تاريخ النشر2011 13 April ساعة 15:52
رقم : 45818
بقلم عبدالرحیم التهامی

کلمة فی ذکرى شهادة السید محمد باقر الصدر

وكالة أنباء التقريب (تنا)
یصعب على المرء أن تمرّ علیه ذکرى شهادة السید محمد باقر الصدر من دون أن تختلج فی صدره مشاعر الحزن والشوق..الحزن یجدّده الفقد، والشوق یغذیه الحنین لعصر أنوار إسلامی..بدأه الصدر، لکن قلّ فی زماننا حاملو مشاعله.
کلمة فی ذکرى شهادة السید محمد باقر الصدر
فی مثل هذه الأیام وقبل واحد وثلاثین سنة کان السید محمد باقر الصدر (قدّس سره)؛ وأخته العلویة بنت الهدى؛ على موعد مع الشهادة، جاء ذلک بعد عمر حافل بالعطاء والکدح العلمی، وزاخر بالإسهامات الفکریة العظمى.. و بعد مسیرة کلّها جهاد من أجل بناء أمة فی مستوى الرسالة وفی الموقع الحضاری الذی یلیق بها ویخوّلها دور الشهادة على الناس.
التعاطی المنهجی مع مسیرة وتراث الشهید الصدر ینبغی ألا ینحصر فی الأطر المذهبیة، نقول هذا لأننا نرید بل وندعو إلى القطع مع هذه الذهنیة لما فیها من اختزال وابتسار مشوّه للحقائق والمعطیات، نعم لم یکن الرجل بعیدا عن انتماءه لمدرسة فی الإسلام؛ وهی مدرسة التشیع؛ ولا یضیره ذلک کیف وهو من کتب "فدک فی التاریخ" معالجا لأحد العناوین الکبرى
فی الخلاف السنی - الشیعی، وألف کتاب "نشأة التشیّع والشیعة"، و" بحث حول المهدی"، فضلا على إسهاماته الفقهیة والأصولیة امتدادا وتطویرا للمدرسة الإمامیة التی ینتسب إلیها.
لکن مع ذلک یبقى الإطار الذی یتنزل فیه مشروع الشهید الصدر هو الإطار الإسلامی الأرحب سعة بأفق إنسانی لا یغیب تلمّسه فی معظم الإسهام النقدی الذی قدمه الصدر فی الفلسفة (فلسفتنا) والاقتصاد (اقتصادنا) ومرتکزات المعرفة الإنسانیة کما فی (الأسس المنطقیة للاستقراء).
فقیمة الصدر لیست فی نبوغه وتمیزه العلمی فقط، بل فی تاریخیته؛ فقد عاش الشهید زمانه بوعی ومسؤولیة، عرف کیف ینصت برهافة حسّ إلى لحظته التاریخیة، استکنه قلقها وعرف مفاصل توترها فتداخل معها فی جدل فکری وسیاسی على قاعدة وضوح فی الرؤیة والأفق؛ الأفق الذی لم یکن سوى اجتراح لممکن تاریخی وهو نهضة أمة ارتکست بفعل ترکمات فکریة وتاریخیة إلى الهامش، وتوزعت شبابها الأفکار والایدیولوجیات
الوافدة والدخیلة، أمة کان یرى فیها الشهید أنها تختزن فائض طاقة على استئناف المسیر.
فکتاب "فلسفتنا" کما "اقتصادنا" لیسا مجرد تنظیر بارد وصیاغة هادئة لرؤیة فلسفیة إسلامیة، وبلورة لمذهب اقتصادی إسلامی، تأکیدا لممکنات "الأنا" الإسلامیة فی مقابل التوجهات المارکسیة والرأسمالیة اللیبرالیة، بل هما نتاج لتوترات فکریة وایدیولوجیة وصلت حد اعتبار الدین غیر مهیأ لمعرکة الحیاة وفاقد لقدرة تأطیر الاجتماع الإنسانی، بل وعاجز أمام حرکة التاریخ الذی ینتج من خلال تناقضات بنیاته الداخلیة مجمل البناءات الفوقیة سیاسیة وثقافیة ودینیة..
وفی هذا المفصل بالذات تبرز قیمة الشهید الصدر، الذی لم یتعامل مع التحدی الإیدیولوجی بأطروحات متجزئة وعناوین مشتتة، بل واجه النظریة بالنظریة والمذهب الاقتصادی بالمذهب الاقتصادی عبر منهج نقدی وتفکیکی إلى درجة اعتبر الصدر معها احد المتخصصین فی نقد المارکسیة.
وقیمة باقر الصدر(رض) المُضافة أنه لم یقف عند نتائج
الجدل الفکری فی تأکید صلاحیة الإسلام على قیادة الحیاة وامتلاک النظریة، بل أراد أن یبنی على الشرط الإیجابی الذی توفره النظریة -عادة- مشروع نهضة فی الأمة یخترق موروثات التخلف والطائفیة، فتصدى للمرجعیة لیسد بعض القصور فی أداءها، ولیحوّلها - أی المرجعیة- إلى قیادة فی الأمة تعبر بها نحو عصر أنوار إسلامی.
هذا الدور المرجعی المتسلح بصلابة النظریة لم یغفل أنّ "السیاسی" یعد أحد مداخل الإصلاح فی الأمة، لأن تحرّر الأمة لا یتحصّل إلا بهزیمة الاستبداد، وهذا ما تطلب من الشهید الاحتکاک بالواقع السیاسی، فکان لابد من بناء الأداة السیاسیة، وفی هذا السیاق تم تأسیس "حزب الدعوة". 

فی القراءة التاریخیة وبمعزل عن التفاصیل لا تعنی محطة "حزب الدعوة" فی مشروع الشهید الصدر إلاّ عنوانَ الجمع بین النظریة والممارسة، وبتعبیر آخر نموذج فی المرجعیة التی تصوغ المشروع وتتحمل مسؤولیة قیادته حتى النصر أو الشهادة.


https://taghribnews.com/vdch66nk.23nmzdt4t2.html
المصدر : آفاق
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز