قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حاكياً عن ربه يأمره بهذه الخصال، : صلْ من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء اليك، وقد أمرنا بمتابعته، يقول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
شارک :
في هذا المقال الوجيز نسرد لكم بعض خصائل الرسول الاعظم (ص) في تعامله مع الاخرين ، وخصصنا في هذا القسم صفة التسامح التي كانت تتسم بها شخصية الرسول الاكرم (ص) .
والصلاةُ والسلامُ على سَيدِنَا وحبِيبِنَا وعَظيمِنَا وقائدِنا وقرةِ أعينِنَا محمد، أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ سراجاً وهاجاً وقمراً منيراً فَهَدَى اللهُ به الأمَّةَ وكشفَ بِهِ عنها الغُمَّة وبلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائِهِ،و ما احرانا في هذه المناسبة العظيمة (مولد الرسول الاكرم "ص") ان نقتدي بسيرته المباركة منها التسامح الاسلامي في ضوء السنة المحمدية :
عن أنس بن مالك قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة ـ [أي جذبه جذبة قوية] حتى رأيت صفح عنق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
جانب من عفو وتسامح ورحمه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
تسامح رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)
إن النبي (ص) عفا عن وحشي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، لقد كان لقتل حمزة في "أحد" وقع كبير على قلب النبي (صل الله عليه واله وسلم)... وبعد حادثة "أحد" التي كانت في العام الثالث بعد الهجرة مرت السنين إلى أن تم فتح مكة في العام الثامن، وكان الوحشي حينها في مكة ففر منها إلى الطائف حيث إنها كانت أبعد، ولكن أهل الطائف عندما رأوا جيوش النبي (صلى الله عليه واله وسلم) تتحرك نحوهم أرسلوا جماعة لإبلاغ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) باستسلامهم، فعلم الوحشي بذلك وخاف على نفسه. ففكر أن يذهب إلى اليمن أو الروم أو الشام، لكن الوقت لم يسعفه ولم يقدر على الذهاب إلى أي مكان، فقال له أحد أصدقائه انه لا داعي لأن يحزن فالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) رجل رحيم وسوف يعفو عنه إن آمن به وبدينه، ولأن وحشياً لم يجد مفراً غير هذا، فقد ذهب إلى النبي (صل الله عليه واله وسلم) ليلاً ودخل عليه فجأة، حتى إذا ما رآه النبي (ص) نطق وحشي بالشهادتين. لقد نظر النبي (ص) إليه نظرة غاضبة وقال: "هل أنت وحشي". فقال: نعم. وكان من حق النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وباستطاعته قصاصه (وإن أسلم)، لكنه قال (صل الله عليه واله وسلم): "ويحك تغيب عني" حيث تقال هذه الكلمة عند اظهار الرحمة والشفقة والتعامل بالحسنى، وقد يفسر قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الكريم أنه لم يرد رؤية وحشي حتى لا يثير أحاسيسه ويذكره بالجرم الذي ارتكبه، وهكذا فقد عفا الرسول (صل الله عليه واله وسلم) عنه.
نموذج آخر من تسامح النبي (ص)
يروى أنه في بداية الدعوة الإسلامية أتى رجل إلى النبي في مكة وبصق في وجهه ــ لاحظوا أن الإنسان اذا بُصق في وجهه كيف سيكون حاله ــ فقال له النبي (صل الله عليه واله وسلم) انه سيقتله إن وقع بين يديه يوماً. ولقد عرف المسلمون أن هذا الرجل أهان الرسول (صل الله عليه واله وسلم) وأنه (صلى الله عليه واله وسلم) ينوي قتله. وبعد مرور عدة حروب وانتشار الدين الإسلامي بشر أحدهم النبي (ص) بأنه تم القبض على ذلك الرجل وسيؤتى به إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم). كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ــ ومن حقه ذلك ــ يريد قتله، فلما أُحضر بين يديه نزع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) رداءه وسحب سيفه ثم تحرك نحوه، فقال ذلك الرجل: "أشهد أن لا اله إلاّ الله"، فقال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): "ألست فلاناً؟" قال: "بلى". قال (صلى الله عليه واله وسلم): "أرأيت كيف أذلّك الله وأعز الإسلام"، قال: "نعم، ولكن لا تقتلني" وأسلم... عندها أعاد الرسول سيفه إلى غمده وارتدى عباءته وقال: "دعوه".
