتية والأنانية والتوجه نحو خدمة الصالح العام، بينما الصراع على السلطة هو تكريس للذاتية وتعميق لـ(الأنا) في السلوك.
وحين نقول بعدم انفصال الدين عن السياسة إنما نعني عدم انفصال الدين عن الحياة، وعن خدمة الصالح العام.
من المؤسف أن بعض التصرفات الأنانية الحزبية، والأنانية الفردية للمنتمين إلى الجماعات الإسلامية هي التي خلقت هذا الخلط في مفهوم السياسة، ودعت إلى من يقول بضرورة فصل الدين عن السياسة.
ومن أخطاء العلمانيين في عالمنا الإسلامي أنهم لم يكتفوا برفع شعار فصل الدين عن السياسة، بل خلقوا علمانية جديدة تحارب الدين والمتدينين، وتوجه لهم أسوا ألوان الإهانات وتسخر من عقائدهم، وتتطرف في التظاهر بما يخالف الدين.
لقد نزلتُ في فندق بعاصمة إسلامية فوجدت أن الغرفة تخلو من مصحف قلت لصاحب الفندق إني نزلت بفندق بالمانيا فوجدت في مجرها نسخة من القرآن ونسخة من الانجيل، وهي بلد علماني بامتياز، قال لي، ألا تعلم أن العلمانية في بلداننا هي من نوع آخر؟!!
ومن أخطاء العلمانيين في عالمنا الإسلامي أنهم يعتقدون بأنهم هم وحدهم التقدميون، وهم وحدهم الذين يعيشون على مستوى العصر، وغيرهم متخلفون رجعيون ينتمون إلى عصور الظلام!
لذلك لا يمكن أن يستمعوا إلى خطاب ديني مهما كان تقدمياً حضارياً، ولا يمكن أن يعترفوا بثورة تقوم على أساس الدين حتى ولو كانت مثل الثورة الإسلامية في إيران التي قامت أساساً لترسم المستقبل الافضل للأمة ولا أن يعترفوا بفكر وثاب عالمي ديني ولو كان على مستوى فكر الإمام الخميني والإمام الشهيد الصدر وفكر الشهيد مرتضى مطهري وأمثالهم.
هذه الأخطاء يجمعها عنوان واحد هو «الداعشية» أي أنها تجعلهم مع داعش المعروفة في خانة واحدة هي التعصب المقيت ورفض الآخر، وعدم الاستماع إلى أي خطاب يتعارض مع متبنياتهم.
جدير بالذكر أن الداعشية العلمانية تولّد الداعشية الدينية، لأن التعصب يولّد التعصّب، ومحاربة الدين تؤدي إلى ظهور التكفير والتطرف. والإرهاب العلماني يؤدي إلى رد فعل يتمثل بالإرهاب باسم الدين.
إننا من منطلق (التقريب) ندعو الدواعش المتظاهرين بالدين والدواعش القابعين في عبادة العلمانية أن يتخلوا عن طاغوت ذاتياتهم وأنانيتهم وينيبوا إلى المثل الأعلى المطلق، عندئذ سوف (يستمعون القول) وعندئذ سوف (يتبعون أحسنه)، وعندئذ تسود حالة السلام والوئام والتوجه إلى خدمة الصالح العام في المجتمع.
Pوَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ O
محسن الاراكي
الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية