تاريخ النشر2025 22 March ساعة 14:05
رقم : 671404
نداء حرب* 

الأمُّ.. بَذْرَةُ النَّورِ في مَهْدِ النيروز

تنـا
عيدُ الأمِّ وَعيدُ النيروزِ يَلتَقِيَانِ كَنَغْمَتَيْنِ في سيمفونيةِ الخَلودِ : وَاحِدٌ يَحْمِلُ نَسيمَ التَّجَدُّدِ، وَالآخَرُ يُجَسِّدُ سِرَّ الوُجودِ...
الأمُّ.. بَذْرَةُ النَّورِ في مَهْدِ النيروز
في اللّحظةِ التي تُلامسُ فيها أشعةُ النيروزِ الأولى تَقَبُّلاتِ الأمهاتِ، تَتَجَدَّدُ الأَرْضُ وَتَنبُتُ القلوبُ. عيدُ الأمِّ وَعيدُ النيروزِ يَلتَقِيَانِ كَنَغْمَتَيْنِ في سيمفونيةِ الخَلودِ : وَاحِدٌ يَحْمِلُ نَسيمَ التَّجَدُّدِ، وَالآخَرُ يُجَسِّدُ سِرَّ الوُجودِ؛ هُنا، تَصِيرُ الأُمُّ هِيَ الرَّبيعُ الَّذِي لَا يَغِيبُ، وَالأَرْضُ هِيَ الحَضْنُ الَّذِي لَا يَخُونُ.  

ففي زَوايا البُيوتِ، حَيثُ تَتَلألأُ شُمُوعُ الأُمُومَةِ بِوِجهِ الفَصلِ الجَديدِ، تَجلِسُ الأُمُّ كَالفَنّانَةِ العَظِيمَةِ تَنسُجُ بِأَنَامِلِهَا المُحِبَّةَ عالماً مِنَ الجمال، هِيَ تَضَعُ عَلَى سُفرَةِ "هَفت سين" بَصمَاتِ قَلْبِهَا : سَبزَةُ القَمحِ تَنبُتُ كَأَمَلٍ يَشقُّ الثَّلجَ، وَسَمَنوُ الحَنِينِ يَذُوبُ بِحُلاوَةِ الذِّكرَى، وَسِكَّةُ التَّوَازُنِ تَملِكُهَا يَدُهَا الحَنُونَةُ، الأُمُّ هِيَ رُوحُ "نيروز"، تَحمِلُ فِي صَمتِهَا أَسرارَ التَّجَدُّدِ، وَتَزرَعُ فِي أَطفالِهَا بُذورَ الانْتِظَارِ: انْتِظَارِ الرَّبيعِ الَّذِي يَأْتِي مُتَوَشِّحاً بِالعِطْرِ وَالنَّورِ

النيروزُ يَأْتِي حَامِلًا رَائِحَةَ اليَاسَمِينِ، وَالأُمُّ تَأْخُذُ بِأَيْدِينَا لِنَرْسُمَ عَلَى جَبِينِ السَّنَةِ الجَديدَةِ وَعْدًا: لَنْ تَنْقَطِعَ حَلْقَةُ الحَيَاةِ مَا دَامَتْ أَنْفَاسُهَا تَدِفُّ.  

أُمَّهَاتُ الشُّهَدَاءِ.. جَذْرُ العِزَّةِ الَّذِي يَنْسُجُ السَّمَاءَ و نَبضُ الأَرْضِ الَّذِي لَا يَخْفُتُ
  
تَجِدُ أُمًّا لَا تَملِكُ فِي "هَفت سينِهَا" ويوم عيدها إِلَّا قِطْعَةً مِنْ ثَوبِ وَلَدِهَا الشَّهِيدِ، وَقِصَّةً مَنْسُوجَةً بِدَمِ العِزَّةِ، تَجلِسُ إِلى جَانِبِ سُفرَتِهَا، تَقرَأُ فِي عُيُونِ الرَّبيعِ وَجْهًا لَمْ يَغِبْ، تَسْمَعُ فِي حَفِيفِ الأَشْجَارِ صَوْتَهُ يَهْمِسُ: "أَنَا هُنَا"، أُمَّهَاتُ الشُّهَدَاءِ هُنَّ وَرَدَاتٌ تَتَفَتَّحُ عَلَى أَطْلَالِ الجِرَاحِ، يُرَبِّينَ الذِّكرَى كَالسَّبزَةِ، يُنْشِئْنَهَا مِنْ بُذورِ الأَلَمِ لِتَكُونَ نَبَاتًا يَصْعَدُ نَحْوَ السَّمَاءِ. فِي "نيروز"، تَتَجَدَّدُ أَحْلَامُهُنَّ كَالنَّهْرِ الَّذِي يَعْبُرُ الصَّخْرَ، وَيَحْمِلُ فِي جَرَيَانِهِ وَعْدًا: لَنْ تَمُوتَ الحَيَاةُ.

