تجلى الصورة الحقيقية للولايات المتحدة المتغنية بالديمقراطية والحريات
أحداث الكونغرس الأميركي.. تأثيراتها الاجتماعية وانعكاساتها السياسية
تنا
مظاهر غريبة شهدتها اقتحامات المتظاهرين المناصرين للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس من الهمجية والعنف والانقسام والعنصرية المتجذرة، لتتجلى الصورة الحقيقية للولايات المتحدة المتغنية بالديمقراطية والحريات.
شارک :
أفرز الانقسام الحاد في أميركا عنفاً أدى إلى قتلى وجرحى وكاد مع وجود السلاح بأيدي الناس أن يجر البلاد إلى حرب أهلية.
بالتسلق على جدران الكونغرس وشرفاته، وبتحطيم نوافذه، نجح المتظاهرون المناصرون للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بالدخول إلى مبنى الكابيتول وإيقاف جلسة المصادقة على فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن.
واحتل المتظاهرون قاعات الكونغرس بعد دقائق من إجلاء شرطة الكابيتول أعضاء مجلس النواب إلى مكان آمن، لتشهد قاعات الكونغرس ومكاتبه مشاهد غير مسبوقة في تاريخ أميركا الحديث.
الولايات المتحدة التي تتباهى بين الدول بتصدير الديمقراطية إلى العالم وتحميها، ظهرت أمس خلال اقتحام الكونغرس عاجزة عن حماية ديمقراطيتها.
وأظهرت المواجهات في أروقة الكونغرس حجم الانقسام الأميركي الذي عرف أوجه في السنوات الـ4 الأخيرة فيما لم تغب مشاهد الاحتقان والعنصرية عنها أيضاً. وأفرز الانقسام الحاد أمس عنفاً أدى الى قتلى وجرحى وكاد مع وجود السلاح بأيدي الناس أن يجر البلاد إلى "حرب أهلية".
خطورة ما حصل لا تتصل بتعلق ترامب بالسلطة ولا بسلوكه في الحكم ومواقفه الشخصية، بل بأنصاره الذين لا مشكلة لديهم في تحدي رجال الأمن والمؤسسات والقانون، فلم يحدث في تاريخ أميركا أن تعرض الكونغرس كرمز ومقام لسلطة وشرعية الدولة مثلما تعرض له من قبل أنصار ترامب من عنف منظم وإحتلال لعتباته ومنابره.
ترامب كان الشخص الذي أشعل فتيل هذه الهجمات، عبأ أنصاره ضد نتائج الانتخابات وشجعهم على الزحف نحو الكابيتول على وقع الادعاء بأن الانتخابات مسروقة بل وحثهم على القتال.
أخطر ما في الهجوم أن بعض المقتحمين حمل راية الانشقاق في مؤشر إلى أن 6 كانون الثاني/يناير 2021 سيمثل نقطة تحول في الداخل الأميركي.
الكاتب السياسي الأميركي ستيف غولدفيلد، قال للميادين "أعتقد أنه تم التلاعب بالنتائج لصالح ترامب في بعض الولايات".
وأضاف غولدفيلد أن "ترامب هو الذي حرض على الدخول إلى الكونغرس"، منوهاً إلى أن "بعض رجال الشرطة فتحوا الباب للمحتجين للدخول إلى الكونغرس".
غولدفيلد أشار إلى أن "اقتحام الكونغرس قد يحدث مرة واحدة لكن قد تحصل أعمال عنف أخرى"، موضحاً أنه "في الأعوام الأخيرة خسر الكثير من الأميركيين أعمالهم وذهبت الأموال للأغنياء".
ولفت إلى أن "بايدن فاز لأنه ليس دونالد ترامب وليس لأنه يعرض سياسات ممتازة"، معتبراً أن "هذه الأزمة سوف تستمر في أميركا طالما تزداد الفوارق بين الأغنياء والفقراء".
وأكد غولدفيلد أن "بعض مهاجمي الكونغرس هم من مناصري تفوق البيض"، مشيراً إلى أن "الانقسام في المجتمع الأميركي سوف يتعمق".
وقال غولدفيلد إن "اللعبة انتهت بالنسبة لترامب، وهو يعلم بأنه لن يعود رئيساً بنهاية هذا الشهر"، منوهاً إلى أن "ترامب دمر الحزب الجمهوري، والحزب يعاني من انقسام كبير، كما أن الحزب الديمقراطي يعاني من حالات انقسام والوضع فوضوي إلى حد كبير".
بدوره، أستاذ علم الاجتماع سيف دعنا، أكد للميادين أنه في أميركا "أزمة نظام وأزمة اجتماعية وأزمة دستورية وهو ما يقلق الحزبين".
