لايعتبر مسلمو الكاميرون أقلية دينية بالمعنى المعروف، حيث لهم أقدام راسخة في البلاد تمتد في عمق تاريخ البلاد، من خلال الكفاح ضد الاحتلال البريطاني 1884-1916م، ثم الاحتلال الفرنسي 1914-1960م، حتى نالت البلاد الإستقلال، الذى أتى بأول رئيس مسلم، هو الرئيس "أحمدو أهيجو " كأول رئيس للبلاد .
شارک :
على عكس الكثير من الأقليات المسلمة في دول أفريقيا، يتمتع مسلمو الكاميرون بحريات دينية واسعة.
ولايعتبر مسلمو الكاميرون أقلية دينية بالمعنى المعروف، حيث لهم أقدام راسخة في البلاد تمتد في عمق تاريخ البلاد، من خلال الكفاح ضد الاحتلال البريطاني 1884-1916م، ثم الاحتلال الفرنسي 1914-1960م، حتى نالت البلاد الإستقلال، الذى أتى بأول رئيس مسلم، هو الرئيس "أحمدو أهيجو " كأول رئيس للبلاد، الذى استمرفى الحكم لمدة عشرين عاما، تمتع خلالها المسلمون بحرية دينية وسياسية واسعة، ازداد خلالها نفوذهم كما ازداد تعدادهم.
وبعد استقالة الرئيس "أحمدو أهيجو"، عاد الوضع لما كان عليه قبل الاستقلال وتراجع نفوذ المسلمين السياسي، وتزايدت بعثات التنصير، لكن أعداد المسلمين لم تتأثر وواصلت التزايد مع ارتفاع معدل المواليد من جهة، ودخول الكثيرين من أهالي الكاميرون من النصارى والوثنيين في الإسلام ، من جهة أخرى بسبب تأثرهم بأخلاق المسلمين ومعاملاتهم الحسنة.
وصول الإسلام
وصل الإسلام إلى الكاميرون، عبر قوافل التجار الفلانيين- نسبة لقبائل الفلاتا- أيام دولة المرابطين ثم دولة الموحدين، ثم استمر في الانتشارعلى يد الدعاة المحليين.
وعندما دخلت الكاميرون تحت سلطان مملكة "كانم وبورنو" الإسلامية،التى تأستت حول بحيرة تشاد، واستمرَّت في هذا النظام ،حتى دخول الاحتلال الألماني إلى أراضيها في سنة 1884م.
ومن أشهر سلاطين الممالك الإسلامية في شمال الكاميرون؛ سلطان "غاروا" و"لاميدو" و"رى بوبا".
وازدهرت الدعوة للإسلام من الشمال نحو الجنوب، لكن قدم الاحتلال الألماني وبسط نفوذه على الكاميرون في سنة 1884م ، انهمرت البعثات التنصيرية في القسم الجنوبي من الكاميرون لتتوسع بعد ذلك في جميع أنحاء البلاد، إلا أنها واجهت معارضة من المسلمين، الذين قاطعوا خدماتها ومدارسها وتحول الأمر إلى عصيان مدني، خوفاً من الإنزلاق نحو التنصير.
كما تشير بعض الروايات التاريخية، إلى أن الإسلام وصل للكميرون من الشمال عن طريق التجارة، وأخرى تشير إلى أن الإسلام دخل الكاميرون عن طريق الغرب قادما من نيجيريا وذلك بجهود الممالك الإسلامية المتعاقبة في غرب إفريقيا في تلك الحقبة بدءا بمملكة (مأسينا) ثم مملكة (تمبكتو) ثم مملكة (غانا) الثانية إلى مملكة (برنو) وانتهاء بمملكة (سوكتو) التي بسطت نفوذها إلى كل المناطق الشمالية لجمهورية الكاميرون الحالية.
دعوة الشيخ عثمان بن فودى
وحينما أعلن الشيخ (عثمان بن فودي)، جهاده التجديدي في خلافته الإسلامية بشمال نيجيريا ،سارع كل سلاطين المسلمين شمال الكاميرون إلى مبايعته، وذلك حفاظاً على ملكها وخوفا من الزحف الإسلامي الجديد الذي يحارب كل البدع والخرافات وآثار الوثنية التي لم يتخلص منها هؤلاء السلاطين، على الرغم من دخولهم الإسلام منذ زمن بعيد قبل قيام الخلافة (السوكتوية)- مملكة سوكوتو.
واستمر الوجود الإسلامي في الكاميرون منذ ذلك العهد، ولكن امتداده أصبح بطيئا نحو الجنوب والغرب والشرق، بسبب الاستعمار الغربي من جهة ، ومن جهة أخرى ، جهل الكثير من السلاطين بعلوم الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وكذلك قلة العلماء التي أثرت بشكل سلبي على انتشار الدعوة، وتعليم الناس الإسلام الصحيح، فانتشرت بينهم كثير من الخرافات التى ورثوها من أيام الوثنية.
