المهاجرون إلى الولايات المتحدة: الطريق لا يزال خطراً
تنا
الناطقة باسم البيت الأبيض تقول إن بلادها "تحتاج إلى وقت لاعتماد إجراءات هجرة تعامل الناس معاملةً إنسانية"، وكلامها دقيق حتى اللحظة، فلا يوجد في الأفق ما يبشّر بأن أميركا ستتّبع سياسة إنسانية تجاه المهاجرين إليها.
شارک :
الكاتب: فاطمة خليفة
"الولايات المتحدة في حاجة إلى نظام هجرة يعكس القيم الأميركية. أحلام المهاجرين مثلكم هي التي تُبنى عليها أميركا، وتضخّ الطاقة والحياة والقوة الجديدة في البلاد".
الرئيس الأميركي جو بايدن، 7 تموز /يوليو 2021.
"إذا استمرت الهجرة إلى الولايات المتحدة، فإننا نريد مهاجرين من دول، مثل النرويج، وليس من بالوعات المجاري القذرة، كدول في أفريقيا وجمهورية هايتي".
الرئيس السابق دونالد ترامب، 13 كانون الثاني/يناير 2018.
عاشت عدة مجتمعات، وخصوصاً التي تنتمي إلى دول العالم النامي، طوال فترة نموّها، فكرة مفادها أن الهجرة إلى "بلاد العم سام" هي الخلاص.
قيل إن الأحلام تتحقّق هناك بلمح البصر، وإن الطموح يكبر ويحقّق مطامعه، وسرعان ما تتكدس الأموال في البنوك. روّج الغرب أيضاً أن حُكّام "العم سام" يتمتعون بالديمقراطية ويمجّدونها، ولا يقدّمون أيّ مصلحة عليها. لكنّ التجارب العملية، وأوضاع المهاجرين إلى الولايات المتحدة، والصور التي وصلتنا من هناك، ومئات الأسئلة المراد الإجابة عنها عند تعبئة طلبات الهجرة، وطريقة التعامل مع المهاجرين، وخصوصاً القادمين من الدول الفقيرة، لها رأيٌ آخر.
في الـ 21 من كانون الثاني/يناير 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقف الهجرة لمدة 60 يوماً قابلة للتمديد أو للتغيير "بناء على الظروف الاقتصادية في حينه". وقال إن خطته هذه تهدف إلى حماية "وظائف الأميركيين" في ظل انتشار البطالة جرّاء تفشّي فيروس كورونا، وأنه "سيكون من الظلم أن تحل محل الأميركيين يدٌ عاملة قادمة من الخارج".
وفي الـ 26 من كانون الثاني/يناير 2021، وفي إطار سياسته بخصوص ملف الهجرة، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن 3 مراسيم تغيّر قوانين القطاع التي جاء بها سَلَفُه دونالد ترامب، وتهدف إلى جمع شمل عائلات، بحيث إن "الإدارة الأخيرة انتزعت أطفالاً من أحضان عائلاتهم" وفق بايدن. كما تهدف إلى إعادة فتح القنوات القانونية للهجرة، وتسهيل التجنيس.
واعتبر بايدن، عبر توقيعه هذه المراسيم، أنه "يلغي سياسات خاطئة"، ويقصد بها سياسات سَلَفِه ترامب.
صُوَر الأطفال التي تحدّث عنها بايدن كانت تجلّياً لـ"الديمقراطية" المزعومة للولايات المتحدة. بلغ عدد هؤلاء الأطفال 2300 منذ منتصف أيار/مايو 2018، بحسب الأرقام التي صدرت عن إدارة ترامب. وكان لانتشار صور أطفال باكين، وتسجيلات صحافية سرّية لأصواتهم وهم ينتحبون بعد فصلهم عن ذويهم، وقعُ الصدمة على الرأي العام.
وعلى الرغم من الجدل الكبير، والذي أُثير في الداخل والخارج، بعد نشر صور أطفال المهاجرين غير الشرعيين في "أقفاص" وتسجيلات لبكائهم، فإن ترامب دافعَ أمام الكونغرس في الـ 27 من نيسان/أبريل 2018، بشراسة، عن سياسته المتشددة في هذا المجال، واعتبر أنه "عندما يتم اعتقال الأهل بسبب دخولهم غير القانوني للبلاد، وهذا ما يجب فعله، فعليك عندها أن تفصل الأطفال".