ولفت إلى أن "البعض يشكك بامكانية استمرار الجمهورية الأميركية كما تم تأسيسها"، منوهاً إلى أن "دور ترامب مستقبلاً سوف ينحسر في حال لم ينته كلياً".
دعنا أوضح أن "الولايات المتحدة الأميركية تشهد مخاضاً كبيراً"، مشيراً إلى أن "80% من المجتمع الأميركي لاحظوا أن دخلهم تراجع في السنوات الأخيرة".
وتعقيباً حول ما نشرته "نيويورك تايمز" أن ترامب اقترح على مساعديه خلال الأسابيع الماضية إصدار عفو عن نفسه في الأيام الأخيرة لرئاسته، أكد دعنا أن "اصدار ترامب عفو عن نفسه سابقة في التاريخ الأميركي ومحل جدل قانوني"، لافتاً إلى أن "أقطاب النظام في حالة غضب شديد لأن ترامب عرض النظام للخطر".
وقال إنه "على المدى القصير السياسات الخارجية لواشنطن لن تتغير لأنها تحمل زخم فوز بايدن"، موضحاً أن "فكرة قوة أميركا أصابها الاهتزاز ما سيسمح لقوى أخرى التقدم".
دعنا شدد على أن "الانقسام في أميركا أكبر من أن تقوم أي ادارة أميركية بمعالجته"، مضيفاً أن "الانقسام العرقي في أميركا يحتاج إلى إعادة بناء الجمهورية لتكون أكثر عدالة".
بعد هذا المشهد التاريخي، انطلقت للمرة الأولى أصوات من داخل الكونغرس تدعو إلى عزل الرئيس ومحاكمته قبل أيام من تسليمه السلطة للرئيس المنتخب، ومع تصاعد الدعوات إلى عزل ترامب، باتت المؤسسات الأميركية عرضة لانقسام يعكس حالة الشارع، فما هي الأسباب الحقيقية لهذا الانقسام؟ وما هي تداعيات اقتحام الكونغرس على الداخل الأميركي؟
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاميركية في لبنان، إدمون غريب، أكد للميادين أنه "يوجد مشكلة كبيرة في أميركا لم تبدأ يوم أمس".
وأشار غريب إلى أن "الاحتجاجات لم تكن سلمية"، لافتاً إلى أنه "توجد مشاكل تواجه المجتمع الأميركي سببت الأزمة وليس فقط تصرفات أنصار ترامب".
غريب أوضح للميادين أن "الكتلة التي تدعم ترامب ليست جمهورية بالمعنى الحقيقي، بل تشمل مستقلين وأقليات وديمقراطيين"، موضحاً أن "نسبة كبيرة من الأميركيين تشتري الأسلحة".
وقال غريب إن "مجموعات كبيرة من الأميركيين تنتقل من ولاية إلى أخرى بسبب الوضع الاقتصادي"، محذراً من أن "محاكمة ترامب ستحوله إلى ضحية في أعين أنصاره".
من جهته، لفت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية نبيل ميخائيل، إلى أن "الرجل الأبيض الغاضب هو 70% من الأصوات"، مؤكداً أنه "لن يتم عزل ترامب خلال فترة 14 يوماً".
ميخائيل أوضح للميادين أن "أنصار ترامب من هذه النوعية المستقلة في قراراتها ومعظمهم من البروتستانت"، مشيراً إلى أن "أنصار ترامب من البروتستانت يرون فيه المخلص لهم".
وعقب مصادقة الكونغرس الأميركي على فوز بايدن بالرئاسة، تعهد ترامب بانتقال "منظم وسلس للسلطة" في 20 كانون الثاني/يناير، لكنه واصل اعتراضه على نتيجة الانتخابات، متعهداً "بمواصلة معركته"، ومؤكداً أن خسارته الانتخابات :نهاية أعظم فترة ولاية في تاريخ الرئاسة، وأنها مجرد بداية لجعل أميركا عظيمة من جديد".
في المحصلة أكد ترامب أن تسليم السلطة سيتم بشكل منظم في الموعد المحدد لكن الأهم هو أنه ختم بيانه بالقول إنه سيواصل الكفاح لضمان احتساب الأصوات القانونية فقط لتبقى بذلك أبواب المعركة مفتوحة على الاحتمالات كافة
على هذا النحو، سيستلم جو بايدن بلداً تهدده الخلافات والانقسامات وسط ارتفاع ملحوظ لأسهم شركات الأسلحة وواقع مفتوح على مرحلة مجهولة المعالم.