المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - الشؤون الدولية
حديث التقريب : عاشوراء بمنظار التقريب
تنا
من منطلق «التقريب» والحرص على وحدة المسلمين. ومن الإحساس العميق بالحاجة الملحّة الى إحياء روح العزّة والكرامة في نفوس المسلمين ندعو الى إحياء ذكرى الحسين في الوجدان الشعبي الإسلامي. لأنه الشهيد الذي تهفو إليه القلوب وتنشدّ إليه العواطف وتجيش لذكراه روح الغيرة والفداء «يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين، وكثير من غير المسلمين».
شارک :
حديث التقريب
عاشوراء بمنظار التقريب
ذكرى العاشر من محرم سنة 61 هجرية هي:
ذكرى مفعمة بثقافة صنع «الإنسان» الإنسان القادر على مواجهة المواقف الصعبة بصمود وعزّة وإباء.
الإنسان الذي يحمل المشروع الإصلاحي وفق منهج رسول الله(ص).
الإنسان الذي يضحي بالغالي والنفيس من أجل المبدأ.
الإنسان الذي يحمل هموم الأمة ويرنو ببصره إلى الأهداف البعيدة.. البعيدة جدًا.
إنها ثقافة الإحياء..
وبالإحياء يصبح جسد الأمة مترابط عضويًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
وبالإحياء نعود أمة واحدة متعالية على الصغائر ومترفعة عن الخلافات الذاتية والأنانية.
ثورة الحسين مفعمة بدروس ثقافة التقريب.
ثورة الحسين إحيائية بامتياز، والاحيائيون قادرون على أن يرتفعوا في بصيرتهم إلى مستوى فهم ثورة الحسين.
يقول الشهيد مرتضى مطهري ما ترجمته:
«لكل إنسان منطق خاص، وطريقة تفكير خاصة. ولكلٍّ معاييرُ ومقاييس يحدّد بموجبها موقفه من المسائل والظواهر المختلفة.
وللشهيد منطق خاص.. إنه «منطق الشهيد» الذي لا يمكن قياسه بمنطق الأفراد العاديين. فمنطق الشهيد أسمى.. إنه مزيج من منطق المصلح ومنطق العاشق.. منطق المصلح الذي يتضوّر قلبه ألمًا لمجتمعه، ومنطق العارف العاشق للقاء ربه.
بعبارة أخرى لو امتزجت مشاعر عارفٍ عاشقٍ للذات الإلهية بمنطق إنسان مصلح لنتج عن ذلك «منطق الشهيد».
لا أحسب أني استطعت أن أعطي «منطق الشهيد» حقّه من التصوير والتوضيح فلأضرب لذلك مثلاً:
حين توجّه الحسين بن علي (عليه السلام) نحو الكوفة، أجمع عقلاء القوم على منعه من السفر قائلين: إن عزمه على السفر إلى العراق غير منطقي.
وكانوا صادقين فيما يقولون.. لم يكن عزم الإمام ينسجم مع منطقهم.. مع منطق الإنسان الاعتيادي.. مع منطق الإنسان الذي يدور فكره حول محور مصالحه ومنافعه. لكن الحسين كان له منطق أسمى، كان منطقه منطق الشهيد، ومنطق الشهيد أسمى وأرفع من منطق الأفراد العاديين.
لم يكن الناصحون له من عامة الناس، بل كان بعضهم من السياسيين العلماء، ومنطقهم منطق السياسة والمصلحة، منطق الحنكة والذكاء الذي يدور حول المصلحة الفردية والانتصار الشخصي على المنافسين.
وذهاب الحسين إلى العراق عملية خاطئة استنادًا إلى هذا المنطق.
وهنا تجدر الإشارة إلى اقتراح ذكيّ قدّمه أحد الناصحين إلى الحسين..
لقد اقترح عليه أن يسلك طريقًا سياسيًا من نوع الطرق التي يسلكها «الأذكياء» ممن يتخذون الناس وسيلة لتحقيق أهدافهم وممن يقفون في المؤخرة دافعين الجماهير نحو مقدمة الجبهة، فإن أُحرز النصر نالوا ما جنته يدُ الجماهير، وإن فشلت الجماهير وقفوا على التلّ سالمين!!