في الصورة، يحاول بايدن إجراء تحسينات للقوانين المتعلّقة بالمهاجرين في الولايات المتحدة، بحيث كلّف وزيراً من أصل مهاجر ملفَّ الهجرة، كما أقر إعادة فتح قنوات الهجرة القانونية، وسهّل التجنيس، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز اندماج المهاجرين المقيمين على نحو قانوني في الولايات المتحدة.
لكن في المضمون، جاءت التجربة الأفغانية لتختبر وعود بايدن. فبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وسيطرة حركة "طالبان" على البلاد، تمّ إجلاء القوات الأميركية وأفغان قيل إنهم ساعدوا الولايات المتحدة في حربها التي استمرت عشرين عاماً.
آخر رحلة جوية أميركية، في إطار إجراءات الإجلاء من مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة كابول، تمت في الـ 31 من آب/أغسطس، بموجب الاتفاق على الانسحاب النهائي من أفغانستان بين الإدارة الأميركية وحركة "طالبان"، لكنّ التعتيم يلفّ ملفات هؤلاء الأشخاص. وترفض الإدارة الأميركية حتى الآن الكشف عن عدد الأفغان الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة منذ بدء الإجلاء من كابول، أو حالة الهجرة لهؤلاء الأشخاص.
مسؤول أميركي قال، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، "إن أغلبية الأفغان الذين تعاونوا مع واشنطن، وأرادوا المغادرة إلى الولايات المتحدة، لم يتم إجلاؤها من أفغانستان". وكشف أن "الدبلوماسيين يشعرون بالذَّنْب" من الخيارات التي اضطروا إلى اتخاذها خلال عمليات الجسر الجوي في العاصمة الأفغانية كابول، وقد يطال ذلك آلاف الأشخاص مع أفراد عائلاتهم".
مجلة "بوليتيكو" الأميركية نشرت، في خبر لافت قبل أيام، أن "عملية إجلاء نحو 12 ألف أفغاني إلى الولايات المتحدة، ستتأجل بعد اكتشاف 4 إصابات بمرض الحصبة، وسط أفغان وصلوا إلى الولايات المتحدة". وقالت إن "المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أوصى باختبار الأفغان الذين تمّ إجلاؤهم إلى القواعد العسكرية الأميركية، وتطعيمهم ضدّ مرض الحصبة، ولاسيما في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، وقاعدة العُديد الجوية في قطر".
وأعرب 37 حاكم ولاية عن موافقتهم على إعادة توطين اللاجئين الأفغان داخل حدود ولاياتهم، في حين رفض حاكمان جمهوريان - هما كريستي نويم، حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، ومارك غوردون، حاكم ولاية وايومنغ - استقبال ولايتيهما أيَّ لاجئ أفغاني، في الوقت الذي يلتزم فيه حكام 11 ولاية جمهورية الصمتَ.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية كانت أكّدت أن الأفغان القادمين إلى الولايات المتحدة يواجهون عدداً من العراقيل المتعلقة بالإجراءات القانونية. ورأت أن الأفغان، الذين فرّوا من وطنهم في الآونة الأخيرة، وتحدّوا الصعاب المتمثّلة بالأعمال الانتقامية ضدّهم، والحدود المغلقة في وجوههم، والرحلات الجوية المكتظة بالركاب، يواجهون الآن عقبات جديدة.
وعلّق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على ما يحدث في ملف المهاجرين، ورأى "أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحول خلال مستقبل قريب إلى دولة من العالم الثالث بسبب أزمة المهاجرين". وأضاف ترامب، الذي سعى لإقصاء جميع المهاجرين في عهده، "أن ما يحدث في بلادنا حالياً لم يحدث هنا في أيّ وقت مضى. لقد تسلل ملايين الناس، لكن هناك أعداداً أكبر في طريقها إلينا".
الموقف الأميركي المتأرجح من إجلاء الأفغان المتبقِّين، وكيفية التعامل معهم بعد وصولهم إلى الولايات المتحدة، هذا في حال وصلوا، يعودان بمسألة اللاجئين ووعود بايدن إلى الواجهة. لكن من غير المؤكّد أن تتَّبع الولايات المتحدة سياسة لطيفة تجاه المهاجرين، إذ إن أكثر من 1.3 مليون مهاجر اعتُقلوا عند الحدود مع المكسيك منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو عدد لم يسجَّل منذ 20 عاماً، عدا عن أن ما يحدث مع مهاجري هايتي لا يبشّر بالخير.
