ربيع القرآن - الدرس القرآني الرابع والعشرين؛ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
تنا
”ربّنا الله“ يعني الاعتراف بالعبوديّة لله والتسليم له. وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة؛ لكنّه ليس كافياً. عندما نقول ”ربّنا الله“، فذلك جيّدٌ جدّاً فيما يخصّ تلك اللحظة التي ينطق فيها لساننا بهذه الجملة؛ لكن ”ربّنا الله“ التي ننطق بها اليوم لن تنفع ليوم غد. لذلك يُعقّب الله عزّوجل بالقول: ”ثمّ استقاموا“؛ أي أنّ الاستقامة هي التي توجب ”تتنزّل عليهم الملائكة“، وإلا فإنّ ملائكة الله لا تنزل لمجرّد أن يكون الإنسان صالحاً للحظة أو برهة معيّنة.
شارک :
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
”ربّنا الله“ يعني الاعتراف بالعبوديّة لله والتسليم له. وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة؛ لكنّه ليس كافياً. عندما نقول ”ربّنا الله“، فذلك جيّدٌ جدّاً فيما يخصّ تلك اللحظة التي ينطق فيها لساننا بهذه الجملة؛ لكن ”ربّنا الله“ التي ننطق بها اليوم لن تنفع ليوم غد إذا ما نسيناها. لذلك يُعقّب الله عزّوجل بالقول: ”ثمّ استقاموا“؛ أي أنّ الاستقامة هي التي توجب ”تتنزّل عليهم الملائكة“، وإلا فإنّ ملائكة الله لا تنزل لمجرّد أن يكون الإنسان صالحاً للحظة أو برهة معيّنة. ولا يغمر نور الهداية الإنسان ولا تُمدّ يد الله له لكي تساعده ولا يبلغ المرء منزلة العباد الصالحين. يجب أن يُواصل الإنسان السير على هذا النّهج ويثبت عليه؛ ”ثمّ استقاموا“(١). (٢)
الكلام سهل؛ لكنّ العمل صعب؛ والاستمرار في العمل أصعب بدرجات. البعض يتكلّمون فقط؛ والبعض يجسّدون كلامهم في العمل أيضاً، لكنّهم لا يستطيعون التحمّل في مقابل أحداث العالم، والأعاصير، والسخريات، والعداوات غير المنصفة، لذلك يتوقّفون؛ والبعض لا يكتفون بالتوقّف فقط، بل يتراجعون أيضاً. (٣)
الاستقامة أساس العمل
الاستقامة أساس العمل؛ وإلّا فقد يستطيع إنسانٌ ضعيفٌ مثلي حمل ثقل ثقيل ورفعة لمدّة قصيرة؛ لكن قد لا أستطيع البقاء كذلك وألقي به على الأرض. القويّ هو ذاك الذي يستطيع حمل ذاك الثقل الثقيل طوال المدّة المتوافق عليها. الكثير منّا يملك نوايا حسنة؛ لكنّنا لا نستطيع المحافظة على هذه النيّة؛ هذه النيّة تصطدم في الطريق ببعض العوائق؛ فيبهت لونها وتضعف وقد يحتوي القلب في بعض الأحيان على عامل جذب قويّ -ومكان النيّة هو القلب- فيستقطبها إليه؛ وتنظرون فتتفاجؤون بأنّ النيّة قد زالت؛ وأصبحت نيّة أخرى؛ حينها يتبدّل مسار الإنسان.
