مظلومية الشهيد الشيخ النمر منذ الاعتقال حتى الإعدام
تنا
على خلفية قائمة من الاتهامات المزعومة، اعتقل آية الله الشيخ نمر باقر النمر. اعتقال بحد ذاته كان مخالفاً للمواثيق الدولية والقوانين المحليّة في “السعودية”، قاد سماحته بعد سلسلة محاكمات غير عادلة إلى الإعدام.
شارک :
لم يقدّم النظام السعودي أيّة أسباب موجبة لإعدام النمر، بل لاعتقاله، فأطلق إذ ذاك اتهامات فضفاضة غير واضحة السياق والمعالم، ثم ألصق بها أخرى غير جرمية من الأصل، وغدا بذلك الشيخ النمر “إرهابياً” بحسب تصنيف النظام الذي يعد الأول عالمياً في دعم وتمويل الإرهاب.
اعتقال تعسّفي
اعتقل الشيخ النمر في ٨ يونيو/ حزيران ٢٠١٢، للمرة السادسة والأخيرة. في تمام الساعة الرابعة عصراً، كمنت القوات السعودية لسماحته حينما كان يقود سيارته عائداً من مزرعة عائلته النمر. حينها حاصرته وبشكل مفاجئ سيارات مصفحة وعشرات الجنود المدججين بالسلاح، مع إطلاق نار في الهواء لإرباكه أثناء القيادة، بدؤوا بمضايقته من أجل إيقافه حتى ارتطمت سيارته بأحد المنازل. ترجّل الجنود، وبطريقة عنيفة تم اقتلاعه من سيارته، ثم أُطلقت عليه أربع رصاصات من قرب، أصابته في فخذه الأيسر، فهشّمت عظامه واستقرت في اللحم، مما أدى إلى فقدانه الوعي. هذا الاعتداء السافر نتج عنه أيضاً جروحاً في الرأس استدعت إجراء عملية جراحيّة، كما شوهدت رضوض في أنحاء متفرّقة من جسده. تم سحله من سيارته وهو مغمى عليه وإركابه في إحدى المصفّحات. تم نقله إلى البرج الطبي بمدينة الدمام، ثم إلى المستشفى العسكري بالظهران.
وبعدها خرجت بيانات وزارة الداخلية السعودية تدّعي أن “الشيخ النمر وآخرين قاموا بإطلاق النار على رجال الأمن”، وهو الأمر الذي لم يحدث إطلاقاً. تعرّض النمر للاعتقال التعسّفي دون ارتكابه فعلاً جرميّاً، وهو ما يتعارض مع أحكام المادة (٩) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام ١٩٤٨ والتي تنصّ على أن: “لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً”. الاعتقال يخالف كذلك أحكام المادة (٦) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام ١٩٦٦ والتي تنصّ على أن: “…لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاءً على أشدّ الجرائم خطورةً وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد”.
اتهامات باطلة آية الله النمر أُدين باتهامات باطلة موجّهة دافعها طائفيّ بامتياز، ذلك أن التهم الموجّهة لسماحته لم تكن محدّدة وواضحة، ولم يُسند إليها أدلّة تثبتها، ما يجعلها في دائرة الإفتراض والتحريض. على أساس هذا النوع من الاتهامات استندت الإجراءات الجنائية في الدعوى الجزائية، التي قادت الشيخ الشهيد إلى الإعدام. ومن هذه الاتهامات: “الخروج على ولي الأمر، الإفساد في الأرض، استحلال الدماء، إشعال الفتنة الطائفية، حمل السلاح ضد رجال الأمن، التحريض على التظاهر، دعم ثورة البحرين، الطعن في الصحابة، المطالبة بولاية الفقيه، سب رجال الدولة، جلب التدخل الخارجي، الإساءة لسمعة البلاد والانضمام إلى خلية إرهابية”.
المثير للاستغراب أن التّهم الموجّهة للشيخ النمر تستند على تصريحات لا تحمل في طيّاتها هذه الادّعاءات إطلاقاً، بالتالي يسهل نفيها بالمقارنة مع نصوص الخطب العلنية التي كان يتحدّث فيها سماحته، بما في ذلك: الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، المطالبة بالإفراج عن المعتقلين المظلومين سنة وشيعة، المطالبة بالعدالة والحرية لكافة المواطنين، التثقيف والتوعية السياسية. وفي هذه المطالب كان ملتزماً بمنهجية سلمية في الاحتجاج والمعارضة، ملتزماً بالمبدئية في مطالبه السياسية لكل المواطنين، دون فرق في استحقاق الجميع لحقوقهم، كما كان متدرجاً في أطروحاته السياسية والمطالبات الحقوقية.