مهاجرو هايتي يتعرّضون لزلزال آخر!
"أنا لا أصدّق أن 15000 مواطن من هايتي سيُسمح لهم بدخول الولايات المتحدة. إنهم مصابون بالأيدز".
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في أحد اجتماعته المغلقة، صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
"شعب هايتي يستحق السلام والأمن".
الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريح له من البيت الأبيض، 13 تموز /يوليو 2021.
بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية وانعدام الأمن في مدينة هايتي، دمّر زلزال مميت جنوبي غربي البلاد في آب/أغسطس، الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 2200 شخص. وما زال 650 ألفاً، من بينهم 260 ألف طفل ومراهق، في حاجة إلى "مساعدات إنسانية طارئة"، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة.
في المقابل، أعلنت الإدارة الأميركية التي احتلت مدينة هايتي عام 1915، وأنهت احتلالها عام 1934، أنها ستسرّع وتيرة عمليات الإجلاء الجوي لأكثر من 10 آلاف مهاجر، أغلبيتهم من هايتي، احتجزتهم السلطات أياماً تحت جسر في تكساس بعد عبورهم الحدود من المكسيك. وأشارت وزارة الأمن الداخلي الأميركية في بيان إلى أنها "ستؤمّن طائرات إضافية لتسريع وتيرة رحلات الترحيل إلى هايتي ووجهات أخرى" خلال الساعات الـ 72 المقبلة.
وكشفت الوزارة خطة لاحتواء الوضع، وأرسلت إلى الحدود 400 عنصر شرطة إضافي "لتعزيز عمليات المراقبة في المنطقة"، مؤكّدة أنها تنفّذ "عمليات ترحيل ورحلات جوية إلى هايتي والمكسيك والإكوادور ودول المثلث الشمالي" وهندوراس وسلفادور وغواتيمالا.
ودفعت الصور الصادمة، والتي انتشرت لهؤلاء المهاجرين المتجمّعين تحت جسر في الحر الشديد، وصور العائلات التي تنام في الهواء الطلق، المعارضةَ إلى رفع صوتها وحض جو بايدن على حلّ الوضع من دون أيّ تأخير. ونُشر في وسائل التواصل فيديو يظهر فيه أحد حرس الحدود وهو يهدّد المهاجرين بالحبال. و"انتقد" البيت الأبيض استخدام حرس الحدود الأميركي دوريات الخيول لتهديد المهاجرين الهايتيين الذين قدم أكثر من عشرة آلاف منهم في غضون الأيام القليلة الماضية.
وبدلاً من أن تندّد الخارجية الأميركية بما حدث، حذّر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، "الأجانب الذين ينوون الهجرة بصورة غير نظامية إلى الولايات المتحدة من أنهم سيواجهون مخاطر جسيمة خلال رحلتهم، ثم الترحيل".
في المقابل،ـ قدّم الموفد الأميركي الخاص إلى هايتي استقالته اليوم احتجاجاً على قيام إدارة الرئيس جو بايدن بطرد مهاجرين هايتيين وإبعادهم إلى بلدهم. وقال الموفد الخاص دانيال فوت "إنني لن أكون مرتبطاً بالقرار غير الإنساني وغير المجدي، والمتعلق بطرد آلاف اللاجئين الهايتيين والمهاجرين غير القانونيين إلى هايتي". وجاءت تصريحاته اللاذعة في رسالة استقالته.
في اللباقة السياسية، قد يبدو بايدن متفوقاً على ترامب، لكن في المضمون، يبدو أن المهاجرين إلى الولايات المتحدة، أو الذين يطلبون مساعدتها، هم مشاريع مشرّدين، ومُبعدين، ومسجونين، وربما قتلى.
ولعلّ أبرز ما يوضّح السياسة الأميركية المتّبَعة مع المهاجرين إليها، على مرّ العصور، ما قالته الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي مؤخراً، والتي توجّهت إلى الراغبين في الهجرة إلى الولايات المتحدة، بالقول: "الوقت غير ملائم الآن للمجيء. الطريق لا يزال خطراً، ونحتاج إلى وقت لاعتماد إجراءات هجرة تعامل الناس معاملة إنسانية".