طبعاً يصح العفو في غير إقامة الحدود الشرعية، أما فيما يتعلق بالحد الشرعي فيجب تطبيقه دون تردد. لا يمكن أن يعفو الإنسان عن أعداء الله، لكن الإمام وقائد الأمة الإسلامية باستطاعته، ونيابة عن الأمة الإسلامية، العفو عن بعض الكفار والمؤمنين الخاطئين؛ لكن يده ليست مبسوطة إلى الحد الذي يفعل فيه ما يريد. المسلمون لا يعفون عن حق الله، ولكن باستطاعتهم العفو في ما يتعلق بهم.
تسامحه مع جاره اليهودي
كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجاوره جار يهودي، وكان اليهودي يحاول أن يؤذي الرسول صلى الله عليه و اله وسلم، ولكن لا يستطيع خوفًا من بطش أصحاب النبي صلى الله عليه و اله وسلم، فما كان أمامه إلا الليل والناس جميعاً نيام؛ حيث كان يأخذ الشوك والقاذورات ويرمي بها عند بيت النبي صلى الله عليه و اله وسلم، ولما يستيقظ رسولنا الكريم فيجد هذه القاذورات كان يضحك صلى الله عليه وسلم، ويعرف أن الفاعل جاره اليهودي، فكان نبينا الكريم صلى الله عليه و اله وسلم يزيح القاذورات عن منزله ويعامله برحمة ورفق، ولا يقابل إساءته بالإساءة، ولم يتوقَّف اليهودي عن عادته حتى جاءته حمى خبيثة، فظلَّ ملازمًا الفراش يعتصر ألمًا من الحمى حتى كادت توشك بخلاصه.
وبينما كان اليهودي بداره سمع صوت الرسول صلى الله عليه و اله وسلم يضرب الباب يستأذن في الدخول، فأذِن له اليهودي فدخل صلوات الله عليه و اله وسلم على جاره اليهودي وتمنّى له الشفاء، فسأل اليهودي الرسول صلى الله عليه و اله وسلم وما أدراك يا محمد أني مريض؟؟ فضحك الرسول صلى الله عليه و اله وسلم وقال له: عادتك التي انقطعت (يقصد نبينا الكريم القاذورات التي يرميها اليهودي أمام بابه)، فبكى اليهودي بكاءً حارًا من طيب أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه و اله وسلم وتسامحه، فنطق الشهادتين ودخل في دين الإسلام.
ينقل إن عبد الله بن الزبعرى كان يهجو رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين، وعندما فتحت مكّة فرّ منها، وبعد أن عرف أنّ الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) رسول الرحمة والإنسانية رجع إلى مكّة واعتذر من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) ممّا بدا منه.
فقبل الرسول الأعظم ( صل الله عليه واله وسلم) عذره وأمر له بحلّة، وعلى أثر ذلك أسلم، وأنشد شعراً يقول فيه:
ولقد شهدت أنّ دينك صادق حقّاً وإنّك في العباد جسيم
والله يشهد أنّ أحمد مصطفى مستقبل في الصالحين كريم
وقال أيضاً:
فالآن أخضع للنبي محمّد بيد مطاوعة وقلب نائب
ومحمّد أوفى البريّة ذمّة وأعزّ مطلوب وأظفر طالب
هادي العباد إلى الرشاد وقائد للمؤمنين بضوء نور الثاقب
إنّي رأيتك يا محمّد عصمة للعالمين من العذاب الواصب
وقال الإمام الصادق (صلى الله عليه واله وسلم):
"العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين، وتفسير العفوان لا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهراً، وتنسى من الأصل ما أصبت منه باطناً، وتزيد على الاختيارات احساناً، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً إلاّ من قد عفى الله عنه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وزيّنه بكرامته وألبسه من نور بهائه، لأن العفو والغفران صفتان من صفات الله عز وجل أودعهما في أسرار أصفيائه ليتخلقوا مع الخلق بأخلاق خالقهم وجعلهم كذلك. قال الله عز وجل:
{وليعفوا وليصفحوا ألاّ تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}
ومن لا يعفو عن بشر مثله، كيف يرجو عفو ملك جبار.