وَأُمَّهَاتُ الشُّهَدَاءِ تُذَكِّرُنَا أَنَّ الرَّبيعَ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الأَلَمِ، هُنَّ لَا يَجْلِسْنَ عَلَى سُفَرِ النيروزِ إِلَّا وَالصَّمْتُ يَحْمِلُ أَصْوَاتَ أَبْنَائِهِنَّ، كُلُّ وَرْدَةٍ في حَدِيقَتِهِنَّ هِيَ قَبْسٌ مِنْ دَمٍ طَاهِرٍ، وَكُلُّ نَسَمَةِ رَبيعٍ هِيَ نَغْمَةٌ مِنْ رِسَالَةِ شَهِيدٍ، تُرَبِّي أُمَّهَاتُ الشُّهَدَاءِ الذِّكْرَى كَشَجَرَةٍ مُقَدَّسَةٍ، جُذُورُهَا تَعْبُرُ الْأَرْضَ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَغْصَانُهَا تُظَلِّلُ وُجُودَنَا بِالفَخَارِ.
  
في النيروزِ، عيد الأم تَتَحَوَّلُ دُمُوعُهُنَّ إِلَى نَدَى يُنْعِشُ وَرْدَ الْوَفَاءِ، وَيُذَكِّرُنَا: لَيْسَ الْجَمَالُ إِلَّا أَنْ تَعِيشَ الْقَلْبَ مفتوحاً كَزَهْرَةٍ، حَتَّى وَأَنْتَ تَحْمِلُ فِيهِ جُرْحاً.

"وَالأَرْضُ، كُلُّ الأَرْضِ، هِيَ أُمٌّ أُخرَى تَحمِلُ فِي أحشائِهَا أَسَاطِيرَ الوُجُودِ، فِي "نيروز"، تَلتَفِتُ إِلَيهَا الأَنَامِلُ بِالشُّكرِ، فَتُفَرِّشُ سَاطِعَ الزَّهرِ تَحتَ أَقْدَامِ العَائِدِينَ، هِيَ مَنْ تَمنَحُ الجَذْرَ دَفْئَهَا، وَتُعَلِّمُنَا أَنَّ الفَصْلَ الجَديدَ لَيْسَ إِلَّا وَعْدًا قَدِيمًا: كُلُّ شَيءٍ يَعُودُ، الأَرْضُ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الأُمَّهَاتِ: لُغَةِ الصَّبْرِ وَالِاحتِضَانِ، لُغَةِ الَّتِي لَا تَملُّ مِنَ العَطَاءِ

تَتَلَألَأُ الْأَرْضُ الأم مهد الخلود في عِيدِهَا كَأُمٍّ تَرْتَدِي حُلَّةَ الْخُضْرَةِ، تَمْشِي عَلَى مِحْوَرِ الزَّمَنِ وَتَحْمِلُ في جَعْبَتِهَا أَسْرَارَ الْكَوْنِ بسر البقاء وهِيَ تُعَلِّمُنَا أَنْ نَحْنِي الْجَبِينَ شكراً لِكُلِّ بَذْرَةٍ، وَأَنْ نَرْوِيَ الْحَيَاةَ بِمَاءِ التَّضْحِيَةِ، في النيروزِ، تُنَاغِينَا: "أَنَا الْأُمُّ الْأُولَى، مَنْ وَهَبْتُكُمْ نَبْضَ الْحَيَاةِ، فَلَا تَنْسَوْا أَنْ تَرْعَوْنِي كَمَا تَرْعَوْنَ دِفْءَ الْأُمِّ.

فِي "نيروز"، تَلتَقِي أُنْثَى القَلْبِ بِأُنْثَى الأَرْضِ، الأُمُّ تُعَلِّمُنَا أَنَّ التَّجَدُّدَ لَيْسَ فَصْلًا، بَلْ قَلْبٌ يَنْبُضُ بِالِاستِمرَارِ..

عِيدُ الْأُمِّ وَالنيروزُ يَمْتَلِئَانِ بِالْوَعْدِ: وَعْدٌ بِأَنَّ الْحُبَّ أَقْوَى مِنَ الْفَنَاءِ، وَأَنَّ كُلَّ انْتِظَارٍ سَيُوَازِيهِ رَبيعٌ، أُمَّهَاتُنَا هُنَّ حُرُوفُ الْخُلُودِ في كِتَابِ الْأَرْضِ، وَالشَّهَادَةُ هِيَ الْقَمَرُ الَّذِي يُنِيرُ دَرْبَ الْحَقِّ، فَلْنَخْفِضْ الْجِبَاهَ إِجْلَالاً لِهَذِهِ الْقُدْسِيَّةِ: قُدْسِيَّةِ الْأُمِّ، الْأَرْضِ، وَدَمِ الشُّهَدَاءِ.
  
فَكَمَا يُجَدِّدُ النيروزُ وَجْهَ الزَّمَنِ، تُجَدِّدُ الْأُمُّ وَعْدَهَا : "سَأَبْقَى مِشْعَلَكُمْ.. إِلَى الْأَبَدِ".

انتهى

___________________
* كاتبة واعلامية سورية
https://taghribnews.com/vdcbg8b0arhbzap.kuur.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز