منتدى "الحوار المجتمعي: روسيا والعالم العربي" في موسكو
تنا
يعيش العالم حاليا حالة من التخبط والخلافات بين الدول والشعوب بشكل لم يشهده التاريخ من قبل. وبطبيعة الحال الخلافات بين الدول مفهومة إلى حد ما، كونه تحكمها النزاعات حول المصالح السياسية والجيوسياسية والاقتصادية وما يرتبط بها، وتنعكس هذه الخلافات بشكل أو بآخر على علاقات الشعوب فيما بينها في هذه الدول.
شارک :
مجلس شورى مفتيي روسيا والمنتدى الاجتماعي للثقافة العربية في لبنان
المجمل يتضح أن الأمور تخطت الخلافات العادية أو الاعتيادية، وباتت الدماء في مناطق مختلفة من العالم تسفك بشكل مخيف، وهنا وانطلاقا من تجربة روسيا وعدد من الدول الأخرى في رأب الصدع القائم نتيجة جهل الشعوب ببعضها البعض وبثقافاتها وتاريخها، شهدنا تحركاً روسياً حثيثاً لحل هذه المشاكل ومعالجة هذه الآفات المستجدة والخطرة على بينة المجتمعات بالتعاون مع العالم العربي.
التجارب الحياتية تدل على أن التقارب والتعارف على الآخر يساعد على دعم الوعي والتفاهم بين الشعوب بمختلف إنتماءاتها، ما يساعد على التخفيف من حدة التوترات في المجتمعات والخلافات بشتى أشكالها ويعطي الفرصة لدعم حالة التعايش السلمي بين الشعوب، وهذا بدوره يخدم مصلحة الأمن والاستقرار العالميين ويقطع الطريق على مستثمري هذه النزاعات لمصالح خاصة وضيقة.
من هنا كنا قد شهدنا الكثير من المشاريع والفعاليات الدولية التي رعتها روسيا للتقريب بين الشعوب وخفض مستويات التوتر والنزاعات القائمة على أساس قومي أو عرقي أو ماشابه، ومن هذه المنتديات أو الفعاليات المنتدى الدولي "الحوار المجتمعي: روسيا والعالم العربي" ، الذي خطى خطوات متقدمة في التقريب بين الشعب الروسي وشعوب المنطقة العربية بكافة أطيافها بالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة والعالم، وأقيمت فعاليات هذا المنتدى في عدد من الدول العربية وفي كل مرة كانت تطرح مشكلة جديدة للنقاش، وتطرح خلال هذه اللقاءات العديد من المشاكل المرتبطة، وتقدم الآراء والأفكار وحلقات البحث حول كيفية التعاطي والتعامل مع هذه الأزمات لإيجاد صيغ مناسبة من شأنها تقديم الحلول أو على الأقل التخفيف من حدتها وتمددها، بما يخدم مصالح هذه الشعوب وأمنها واستقرارها وتمتين علاقات حسن الجوار.
يوم 5 سبتمبر/ أيلول نظًم مجلس شورى مفتيي روسيا والمنتدى الاجتماعي للثقافة العربية في لبنان بالتعاون مع سفارة الجمهورية اللبنانية في روسيا المنتدى الدولي السادس "الحوار المجتمعي: روسيا والعالم العربي" ، ومن الجدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي ينعقد فيها هذا المنتدى في موسكو، ففي يوليو/ تموز من عام 2016 انقعد هذا المنتدى للمرة الأولى في موسكو تحت عنوان: "حماية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط"، وأقيمت قبل ذلك فعاليات هذا المنتدى في كل من مصر وسوريا ولبنان.
تضمن جدول أعمال المنتدى أربع جلسات:
الجلسة الافتتاحية العامة، تلتها جلسة تحت عنوان: "تعزيز الحوارالطائفي، هو الغاية المنشودة في الوقت الراهن"، حيث تطرق النقاش في هذه الجلسة إلى أهمية وضرورة تطوير الحوار بين ممثلي مختلف الطوائف والأديان، وطرق دعم هذا الحوار وآليات تعزيزه وتطبيقه على أرض الواقع بعيداً عن الخطابات التي تفتقر إلى التطبيق العملي بشكل يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية.
كما وعقدت جلسة تحت عنوان: "روسيا والعالم العربي: "مسارات التقارب ومحاور التعاون"، ناقش المشاركون فيها مسألة التعاون الروسي العربي، وتم التركيز في هذه الجلسة على تشريح وتحليل الفرص المتاحة للتعاون خاصة في مجال توطيد الأمن والسلم في العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص لما تعانيه من إرهاصات واهتزازات بفعل الأحداث الجارية هناك، وخلق مناخ ملائم لإقامة حوار بين ممثلي مختلف الأطياف الدينية والاجتماعية والثقافية بما يكفل ضمان التنمية المستدامة في روسيا والدول العربية من خلال تعزيز جميع أشكال التعاون والتفاعل المتكامل المثمر والبّناء في كافة المجالات التي تخدم مصلحة الشعوب في هذه الدول، وبما يؤمن لها كل ظروف الحياة الإنسانية الطبيعية.
و في هذا المجال قال المفتي الدكتور روشان عباسوف النائب الأول لرئيس مجلس شورى المفتين لروسيا ، ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي الإتحاد الروسي :
"أهم شيء تكلمنا عنه في هذا المؤتمر هو أنه لابد من أن يكون هناك حواراً ليس فقط بين الأديان والشعوب والدول ، بل يجب أن نستفيد من الحوار المجتمعي لأن المشاكل كثيرة هذه الأيام للأسف الشديد ، ونحن نسمع تصريحات من الدول الغربية ومن دول أخرى تضلل حقيقة الأحداث ، ونحن لانعلم في أحيان كثيرة بما يجري على أرض الواقع من أحداث في العالم ، ولذا فإن الحوار والتواصل مهم جداً ، ومن هذا المنطلق نحن نظمنا هذا المنتدى وتحديداً في مسجد موسكو الكبير الرئيس، لنقول للعالم أن رسالة الإسلام هي رسالة السلام والعدالة بين الشعوب ، ونحن في روسيا لدينا خبرة كبيرة جداً وقديمة ، و نعيش مع معتنقي الأديان الأخرى منذ قرون طويلة ، منذ أكثر من ألف سنة بالود والمحبة والوئام وحسن الجوار ، ونقيم حواراً مثمراً بين الأديان ، ولهذا نتقدم نحو العالم العربي ، ونعلم أن هناك حواراً قديماً، لكن للأسف الشديد بسبب الفتن بتنا نرى فرقاً إرهابية أحياناً تسمي نفسها أو يسمًونها بأسماء إسلامية ، على سبيل المثال مايسمى بالدولة الإسلامية ، من أعطى لهم الحق والفرصة كي يطلقوا على أنفسهم صفة الإسلام ؟ لم يعطهم هذا الحق أحد لارجل دين ولا مفتي ولا أي إمام.
نحن نرى أن هذه الفرق أو المجموعات هي فرق سياسية بالأساس ، ولهم دوراً سيئاً بمحاربتهم للسلام ، كما في داخل الدين الإسلامي ، كالتفريق على أساس سني وشيعي وإلى ماهنالك ، للأسف الشديد ، وأيضا هؤلاء يحاربون الحوار بين الأديان المختلفة ويمنعون التقارب فيما بينها ، يعني مابين الإسلام والمسيحية واليهودية ، ولهذا نحن اليوم نجتمع هنا في موسكو في المسجد الكبير مع بعضنا البعض بمشاركة ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية والمسيحيين وجميع ممثلي الأديان الأخرى ، والمفكرين والعلماء والإعلاميين ، وهذه فرصة لمن يريد أن ينقل الرسالة الصحيحة التي توضح العلاقة وحقيقة مايجري بين روسيا والدول العربية.
من هنا نحن نرى أن مثل هذه المؤتمرات أو المنتديات تلعب دوراً كبيراً في تحسين العلاقات بين الشعوب ، وهذه الطريق نسميها الدبلوماسية الشعبية التي ستلعب دوراً كبيراُ إنشاء الله في التقريب بين الشعوب وتمتين أواصر المحبة والإحترام والتسامح ".
كما تطرق المنتدى إلى الخبرة التي تتمتع بها روسيا في هذا الإطار وتجربتها الغنية والناجحة، وأشاد المشاركون بالجهود الكبيرة التي بذلتها روسيا في هذا الإتجاه عبر سنوات طويلة من أجل إحلال السلام، ودعم الإستقرارفي منطقة الشرق الأوسط، وحل قضاياه وأزماته العالقة منذ عقود، والتي تأججت في السنوات الأخيرة، ماجعل المنطقة والعالم على حافة الهاوية والإنزلاق إلى منزلقات خطرة جداً.
ونوقشت أيضاً الأساليب والأدوات الإيجابية الجديدة والمتطورة المستخدمة في مواجهة التحديات العالمية بما فيها سبل وأساليب وطرق تطويرالمجتمع السلمي بشكل عام، وحازت الأوضاع في سورية واليمن والمنطقة بشكل عام إهتمام بالغ من المجتمعين لما تعانيه شعوب هذه الدول من الإرهاب الذي يعيث فيها فساداً بدعم من قوى إقليمية ودولية بشكل سافر ومخالف لجميع القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وأنه لابد من توحيد جميع الجهود لإنقاذ المنطقة والعالم من هول تمدد هذا السرطان القاتل ليس فقط بالسلاح وإنما بالفكر والعقل والحكمة لأن الإرهاب فكرة وإيديولوجية لابد أن تواجه أيضاً بهذه الطريقة وليس فقط بقوة السلاح والتصفية حتى تكون هناك نتائج فعلية لهذه المواجهة مع الإرهاب والتطرف والعنصرية بكافة أشكالها المدمرة للمجتمعات ، وأنه لابد قطع مصادر تغذيتها الفكرية والمادية واللوجستية .