إضافةً إلى ذلك، ما قدّمته النيابة العامة لتأكيد التهم المزعومة متناقض في جملته، فمثلاً إن الزعم باستخدام الشيخ النمر للسلاح تكذّبه التقارير الطبيّة، فلائحة الاتهام أشارت إلى إن إطلاق النار على الشيخ النمر كان أثناء فراره بسيارته، في حين أن الرصاصات الأربع التي أصيب بها الشيخ أتت من الجهة الأمامية. ظروف احتجاز سيئة بعد اعتقال الشيخ النمر، زعمت سلطات الرياض أنها قدّمت له كل الرعاية الصحية اللازمة أثناء احتجازه. ونفت أن يكون الشيخ نمر قد منع من تلقي العلاج لساقه المصاب مؤكدةً أن ساقه “لم تصب بأذى”. الواقع أن هذه الإدعاءات عارية من الصحة، فقد أطلقت القوات السعودية النار على الشيخ نمر عدّة مرات أثناء اعتقاله مما أدّى إلى إصابة ساقه وأجزاء أخرى من جسده.
ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، رفض أطباء سعوديون إزالة الرصاصة من ساق الشيخ نمر. وبسبب تلقّيه علاج غير كاف أُصيب بشلل جزئي في ساقه. لم يقدّم الموظفون في مستشفى السجن حيث كان الشيخ نمر محتجزاً، الرعاية الصحية والعلاج الفيزيائي للشيخ بشكل منتظم، فعانى من ألم مستمر.
أيضاً أخّر الأطباء عملية إزالة الرصاصة من ظهر الشيخ نمر إلى فترة ما قبل إعدامه مباشرةً. رافق الإهمال الطبّي الذي لحق بسماحته، جملة من الانتهاكات الأخرى، فقد لبث منذ اعتقاله يتنقل بين زنازين انفرادية، لا يدخلها ضوء الشمس أو الهواء الطبيعي، إذ احتُجز مكبّلاً ومقيّداً لمدة أسبوعين في سجن المستشفى العسكري بمدينة الظهران شرق “السعودية”، ثم نُقل لزنزانة في سجن مستشفى قوى الأمن بالعاصمة الرياض، ليُنقل بعدها في أيلول/ مايو ٢٠١٤ لزنزانة انفراديّة في سجن الحائر السياسي سيئ الصيت.
كذلك مُنع الشيخ نمر من الوصول لعائلته ومحاميه الخاص طوال فترة اعتقاله، إذ لم يسمح المسؤولون السعوديون له بالتحدّث مع أفراد أسرته خلال الأشهر الأولى من سجنه. محاكمات غير عادلة انتهكت “السعودية” حقوق إجراءات التقاضي السليمة للشيخ نمر خلال محاكمته. بعد أول جلسات محاكمته، لم يقدم الادّعاء نسخة من التهم الموجهة إليه إلى الفريق القانوني للشيخ نمر ممّا حدّ من قدرتهم على إعداد دفاع وافي. وفي مناسبات متعددة، لم يبلغ القاضي فريق دفاع الشيخ نمر بتوقيت الجلسة أو قام بإبلاغهم قبل الجلسة بيومٍ واحدٍ فقط. إضافةً إلى ذلك، وافق القاضي على شهادة مكتوبة من قبل ضباط الشرطة الذين ألقوا القبض على الشيخ نمر، ولكن منع الفريق القانوني الشيخ نمر من إستجواب الضباط. كما أجبر المسؤولون السعوديون محامي الشيخ نمر على توقيع تعهد بأنه لن يشارك أيّة جهة أخرى وثائق المحكمة.
زعمت سلطات الرياض أن حكم الإعدام الذي نفذ في ٢ يناير ٢٠١٦ استند فقط على تهم تتعلق بالأعمال الإرهابية التي قام بها المُدانين. الحقيقة هي أن السلطات السعودية أعدمت الشيخ بسبب جرائم ذات صلة بحرية التعبير. ورغم محاكمة وإدانة الشيخ من قبل المحكمة الجنائية المتخصصة بإلارهاب، لم يكن للشيخ نمر أيّة علاقة بالإرهاب أو أيّ نشاط إرهابي.
منذ إنشاء المحكمة الدستورية العليا في عام ٢٠٠٨، استخدمت “السعودية” المحكمة لمقاضاة وإدانة عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان بسبب أنشطتهم السلميّة، بما في ذلك الشيخ نمر. نتيجةً لذلك، حكم القاضي على الشيخ نمر بالإعدام بتهمة “عصيان الحاكم” و “التحريض على الفتنة الطائفية” و”التشجيع على المظاهرات وقيادتها والمشاركة فيها”. جميع هذه الاتهامات تتعلق بالممارسة السلمية للشيخ نمر لحقّه في حرية التعبير من خلال خطاباته ومواعظه.