عندما ترون أنّ البعض قالوا ”ربّنا الله“، لكنّهم اليوم متوجّهون للأصنام بدل الكعبة، أطلقوا شعارات جيّدة لكنّهم اليوم يسير في الاتجاه المعاكس تماماً لتلك الشعارات، فهذا هو السبب؛ لم يتمكّنوا من الاستقامة والثبات. لماذا عجزوا؟ لأنّ عوامل الجذب تعترض الطريق. (٤)
الإنسان الذي لا همّ ولا حزن لديه
أولئك الذين ثبتوا واستقاموا، تتنزّل عليهم الملائكة؛ أي أنّهم يرتبطون في هذه الحياة الدنيويّة بالملكوت الأعلى؛ ويكتسبون ذخراً لا متناهياً من النواحي الروحيّة والفكرية والنفسية، ولا خوف ولا حزن وغمّ يجتاحهم. والمقصود هو الخوف من الأخطار التي قد تعترض طريق الإنسان وتهدّده. عندما ينتزع الإنسان الخوف من قلبه، يمشي في هذا الدرب بجرأة وقوّة أكبر وروحيّة أفضل ويقترب من الهدف أكثر فأكثر. عندما يتخلّى الإنسان عن أحزانه ومخاوفه، يكون منشأ ذلك أنّه لم يعد لديه ما يخشى فقدانه. فهو يعلم بداية بوجود توفيقات عظيمة في هذا المسار؛ وثانياً، هو يدرك أنّه لو فقد شيئاً فذلك من أجل التكليف الإلهي، وبذلك يهنئ ضميره ويرتاح؛ ومثالٌ على ذلك عوائل الشهداء الذين استشهد أبنائهم وفجعوا بهم، لكنّ قلوبهم مسرورة في الوقت عينه.(٥)
ثمار الصمود الحلوة
موزانة القوّة في العالم، لا ترتبط فقط الأسلحة والعتاد العسكري الظاهري والقوة العظمى الظاهريّة فقط؛ بل إنّ الصّمود ضروري. وشعبنا صمد وانتصر -في الثورة الإسلامية، وفي الحرب، وخلال الفترة التي تلت الحرب- وهو يصمد اليوم أيضاً وينتصر. هذه الضغوط التي ترونها -الضغوط الإعلاميّة، السياسيّة والاقتصاديّة- سببها أنّ الشعب الإيراني عمل بالآية الشريفة ”قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا“، وأعلن عن كلمة الحقّ وإرادته المنطقيّة والمشروعة -التي تتمثّل في الأخذ بزمام أموره ومنع تدخّلات الأعداء والاعتماد على الحكم والدين الإلهي- بصوت بليغ وصمد على كلمته هذه. لكن من هو الذي سينتصر في هذه المواجهة؟ سينتصر الشعب بصموده. (٦)
لقد وعد الله بشكل قاطع قائلاً: ”إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا“؛ نتيجة الاستقامة على الدرب الصحيح هي أن يزيل الله عزّوجل الحزن والخوف من قلب الإنسان وأوساط المجتمع ويمنّ عليهم بالتوفيق والنجاح.
ومسارنا الذي اخترناه مسارٌ إلهي. والمسار الإلهي لا يعني العبادة والانزواء فقط؛ بل يعني العبور بالمجتمع البشري نحو السعادة. لقد اختار شعبنا هذا المسار؛ أي مسار العدالة، ومسار الإنصاف، ومسار العبوديّة الإلهيّة، ومسار المساواة بين الناس، ومسار الأخوّة بين الناس ومسار الأخلاق الحسنة والمحبّذة والفضائل الإنسانيّة؛ وقد صمد وثبت على هذا النهج والمسار؛ وواجه كلّ الصعوبات ولم يسمح للخوف بالتسلّل إلى قلبه. (٧)
الهوامش:
١) سورة فصّلت، الآية ٣٠
٢) كلمته في لقاء أعضاء الحرس الثوري ٩/١٠/٢٠٠٢
٣) كلمته في لقاء رئيس ومسؤولي السلطة القضائية ٢٨/٦/٢٠١٠
٤) كلمته في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة ٣٠/٨/٢٠٠٥
٥) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ١٢/١٢/٢٠٠١
٦) كلمته في لقاء عدد من الممرّضين ٢٥/٧/٢٠٠١
٧) كلمته في لقاء أهالي مدينة كرمسار ١٢/١١/٢٠٠٦