السودانيون يحرصون على تناول إفطارهم في شكل تجمعات يميزها 'برش رمضان' الذي يعتبر بمثابة 'منتدى ' يعزز التآخي والتآلف بين الجيران.
شارک :
من المعتاد أن يسارع غالبية الناس في البلدان الإسلامية في الوصول إلى منازلهم قبيل أذان المغرب طوال أيام شهر رمضان لتناول وجبة الإفطار مع عائلاتهم، لكن الأمر يبدو مختلفًا في السودان حيث تكون الحركة عكسية، فالناس، بكل حي سكني وعلى امتداد مدن البلاد وأريافها، يحملون موائدهم إلى الشوارع لتناول وجبة الإفطار في شكل تجمعات. إن كان ثمة شيء يميّز شهر رمضان في السودان فهو موائد الإفطار الجماعية التي لا تنتهي بالأكل والشرب والصلاة، وإنما تتعدى ذلك إلى مجالس سمر تستمر في الغالب حتى الساعات الأولى من الصباح ينتظرها الناس بفارغ الصبر من عام إلى آخر.
ففي الأسبوع الأخير من شهر شعبان، ينشط صبية كل حي في تجهيز المكان المخصص سنويًا لتناول الإفطار سواء كان مقتطعا من شارع أو زقاقا أو ميدانا عاما، فيقومون بتنظيفه وتسويره بقطع من الحجارة على هيئة مسجد بمحراب للصلاة. ويطلق على المكان المخصص للإفطار الجماعي “برش رمضان”، والبرش سجاد شعبي يصنع من سعف النخيل وإن كان استخدامه حاليًا تراجع لصالح السجادات العصرية لكن لا يزال مكان الإفطار يحمل اسمه.
فبالنسبة إلى مدثر الطيب، الذي يسكن في حي أمبدة، وهو أكبر الأحياء الشعبية غرب العاصمة الخرطوم، فإن “برش رمضان مفعم بروحانيات الشهر الفضيل، لأنه يعزز التآخي والتآلف بين الجيران الذين يقتسمون زادهم مع بعضهم البعض”. والميزة الأهم لـ”برش رمضان” والسبب الأساسي في إقامته، كما يقول الطيب، هو “مشاركة الإفطار مع عابري الطريق الذين حال فوات الوقت بينهم ووجهتهم التي يقصدونها”.
ولا يقتصر “برش رمضان” على شوارع المدن والأرياف فقط بل يمتد على طول الطرق السفرية، حيث يحرص أهل القرى التي تمر عبرها تلك الطرق على تجهيز الإفطار للمسافرين ويتنافس أهل كل قرية في حشد أكبر عدد من الضيوف. ويشير أحمد حسين، سائق حافلة سفر، إلى أنه يجد صعوبة في المرور بالقرى دون النزول فيها وتناول الإفطار رغم أن غالبية ركابه غير صائمين لكونهم على سفر، قائلا: “يعمد الأهالي إلى وضع متاريس على الطريق لإجبارنا على الوقوف ولا يمكن إقناعهم بالمغادرة تحت أي عذر قبل تناول الإفطار”.
ولا يوجد تاريخ بعينه لـ”برش رمضان” لكن عمر أحمد، الذي يبلغ عمره نحو ثمانين عامًا، يقول إنها “عادة قديمة ورثها أجداده عن أجدادهم ونقلها الناس معهم من الأرياف إلى المدن”.
وينبّه إلى أن “أهل الأرياف عمومًا يتناولون في الغالب طعامهم سواء في رمضان أو غيره بشكل جماعي لطبيعة حياتهم الرعوية والزراعية، لكنهم يتجمعون بشكل أكبر في رمضان لخصوصيته”.
والطبيعة الريفية لـ”برش رمضان” يفسّر من خلالها العم عمر لماذا يطغى حضوره في الأحياء الشعبية للعاصمة الخرطوم، والتي تمثل نحو 80 بالمئة منها، خلافًا للأحياء الراقية التي يندر وجوده فيها.
ولا يبدو تاريخ “برش رمضان” أو مصدره شيئًا مهمًا بالنسبة إلى الشاب الثلاثيني، علاء الدين، فما يهمه أساسا هو أنه “منتدى السودانيين الأكثر شهرة” حيث يتحوّل “البرش” عقب صلاة العشاء إلى جلسة سمر تتسع للصغار والكبار معًا ويمضون الوقت في التسلية والمناقشات السياسية الحادة.
ولا ينفضّ “برش رمضان” إلا بحلول الفجر على أن يلتئم شمل سامريه مجددًا بعد سويعات ولا يطويه شيء غير هلال شوال لتبدأ رحلة انتظار جديدة قوامها أحد عشر شهرًا، كما يقول الشاب الثلاثيني.