تحقيق غير قانوني بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ احتجزت السلطات السعودية الشيخ النمر لأكثر من ٢٦٠ يوماً دون تهم. في البداية لم تفصح السلطات عن الإتهامات أمام فريق دفاع الشيخ النمر، ثم إن القاضي لم يكن يعلم فريق الدفاع عن موعد جلسات الإستماع في الوقت المناسب. علاوةً على ذلك، رفضت المحكمة إتاحة الفرصة لفريق الدفاع لإستجواب ضباط الشرطة الذين إعتقلوا الشيخ نمر. يشكل قرار القاضي بحرمان فريق الدفاع من فرصة الإستجواب إنتهاكاً للقانون السعودي و الدولي.
فضلاً عن ذلك، تم إستبدال القاضي من قبل الحكومة خلال منتصف المحاكمة. بالإضافة إلى ذلك، لم يسمح للشيخ نمر بإجراء محادثات سرية منتظمة مع محاميه أو حتى في الحصول على قلم و بعض الأوراق. في ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على الشيخ نمر بالإعدام بتهمة إرتكاب جرائم تتعلق بحرية التعبير السلميّ، بما في ذلك عصيان ولي الأمر والتحريض على الفتنة الطائفية وتشجيع المظاهرات. استندت المحكمة في حكمها على الخطب التي ألقاه الشيخ نمر.
في دراسة أجريت على خطبه وأنشطته، فشلت المنظمات الحقوقية بالعثور على أي دليل على تحريضه على العنف أو النشاط الإرهابي. بدلاً من ذلك، كان الشيخ نمر يقوم بممارسة حقه في حرية التعبير. في ١٧ نوفمبر عام ٢٠١٤، أصدر الفريق العامل المعني بالإحتجاز التعسفي و العديد من المقررين الخاصين تقرير لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان مشيرين إلى أن محاكمة الشيخ نمر “لم تستوفي الاجراءات القانونية الصارمة و ضمانات المحاكمة العادلة”. كما أعربوا عن القلق إزاء مزاعم التعذيب الشديد و سوء المعاملة طوال فترة إحتجاز الشيخ نمر و معظمها قضاها في الحبس الانفرادي.
في ٤ مارس عام ٢٠١٥، أعلنت وسائل الإعلام السعودية أن محكمة الاستئناف لن تعترض على حكم المحكمة الجزائية المتخصصة الأصلية. صادقت المحكمة العليا في السعودية على عقوبة الشيخ نمر في أكتوبر ٢٠١٥، تاركةً له لا مجال للاستئناف. في ٢ يناير ٢٠١٦، قامت الحكومة السعودية بعملية إعدام جماعي بحق ٤٧ شخصاً، من بينهم الشيخ نمر. قام الشيخ نمر بممارسة حقه في حرية التعبير عندما عبر عن استيائه إزاء ممارسات السعودية التمييزية التي استهدفت السكان الشيعة في البلاد على مدى العقود الطويلة.
إعتقال و محاكمة و إعدام الشيخ نمر هو مثال آخر على الإنتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان التي ترتكبها حكومة السعودية. مخالفة القوانين الدولية والمحلية بعد سلسلة من الانتهاكات التي تعرّض لها سماحة الشيخ النمر منذ لحظة اعتقاله، انتهى به المطاف شهيداً بسيف جلّاده السعودي، مع العلم أن المواثيق الدولية تنصّ على أنه لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص القانون، وقت ارتكابها، على عقوبة الموت فيها.
والأهم أنه لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائماً على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالاً لأي تفسير بديل للوقائع. وعلى فرض إن ما صدر عن سماحة الشيخ فعلاً مجرماً وهو ليس كذلك، فإن الجريمة تصنف كجريمة سياسية لا يجوز فيها إيقاع عقوبة الإعدام وهذا المبدأ مستقر في المواثيق الدولية والدساتير والقوانين الوطنية. في إعدام الشيخ النمر مخالفات صريحة للقوانين التي وضعها النظام السعودي نفسه، فقد تضمّن الحكم مخالفة كبيرة لمبدأ الشرعيّة الجنائية المعبّر عنه بمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) إذ لم تسند لسماحة الشيخ تهمة محددة تؤسّس عليها إجراءات التحقيق والمحاكمة وإنما تخبطت السلطات في إسناد التهم إليه وفي كل يوم تتبدل التهمة وهو منهج يعكس رغبة النظام السعودي في الإنتقام.
فضلاً عن ذلك، كانت إجراءات المحاكمة مشوبة بخلل جوهري يوجب بطلانها وهو أن الإدعاء العام باشر الدعوى الجزائية أمام المحكمة وفقاً للمادة (١٦) من نظام الإجراءات الجزائية عن جريمة الحرابة وكان المقتضى أن تتم المحاكمة عنها فحسب، إلا أن المحكمة أسقطت حد الحرابة بشكل مفاجئ وفي الجلسة الأخيرة حكمت بالإعدام تعزيراً وهذا مناقض لأبجديات الإجراءات الجزائية.