قال للحسين: «يا ابن عمّ إنّي أتصبّر ولا أصبر، إنّي أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال، إنّ أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم، أقم في هذا البلد، فإنك سيد أهل الحجاز،فإن كان أهل العراق يريدونك ــ كما زعموا ــ فاكتب إليهم، فلينفوا عاملهم وعدوّهم، ثم أقدم عليهم»(ابن الاثير 4/16).
يريد هذا الناصح المخلص أن يضع جماهير العراق في مقدمة الجبهة والحسين في المؤخّرة.
يريد أن يقول للحسين: دع أهل العراق يواجهوا العدوّ بأنفسهم، فإن انتصروا فقد استتبّ الأمر لك، وإن لم يفعلوا كنت في حِلّ منهم، ولن يصيبك مكروه.
لم يُعرِ الحسين أي اهتمام لهذا الاقتراح وأعلن عن عزمه على الذهاب.
فقال له الناصح المشفق: فإن كنت سائرًا فلا تَسِرْ بنسائك وصبيتك.
أجابه الحسين: يا ابن عم، إني لأعلم أنّك ناصح مشفق، وقد أزمعت وأجمعت المسير!!
نعم..
منطق الشهيد منطق آخر: منطق الشهيد منطق الاشتعال والإضاءة، منطق الانصهار والانحلال في جسم المجتمع من أجل بعث الحياة في هذا الجسم، وبعث الروح في القيم الإنسانية الميّتة.. منطق تسجيل الملاحم.. منطق النظرة البعيدة .. البعيدة جدًا.
ومن هنا كانت كلمة «الشهيد» مقدسة عظيمة.
ومن هنا فإننا لا نعطي الشهيد حقّه إن وصفناه أنه «مصلح» لأنه فوق المصلحين، أو أنه «بطل» لأنه أعظم من الأبطال».
وسيد قطب من الذين تجاوزوا حصار الطائفية ونظروا الى الحسين بمنظار إحيائي رسالي فهو في تفسير «في ظلال القرآن» يقف عند معنى النصر في قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ . يضرب مثلا من تاريخ الأنبياء بإبراهيم (عليه السلام) وهو يُلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا الدعوة إليها، فهو في موقف نصر لا هزيمة.
ويضرب مثلا من تاريخنا الإسلامي بالحسين «وهو يُستشهد في تلك الصور العظيمة من جانب، المفجعة من جانب. أكانت هذه نصرًا أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة.
فأما في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصرًا. فما من شهيد في الأرض تهتزّ له الجوانح بالحبّ والعطف، وتهفو له القلوب، وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه. يستوي في هذا المتشيّعون وغير المتشيعين، من المسلمين. وكثير من غير المسلمين!».
ذكرى كربلاء الحسين درس ضروري وهام لامتنا تحتاجه دائمًا، خاصة حين تتفاقم ظروف الإذلال والاستسلام. وهذا الدرس يجب أن يدخل في وجدان الامّة ويختلط بمشاعرها وأحاسيسها ، وذاك مالا تستطيع الكتب والمقالات وحدها أن تفعله.
لابدّ من استخدام الأدب والفنّ. ولابُدّ من اهتمام تربوي وإعلاميّ وشعبي واسع، وهذا غير شائع مع الأسف على النحو المطلوب على صعيد عالمنا الإسلامي.
الاهتمام الإسلامي بهذا المقطع التاريخي الهام، وإحياؤه إحياءًا يدخل في الوجدان الشعبي، يستطيع أن يحيي روح "العزّة" في نفوس المسلمين، ويستطيع أن يعبّئ عواطف الأمة المسلمة في اتجاه رفض الخضوع للظلم والاستسلام للطغاة والمتجبرين.
لا يجوز أن تبقى ذكرى الحسين حيّة لدن طائفة من المسلمين ويُحرم من عطائها غيرهم. لابد من إحيائها على الصعيد الإسلامي. عندئذ ستكون وسيلة "تقريب" بل توحيد لعواطف الأمة وأفكارها واهتماماتها وتطلّعاتها.
من منطلق «التقريب» والحرص على وحدة المسلمين. ومن الإحساس العميق بالحاجة الملحّة الى إحياء روح العزّة والكرامة في نفوس المسلمين ندعو الى إحياء ذكرى الحسين في الوجدان الشعبي الإسلامي. لأنه الشهيد الذي تهفو إليه القلوب وتنشدّ إليه العواطف وتجيش لذكراه روح الغيرة والفداء «يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين، وكثير من غير المسلمين».
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية