تأخر الاهتمام بفكرة حقوق الإنسان في المجال الإسلامي
تنا
عند النظر لبداية الاهتمام بفكرة حقوق الإنسان، بأبعادها الفكرية والقانونية والفقهية والسياسية، في المجال الإسلامي المعاصر، يمكن القول إن هذا الاهتمام جاء متأخرا .
شارک :
الأستاذ زكي الميلاد
عند النظر لبداية الاهتمام بفكرة حقوق الإنسان، بأبعادها الفكرية والقانونية والفقهية والسياسية، في المجال الإسلامي المعاصر، يمكن القول إن هذا الاهتمام جاء متأخرا، وبصورة عامة يرى الباحث المصري حسنين توفيق إبراهيم في دراسة له بعنوان (حقوق الإنسان في الكتب والرسائل الجامعية وبعض الدوريات العربية)، نشرت سنة 1988م، يرى أن الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في الدراسات الفكرية والفقهية والدستورية في العالم العربي ضعيف عند مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، وحتى في الدراسات الأكاديمية.
وبداية الاهتمام الجاد والمتصل بهذه الفكرة في المجال الإسلامي، كان مع بداية ثمانينيات القرن العشرين تقريباً، حيث ظهرت وتوالت العديد من الكتابات والمؤلفات على مستوى النشر والتأليف، وعلى مستوى تشكيل المؤسسات والهيئات التي تعنى بهذا الشأن.
وقبل هذه الفترة ظهرت كتابات ومؤلفات لكنها كانت محدودة ومتفرقة ومتباعدة، بشكل لا تكاد تشكل ظاهرة تلفت الانتباه لهذه الفكرة في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر.
من هذه الكتابات على سبيل المثال وليس الحصر، كتاب الدكتور علي عبد الواحد وافي (حقوق الإنسان في الإسلام) الصادر سنة 1957م، وكتاب الشيخ محمد الغزالي (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة) الصادر سنة 1963م، وكتاب عبد السلام الترمانيني (حقوق الإنسان في نظر الشريعة الإسلامية) الصادر سنة 1976م، إلى جانب مؤلفات وكتابات أخرى قليلة.
لكن هذه الكتابات والمؤلفات أخذت وضعية مختلفة مع بداية ثمانينيات القرن العشرين حيث شهدت تنامياً متصاعداً، وكان اللافت في الأمر ما أشار إليه حسنين توفيق إبراهيم في دراسته المذكورة حيث وجد أن الاتجاهات الفكرية والسياسية التي سبقت الفكر الإسلامي في الاهتمام والاشتغال بفكرة حقوق الإنسان منذ النصف الثاني من حقبة السبعينيات، إلا أن هذه الصورة تغيرت مع بداية اهتمام الفكر الإسلامي بهذه الفكرة، الذي شهد ارتفاعاً وتزايداً من ناحية كمية مقارنة بتلك الاتجاهات المغايرة.
هذا التطور في اهتمام الفكر الإسلامي بفكرة حقوق الإنسان جاء متأثراً بحركة التحولات والتغيرات التي حصلت في المجالين الإسلامي والعالمي، وعلى الصعيدين الفكري والسياسي، حيث لفتت هذه التحولات انتباه الفكر الإسلامي بضرورة مراجعة وإعادة النظر في بعض المفاهيم والقضايا، وبمنهجية جديدة مختلفة عن المنهجية السابقة، وشملت هذه المراجعة تلك المفاهيم والقضايا التي كانت غائبة، أو التي كانت تمثل منطقة فراغ في ساحة الفكر الإسلامي.
وفي هذا النطاق جاء الاهتمام بفكرة حقوق الإنسان التي طرحت على نطاق واسع عربياً وإسلامياً ودولياً، وتأكدت الحاجة لتكوين المعرفة بهذه الفكرة، والعناية بها في إطار المنهجية الإسلامية.
والتفت إلى هذا التطور الدكتور محمد عمارة في كتابه (حقوق الإنسان في الإسلام.. ضرورات لا حقوق) الصادر سنة 1985م، وأشار إليه بقوله: شهدنا كتابات طيبة وجيدة تبرز حديث الإسلام وسبقه في التقنين لحقوق الإنسان، وهو ميدان خصب وهام ما زال ينتظر الكثير من الجهود التي يمكن أن تسلح إنساننا العربي المسلم ضد الاستبداد والقهر والاستلاب من جهة، وتثري الفكر الإنساني بهذه القضية المحورية من جهة أخرى، وتنصف حضارتنا العربية الإسلامية وفكرنا الإسلامي وديننا الحنيف من جهة ثالثة. إنه ميدان هام من ميادين البحث والاجتهاد، ومن الضروري أن يتنافس فيه المتنافسون.