تاريخ النشر2019 6 December ساعة 11:08
رقم : 444318
الدكتور راشد الراشد

تقييم مسار المشروع الوطني في البحرين خلال العام ٢٠١٨

تنا
تقييم مسار المشروع الوطني في البحرين خلال العام ٢٠١٨ مارس 3, 2019 النشرة, تقارير, مقالات إرادة شعب لم تهزم وبيئة إقليمية مترنحة تحت مسلسل متواصل من الإخفاقات والفشل وفواتير مستحقة الدفع والسلطة الحلقة الأضعف...
تقييم مسار المشروع الوطني في البحرين خلال العام ٢٠١٨
الدكتور راشد الراشد مع نهاية العام ٢٠١٨ تكون الثورة الشعبية في البحرين أوشكت على إنهاء عامها الثامن ، حيث تحل الذكرى السنوية الثامنة في الرابع عشر من فبراير المقبل لتدخل في عامها التاسع . وبين فبراير ٢٠١١ وحتى فبراير ٢٠١٩ كانت البحرين محطة نزال ميداني وسياسي بين الشارع الذي قال كلمته وأعلن موقفه بوضوح وبين نظام أصبح عارياً ومكشوفاً لنفسه وللعالم مستخدماً العنف والقوة المفرطة لإسكات الشارع وإخماد صوت المعارضة ولاذ بكل الوسائل المنكرة من أجل السيطرة والبقاء .

لقد إتسم عام ٢٠١٨ بتصاعد حالة الإستهداف للحريات العامة وقمع متواصل بلا حدود طال الأعراض والنواميس وهتك الحرمات ، للإطباق على حركة المطالب الشعبية بالحريات السياسية والديمقراطية ، وهنا في هذا العرض الموجز سنتناول عشر محطات في مسار المشروع الوطني خلال العام ٢٠١٨ أولاً: غياب المشروع الوطني وإستمرار نهج السلطة في فرض سلطة الأمر الواقع بمنطق الغلبة والإستفادة المفرطة من لغة النار والحديد ، وإنهيار تام للعملية السياسية وللدولة المدنية وقيام سلطة الأمر الواقع ، إذ تتسيد المشهد مظاهر الدولة البوليسية بإمتياز ، مع إستمرار سياسة تكميم الأفواه وقمع أي صوت مطالب بالحريات السياسية والعدالة ، ومجابهة الأصوات الداعية لوضع حد لإحتكار السلطة والموارد بقسوة ووحشية متناهية .
وزج بعشرات الآلاف في السجون وأسقط الجنسية عن المئات فيما يعيش قسم كبير آخر من المواطنيين في المنافي القسرية .


ثانياً: تعطّل مسار التوّحد على مشروع وطني واحد لقوى المعارضة السياسية رغم جسامة ما مرت به البلاد منذ فبراير ٢٠١١ فإنها لم تفلح في جعل المعارضة السياسية أن تتجه تجاه بعضها البعض الآخر ، مع الإعتراف بمحاولات عدة بذلتها بعض أطراف القوى السياسية المعارضة لخلق جبهة سياسية معارضة موّحدة ، ورغم مناداة معظم النشطاء السياسيين والمهتمين بضرورة مشروع وحدة المعارضة إلا أن هذا المشروع لم يرى النور ، ولم تستطع الأحداث رغم تأثيراتها المدّوية أن ترتقي بمشروع وحدة المعارضة للواجهة ، ولم تستفز تحالفات السلطة وإستنجادها بالقوات الأجنبية وجيوش المرتزقة وتحالفها مع قوى الهيمنة الأمريكية والبريطانية قوى المعارضة لكي تتداعى كتفاً بكتف في مشروع وطني واحد لمجابهة الموقف ، ولم يحرك ما عمدت إليه السلطة من محاربة أي من مظاهر المشاركة السياسية الحقيقية وما قامت به من حل الجمعيات السياسية وإعتقال جميع قادة ورموز المجتمع وكل النشطاء السياسيين لتقذف بمشروع الجبهة السياسية الموّحدة للأمام .

ثالثاً: إنهيار دولة المواطنة وإنعدام كافة مساراتها على جميع المستويات بإصرار السلطة على الإستفراد والإستحواذ المطلق على القرار والموارد ، وأصبحت كل الموارد موظفة لتعزيز إحتكار السلطة والقرار السياسي فيها وتم إختطاف دولة المواطنة بشكل مريع وتحول مفهوم المواطنة إلى الخوف والهلع من السلطة وإجراءاتها القمعية البالغة القسوة والشدة .
كما تضاعفت عمليات التجنيس السياسي وقد ظهرت على السطح بعض من مخاطرها على النسيج المجتمعي والهوية .

رابعاً: تصاعد وتيرة إستهداف النشطاء وإستخدام القوة المفرطة في مجابهة المعارضيين والمخالفيين السياسيين بهدف إفراغ الساحة من أي صوت يناي بالعدالة وتنفيذ الإستحقاقات الوطنية .
وجرت أكبر عملية تكميم للأفواه يمكن أن تحدث في عملية سياسية يتم الإدعاء فيها ليل نهار بأنها ديمقراطية . ويكفي للزج بناشط له شهرته العالمية كالأستاذ عبد الهادي الخواجة في غياهب السجون وليتعرض لأبشع أنواع التعذيب ، وكذا ليزج بحقوقي كبير له شهرته الدولية مثل الأستاذ نبيل رجب ليزج به السجن لمدة طويلة على مجرد تغريدة على تويتر .

وقد جرى في هذا العام تهديد جيمع النشطاء الحقوقيين بالتعرض إلى نواميسهم وشرفهم وأعراضهم إذا واصلوا الحراك والنشاط الحقوقي . ليوجهوا صفعة.

خامساً: صمود وثبات الحراك الشعبي المعارض بالرغم من قسوة ووحشية الإجراءات القمعية لقمع الحراك الشعبي والذي يستهدف بالدرجة القصوى كسر إردادة الناس إلا أن صمود وثبات الحراك على مطالبه العادلة والمشروعة لا زال يسطر ملحمة وطنبية غير مسبوقة ، وقد تجلى ذلك في صمود وثبات رموز وقادة الحراك الشعبي ، الذين أخفقت كل وسائل السلطة في إخضاعهم أو جعلهم يركعون سواء أمام إغراء السلطة أو إرعابها .

كما يتجسد في إستمرار الحراك الميداني وفرض إيقاعه على السلطة . وشهد العام ٢٠١٨ مسيرات عدة جابت معظم مناطق البحرين وتوجت البرامج بالفعالية الكبرى العريضة الشعبية التي عكست نتائجها ثبات الإرادة الشعبية وصمودها وإصرارها على المطالب بالتغيير السياسي وتحقيق الديمقراطية من خلال إستعادة الشرعية للإرادة الشعبية .

سادساً: إستمرار صمود وثبات القادة والرموز فبالرغم من مضي أكثر من ٧ سنوات من أبشع الممارسات القمعية والتي إتسمت في معظمها بروح الإنتقام وليس بمواد قانون دولة مدنية واضحة ومحددة ، إلا أن صمود وثبات القادة والرموز الدينيين والوطنيين سواء تلك المعتقلة في سجون السلطة أو المتواجدين في المنافي القسرية لم تتغير مواقفهم ولم تتزلزل مطالبهم ولازال إصرارهم على تحقيق المطالب الشعبية العادلة والمشروعة يتواصل حتى اللحظة . بينما لا تزال السلطة تراهن على أن تتكفل قسوة ووحشية الإنتقام وأمد القمع على أخضاع الشعب ، مع أنها رغم مرورة ثمان سنوات كاملة لم تنجز أن تركع أحدهم فيكون مدخلاً للتسوية والإصلاح .

سابعاً : تصاعد مؤشرات الإنهيار الإقتصادي ومغادرة العديد من الشركات إلى الخارج وعودتها إلى مناطق وأماكن أكثر أمناً وإستقراراً .

تتحدث التقارير الرسمية عن عجز ودين عام في موازنة السلطة وصل إلى ١٠ مليارات دولار ، خلال السنوات الخمس الماضية ، بينما يتواصل تضخم الإنفاق على القمع والأجهزة الخاصة به على حساب مشاريع التنمية التي غابت بشكل لافت .

أما أخطر التقارير الدولية فقد أفادت بأن إستمرار تراجع الأداء الإقتصادي على نفس الوتيرة سوف يصل بعجز السلطة عن دفع مرتبات منتسبيها خلال الثلاث سنوات القادمة . ولن نتحدث في هذه العجالة من التقرير عن مسألة الفساد الإداري والمالي المعشعش في أجهزة الدولة وعن فساد أمراء ووزراء السلطة الذين يتحكمون بشكل كامل على الموارد الإقتصادية للدولة .

ثامناً: إستمرار نهج المكابرة والتعنت في معالجة أزمة المشروع الوطني برغم حجم ضخامة أحداث ١٤ فبراير ٢٠١١ وتداعياتها المستمرة لحد اللحظة ، فإن السلطة إتخذت من خيار القوة وضراوة القمع خياراً أوحداً لمعالجة حركة الشعب المطلبية ، وزجت بالآلاف في السجون بينهم صفوة من القيادات والرموز الدينية والوطنية وعرضت البلاد لأبشع عملية إنتقام حدثت في تاريخ البحرين السياسي ، وعمدت إلى حل الأحزاب والقوى السياسية المعارضة المعلنة دون أدنى التفات إلى ما يمكن أن تفرزه هذه الأجراءات من نتائج سلبية وخيمة على الأوضاع .

كما صدت السلطة في هذا الإتجاه عن عدة محاولات قامت بها تركيا والكويت بغرض بحث خيارات التسوية السياسية بدل الإستخدام المفرط للقمع والقوة ضد الشعب في مكابرة تتسم بروح التعنت والإصرار على القضاء جملة وتفصيلا على أية قيمة تتصل بالمواطنة ودولة المواطنة ، وصار النظام مكشوفاً بأنه ذاهب إلى نهاية الخط لتكريس واخضاع السلطة والموارد والشعب لسلطة الأمر الواقع .

تاسعاً : تزايد الهيمنة والنفوذ الأمريكي والبريطاني فقد كشفت الوقائع بأن مستوى الإجراءات القمعية ووحشية ودموية النظام في معالجة الحراك الشعبي المطلبي بأنه ما كانت لتتم ، وما كان يمكن أن تكون ممكنة لو لا الغطاء والحماية الأمريكية . اما البريطانيون فلم يكتفوا بإرسال أعداد ليست قليلة من عناصر أجهزتهم الإستخبارية والأمنية للمساهمة في التخطيط بل والمشاركة في عمليات القمع ، وإنما أعلنوا عن فتح قاعدة عسكرية جديدة لهم في البحرين ، وهي ليست مجرد إشارة دالة على حجم الحماية التي يتم توفيرها للسلطة في مقابل الإرادة الشعبية وإنما إجراء يصل إلى حد إعلان الهيمنة والسيطرة والنفوذ .

عاشراً : مشكلة البيئة الإقليمية التي تعاني من تداعيات مسلسل متواصل من الإخفاقات والفشل على شتى الصعد وكافة المستويات بدءا من فشلها في مشروع إسقاط سوريا ومرورا بفشلها الذريع في إبتلاع العراق وإنتهاء بالهزيمة والعار الذي تلبسته في اليمن .

ومنطقة إقليمية مساندة للسلطة تترنح تحت إستحقاقات مشاريع الهزائم المتتالية وما بدأ يترتب عليها من دفع فواتير هذه الإستحقاقات . والسلطة هي الأضعف عند حلول إستحقاقات الدفع الكاملة ، فمن جهة فإن سلطة آل خليفة تفتقد لأي شعبية يمكن أن تستند عليها عند حلول وقت دفع الإستحقاقات ، ومن جهة ثانية إعتمادها الكلي إقتصادياً ومالياً على المنح والإعانات ، في وقت أشد ما تكون فيه دول الأقليم التي قاد جنوحها السياسي خلال الخمس سنوات الماضية إلى السنت والمليم.

ويضاف إلى ذلك طبيعة البيئة الديكتاتورية والإستبدادية الحاكمة والمهيمنة على المشهد السياسي في كل المنطقة الخليجية ، ووجود الحماية والرعاية الكاملة من قبل إرادة الغرب المتمثلة بجناحيها الأمريكي والبريطاني التي لازالت تواصل من إسنادها ودعمها المطلق والكامل للسلطة الديكتاتورية التي عرّتها الحركة الشعبية في ١٤ فبراير ٢٠١١ ، وتأتي هذه التغطية على حساب المطالب الشعبية المنادية بتعزيز مبادىء الشراكة السياسية والديمقراطية التي يدعي الغرب تبنيها وحمايتها . لقد بات من الواضح أن الإرادة الشعبية وصمودها وصبرها كفيل بتحقيق كل الأهداف التي حملتها الثورة من التخلص من نير الإستبداد والعبودية وسلطة الأمر الواقع . وأن تطورات الإقليم كلها عوامل مساعدة في إنجاز المهمة .



مرآة الجزيرة


/110
https://taghribnews.com/vdcdfo0ojyt0os6.422y.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز