مسجد كمبردج أول مركز إسلامي شُيد بغرض العبادة في المدينة
تنا
«يجب على كل مسجد وكل بناية يعمّرها مسلم أن تكون (خضراء)، أي أن تحترم البيئة وتحافظ عليها. الإنسان خليفة الله في هذه الأرض، وعليه أن يحافظ على الأمانة». بهذه الكلمات، وبحماس يعلو صداه صوت الأجهزة الطبية المعلقة في الغرفة، شرحت بركة خان، بنت 23 ربيعا، حرصها على الخاصية الإيكولوجية لمشروع «مسجد كمبردج» الجديد.
شارک :
يهدف مشروع «مسجد كمبردج» إلى إنشاء أول مسجد إيكولوجي في أوروبا، وتوفير مكان مستدام ومناسب للعبادة لأفراد الجالية المسلمة في مدينة كمبردج التاريخية، المعروفة بجامعتها المرموقة وأريافها الخلابة. سيسع المسجد ألف مصلّ، وسيحتضن مرافق كثيرة من صفوف دراسية ومطعم وموقف سيارات تحت أرضي وحدائق. ضاعفت بركة خان، وهي الشابة البريطانية الحاملة للمشروع، جهودها لتحويل فكرة المسجد إلى مشروع ملموس منذ أن جرى تشخيصها بسرطان الرئة الثنائي في مرحلة متقدمة العام الماضي.
وقالت بركة : «تأثرت منذ انضمامي لجامعة كمبريدج بالجالية المسلمة هناك إلى حد كبير، وبالأنشطة التي ينظمونها للتعريف بديننا الحنيف. يجتمع أفراد الجالية لأداء صلوات الجماعة وحضور حلقات من الدروس الدينية وقراءة القرآن الكريم في مكان صغير مكتظ، سُخّر مسجدا. ومن هنا انطلقت فكرة إعمار مسجد جديد فسيح يسع جميع المقبلين على الصلاة».
تضيف خريجة العلوم السياسية وراء قناع الأكسجين والبسمة تعلو محيّاها: «الإسلام في أمسّ الحاجة اليوم إلى تغيير صورته، خصوصا في الغرب، بعيدا عن تهم العنف والإرهاب. وأعتقد أن التشجيع على البناء الإيكولوجي والحفاظ على البيئة قد يسهم في ذلك بشكل ملموس». لا يتميز مشروع «مسجد كمبريدج» بخاصيته الإيكولوجية فحسب، بل بهندسته المعمارية الفريدة من نوعها كذلك. يسعى المهندس ماركس بارفيلد، مصمم «لندن آي» الأيقونية والحائز على جوائز عالمية، إلى دمج الخاصيات المعمارية (القوطية) البريطانية وتلك التي تميز الحضارة الإسلامية لتشييد مكان يجمع بين الثقافتين، ويعتمد في الوقت ذاته على سبل توليد الطاقة المستدامة.
تبنّت مشروع «مسجد كمبريدج» جهات كثيرة في المجتمع المدني، وعلى رأسها «صندوق الأكاديميين المسلمين» (مسلم أكاديمك تراست) التي يديرها تيموثي وينتر، وهو باحث إسلاميات بريطاني يُدرّس في جامعة كمبردج. يقول وينتر، الذي أصبح معروفا بالشيخ عبد الحكيم مراد بعد أن اعتنق الإسلام : «نتوقّع أن تصل تكلفة المشروع إلى 18 مليون جنيه إسترليني. تمكنا من تحصيل مبلغ يضاهي 6.2 مليون جنيه إسترليني إلى الآن». يعتمد المشروع على التبرعات الفردية، حيث يوضح الشيخ عبد الحكيم أن «عدد المتبرعين تجاوز 7000 شخص، وأهمها من هونغ كونغ وإندونيسيا».
وإلى جانب التبرعات الفردية، تنظم مختلف الجهات أنشطة متنوعة للتعريف بالمشروع والتشجيع على المساهمة في تنفيذه. ولعل أهم هذه المبادرات مزاد الخط العربي الإسلامي الذي احتضنته جمعية «صندوق الأكاديميين المسلمين»، الذي دعمه عدد كبير من الخطاطين ذوي الصيت العالمي وتبرعوا بأعمالهم الفنية، لتتجاوز قيمتها مائة ألف جنيه إسترليني. على رأس هؤلاء الخطاطين علي عمر الرميص الليبي، ونبيل الشامي المغربي، ونوريا غارسيا الإسبانية وغيرهم.
ومن جهة أخرى، تقدر آخر الإحصاءات عدد أفراد الجالية المسلمة في مدينة كمبردج بين 2500 و4000 فرد. سيكون (مسجد كمبريدج) أول مركز إسلامي شُيد بغرض العبادة في المدينة، وسيكون مفتوحا للجميع؛ مسلمين أو غيرهم. نسعى من خلال المسجد إلى تحسين الحي والمساهمة في جماليته، وقد قررنا إنشاء حديقتين بهذا الهدف؛ الأولى واسعة مفتوحة للعموم، والثانية وسط المسجد للمصلين وأطفالهم.
أما صاحبة المشروع وملهمته، فهي بركة خان، الشابة العشرينية المتعلمة، التحقت بجامعة كمبريدج لتدرس العلوم السياسية والسوسيولوجيا قبل أن تكتشف أنها مصابة بمرض سرطان الرئة في مرحلة متقدمة. أصرت الشابة الطموحة على إتمام دراستها، وواصلت أنشطتها الجمعوية والرياضية بالحماس نفسه. تعبر سمية خان عن إعجابها بإرادة أختها، وتقول: «كان الجميع يندهش لرؤية فتاة محجبة ضمن فريق التجديف في الصباح الباكر. ولم يتمكن المرض أن يحول دون استمرار بركة في ممارسة هواياتها، حتى في أشد الظروف. إنها مصدر إلهام وقوة لنا جميعا»