وزير الحرب الإسرائيلي الحالي، نفتالي بينت، يعدّ الأيام الأخيرة في منصب الوزارة، لذلك لا رصيد لتصريحاته حول منع دخول الأجهزة والمساعدات الطبية إلى غزة ما لم تحل قضية الجنود الصهاينة الأسرى لدى المقاومة فيها.
شارک :
يبدو المشهد السياسيّ الاحتلال الإسرائيليّ مضطرباً في ظلّ اقتراب تشكيل حكومة وحدة بين بيني غانتس وبنيامين نتنياهو، والتي من المفترض أن يشغل غابي أشكنازي منصب وزير الدفاع فيها.
بمعنى آخر، إن وزير الحرب الاحتلال الحالي، نفتالي بينت، يعدّ الأيام الأخيرة في منصب الوزارة. والأكثر أهمية أن شكل الائتلاف الحكومي القادم وعدده وطبيعته سيحوّله إلى لاعب ثانوي في الحكومة المقبلة، وخصوصاً في "الكابينت"، حيث أقصى ما يمكن أن يناله وزارة التربية والتعليم.
لذلك، إن تصريحاته حول منع دخول الأجهزة والمساعدات الطبية إلى غزة، ما لم تحل قضية الجنود الصهاينة الأسرى لدى المقاومة فيها، لا رصيد لها، ولا تملك القدرة على تحريك المياه الراكدة في هذا الملف أو إثارة انتباه الجمهور الصهيوني المشغول بمواجهة وباء فيروس كورونا، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
أولاً، المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تدرك مخاطر منع دخول المساعدات الطبية والأجهزة إلى غزة، وأثر ذلك في حالة التصعيد العسكري مع القطاع. ولا مصلحة لـ"إسرائيل" في تصعيد يزيد وطأة الأزمة التي تعاني منها الجبهة الداخلية الصهيونية، في ظل شبه انهيار للمنظومة الصحية، وترهّل في عمل الحكومة والسلطات المحلية، وكشف عورة جهوزية المجتمع الصهيوني تجاه الكوارث الطبيعية والحروب.
ثانياً، منع "إسرائيل" المعونات الطبية عن غزة غير مبرّر أمام عالم تكتسحه جائحة كورونا، وخصوصاً أن الموقف الرسمي لمنظمة الصحة الدولية أن "إسرائيل" يجب أن تتحمل مسؤولياتها كـ"دولة احتلال". وبذلك، لن يأخذ أي تصعيد الصورة الشرعية التي تسعى "دولة" الاحتلال دوماً لإظهارها في أي حرب أو تصعيد تقدم عليه.
ثالثاً، الرأي العام الصهيوني غير جاهز إعلامياً وتعبوياً، وليس مهتماً أيضاً بموضوع الجنود الصهاينة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، فالمستوطن الصهيوني يفكّر الآن في كيفية الحصول على كمامة للوقاية من فيروس كورونا. وفي حال أصيب به، فإنه يفكر في كيفية الحصول على جهاز تنفس اصطناعي!
بكلمات أخرى، إنّ قضية الجنود الصهاينة الأسرى لدى المقاومة لا تعتبر من القضايا المركزية على الأجندة الحكومية والإعلامية الإسرائيلية، ولدى الجمهور الصهيوني في هذه الظروف.
رابعاً، إن التصعيد واحتمال تدحرجه إلى حرب واسعة مع غزة، يعني موازنات إضافية للجيش والمؤسسة العسكرية على حساب المجهود الصحي وباقي موازنات الوزارات الأخرى بالتأكيد، وخصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على نظام موازنة الطوارئ منذ أكثر من عام، ولم يتم اعتماد موازنات جديدة، لعدم وجود حكومة اعتيادية.
أضف إلى ذلك أن تجنيد الاحتياط، النواة الرئيسية للجيش الإسرائيلي في أي حرب، في ظل تسجيل مليون عاطل من العمل في "إسرائيل" والركود في الاقتصاد الإسرائيلي، يعني انتحاراً اقتصادياً للسوق الإسرائيلية، التي تحاول الحكومة والقطاع الخاص جاهدين للتقليل من خسائرها بكل الطرق.
خامساً، استراتيجية نتنياهو منذ انتهاء حرب العام 2014 تتمثل في أن لا حل عسكرياً لمعضلة غزة، وأنه يجب احتواء القطاع من خلال التسهيلات الإنسانية التي تخفف الآثار السلبية للحصار، وأي تصعيد في هذا الوقت يتعارض مع هذه الاستراتيجية، وخصوصاً أن الذهاب إلى التصعيد سيخدم نفتالي بينت سياسياً على المستوى الداخلي، ولن يفيد نتنياهو وشريكه الجديد في الحكومة بيني غانتس.
إن المياه الراكدة في ملفّ الجنود الصهاينة لدى المقاومة في غزة تحركت فعلاً في "إسرائيل"، ولكن بفعل خطاب قائد حماس في غزة، السيد يحيى السنوار، الذي قدم عرضاً للحكومة الصهيونية بإطلاق سراح الأسرى المرضى وكبار السن والأشبال والأسيرات، تحت مسمى مبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا.
وفي المقابل، تقدم المقاومة تنازلاً جزئياً في موضوع الجنود الأسرى الصهاينة لديها، كتقديم معلومات عنهم أو شيء من هذا القبيل.
وبذلك، يتحرك ملف تبادل الأسرى من جديد في ظل أزمة كورونا. ومن الممكن أن يمنح هذا الطرح نتنياهو وحكومته الجديدة السلّم الذي يستطيع إنزالهم عن قمة شجرة رفضهم دفع ثمن صفقة تبادل أسرى جديدة، وفي الوقت ذاته إخراجهم من أزمة تصعيد عسكري، كرد فعل للمقاومة في حالة إصابة الأسرى الفلسطينيين بوباء كورونا.