انتشارالإسلام بعد الحرب العالمية الثانية
زاد انتشار الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية، بين القبائل التي تسكن وسط الكاميرون مثل باموم وديورا ولاكا.
وانتقلت الدعوة الإسلامية إلى الجبال في غربي الكاميرون بين قبائل كوتين وجيدرا والفالي وموفو ومتكارم.
كما انتشرت الدعوة الإسلامية في الجنوب بين قبائل ماوندانج وموسجوم.
ويتوقع المزيد من الأنصار للإسلام في النطاق الغربي من الكاميرون وكذلك في الجنوب ويقدر عدد المسلمون في الكاميرون بأكثر من 5 ملايين نسمة رغم وجود البعثات التنصيرية .
ويعتبر الرئيس " أحمد أديجو" من أبرز الزعماء المسلمين فى الكاميرون ، وهو أول رئيس يحكم البلاد بعد الاستقلال، وأسهم كثرا خلال توليه السلطة ، في دعم المؤسسات الإسلامية، كما شهد عصره انتشاراً للإسلام في معظم أنحاء البلاد وليس الأجزاء الشمالية منها فقط، ولاتزال أثار هذا الزعيم فى البلاد حتى اليوم ، حيث يتولى المسلمون الذبح على الطريقة الإسلامية فى كل أنحاء البلاد.
وتتراوح نسبة المسلمين ما بين 45 إلى 50 بالمائة من تعداد السكان وتصل أعداد المسيحية البروتستانت والكاثوليك إلى 40 بالمائة فيما يشكل الوثنيون والديانات المحلية قرابة 10 أو 15 بالمائة من السكان.
حقوق المسلمين في المجتمع:
يتمتع المسلمون بحريتهم الدينية التي كفلها لهم الدستور دون تمييز؛ فحق الاعتقاد مكفولٌ للجميع؛ حيث يوجد بالكاميرون أكثر من 1200مسجد، وتنتشر المساجد في جميع المدن والقرى، فقلّ أن تجد مدينة أو قرية تحتوي على عدد من المسلمين إلا وتجد فيها مسجداً أو مصلى أو أثراً إسلامياً، ولا تمنع الدولة بناء المساجد بالتبرعات، وتسمح برفع الأذان وإقامة الصلاة في الخلاء كصلاة العيد، واتخذت الدولة الأعياد الإسلامية عطلة رسمية للبلاد، ويحضر حاكم كل منطقة صلاة العيد -نيابة عن رئيس الدولة- لتهنئة المسلمين، وتوجد للمسلمين 50 مدرسة ابتدائية، و5 مدارس إعدادية (فرنسية وعربية) تهتم بتعليم الإسلام ونشر الثقافة الإسلامية.
وتسمح لرموز المسلمين بالظهور في وسائل الإعلام المختلفة، وتقديم بعض البرامج الدينية، مثل «البرنامج الإسلامي» في إذاعة الكاميرون الرسمية، لكن تأثير المسلمين في صنع القرار السياسي ضعيف، لا يتناسب مع نسبتهم؛ بسبب عدم توحدهم في أحزاب ليكون لهم وزن في المعترك السياسي، وبالرغم من ذلك، فإنهم يشاركون في بعض المناصب الإدارية في الدولة.
الهيئات والمؤسسات التعليمية
واجه التعليم الإسلامي فترات حالكة في ظل الاستعمار الألمانى والبريطانى والفرنسى ، فكان هناك نقص في التعليم العالي لا سيما لعلماء الدين، وذلك بسبب عدم وجود المدارس العليا، لهذا تجد أن معظم رجال الدين في أثناء الاحتلال تلقوا تعليمهم خارج الكاميرون والقليل منهم تلقى تعليمه في مدينة يولا داخليًا، بينما تلقت الأغلبية تعليمها في مدن كانو وسكوتو بنيجيريا.
وفي عام 1954م كان عدد علماء الدين الذين تلقوا تعليمًا دينيًا عاليًا لا يتجاوز الستين، وبعد الاستقلال زاد الاهتمام بالتعليم الإسلامي، فأصبح تعليم الدين مادة دراسية بالمدارس الابتدائية، وقام بتدريسه معلمون من الكاميرون، ونتج عن هذا زيادة التقدم في الثقافة الإسلامية نوعًا وانتشارًا.
ويوجد بالكاميرون العديد من المؤسسات الإسلامية، منها: المجلس الوطني الإسلامي، ولجنة ترجمة القرآن الكريم، والجمعية الثقافية، وجمعية الكاميرون الإسلامية التي تأسست في سنة 1963م، ومن أهدافها توحيد المسلمين في هيأة واحدة، ونشر التعليم الإسلامي، وتنظيم الوعظ في المساجد، والإشراف على المدارس الفرنسية العربية، والتي وصل عددها إلى 50 مدرسة ابتدائية و 5 مدارس إعدادية ومن أهدافها: إرسال الطلاب إلى الجامعات الإسلامية في الخارج، ويتركز معظم الهيئات الإسلامية في العاصمة.
الضعف السياسى للمسلمين
بالرغم من الحرية الدينية التى يتمتع بها مسلمو الكاميرون، إلا أنهم يعانون من التهميش السياسى الشديد، حتى أن الحكومة الكاميرونية الحالية لا تضم من المسلمين إلا وزيرا واحداً هو أدم جاراجوم الذي يشغل حقيبة وزير العلاقات الكاميرونية العربية واستمرت سياسات الرئيس الحالى بول بييا في تهميش المسلمين وإبعادهم عن المناصب الدبلوماسية في الوقت الذي يزداد فيه النفوذ الصهيوني في الكاميرون ازدياداً رهيباً، حيث يعتمد الرئيس "بول بييا" على أعداد كبيرة من المستشارين الصهاينة الذين تغلغلوا في جميع مؤسسات الدولة، وانعكس هذا التغلغل انعكاساً سلبياً على أوضاع المسلمين في الكاميرون فقد أهملت الدولة تبني أي خطط تنموية في مناطقهم، مما يؤدي إلى زيادة حدة الفقر والجهل بين أوساطهم، ووصلت الأمية إلى أرقام قياسية ساهمت في تراجع دورهم وإمكانية حصولهم على وظائف ذات شأن، مما يعكس حالة التهميش التى يعيشها المسلمون فى هذا البلد ، بالرغم من مناخ الحرية الذى يتمتعون به.
1200 مسجد بحالة سيئة معماريا
انعكست حالة الفقروالجهل والأمية، التى تسود فى أوساط المسلمين،على مؤسساتهم الإسلامية ومساجدهم، حيث يوجد في الكاميرون أكثر من 1200 مسجد، حالة معظمها سيئة جدا، بني أغلبها بمواد بناء بسيطة وقديمة- الحطب والقش- حيث لا يوجد دعم إلا عدد قليل من بعض مؤسسات الإغاثة في الكويت والإمارات، التي قامت بإنشاء عدد من المدارس والمراكز الإسلامية في العاصمة ياوندي التي يعيش فيها أكثر من 950 ألف مسلم.
ولا تقدم الدولة أي دعم لبناء دور العبادة، وتكتفي بتقديم التراخيص وفتح بعض التسهيلات البسيطة لمن يتقدم بطلب بناء مسجد أو كنيسة أو مدرسة، إذا كان بها طابع ديني، ولا يستطيع المسلمون في الكاميرون، تمويل هذه المؤسسات بسبب أوضاعهم الاقتصادية السيئة، وتفشي البطالة في صفوفهم، حتى إن بعض كبار التجارمن مسلمي الكاميرون لم يصلوا إلى القدرة المالية التي تستطيع تمويل هذه المؤسسات، لدخولهم هذا المجال منذ سنوات قليلة.
الغزو التنصيري
أغرى الفقرالمنتشر في مناطق المسلمين وفي مدنهم الكبرى منظمات التنصير كي تبث سمومها، حيث تنتشر في الكاميرون العديد من الإرساليات التنصيرية منها الإخوة الكومبنيون وإرساليات أفريقيا المعمدانية ومنظمة كاريتاس، كما سعت منظمة شهود يهو إلى اختراق الأرضي الكاميرونية وبث سمومها مركزة على المناطق النائية التي ينتشر فيها المزارعون المسلمون في أقصى شمال البلاد، ورغم إنفاق هذه المنظمات لملايين الدولارات لتنصير المسلمين هناك إلا أن النتائج التي حققتها هذه المنظمات ضئيلة جدا أولا تقارن بالأموال التي أنفقت لهذا الغرض، إلا أن هذا الفشل لم يجعل هذه المنظمات تتراجع عن مساعيها التنصيرية.
كما أن البلاد تشهد إقبالا على اعتناق الإسلام يومياً اعتمادا على جهود فردية من بعض الدعاة خصوصا في أوساط الوثنيين، الذي يعتنقون الإسلام تأثرا بالأخلاق الطيبة التي يتمتع بها الدعاة المسلمون.
ويقابل هذا الغزو التنصيري الكثيف، بغياب إسلامي كامل فلا توجد في الكاميرون مؤسسات إغاثة إسلامية إلا القليل جدا بعد تشديد الدولة هناك ضغوطها على الجمعيات الإغاثية الإسلامية التي كانت تعمل في الكاميرون قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنها أجبرت على الخروج من البلاد إثر الضغوط التي مورست عليها في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب، وكان لهذه الأحداث تأثير على الصلات بين الكاميرون والعالم الإسلامي.
فعلى الرغم من أن الكاميرون عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أن الصلات شبه مقطوعة مع الدول الأعضاء فيها ،وتقتصر هذه الصلات على بعض المنح التي تقدمها جامعات إسلامية لطلاب كاميرونيين للدراسة في جامعة الأزهر في مصر، والجامعة الإسلامية بالسعودية، وبعض مساهمات من البنك الإسلامى للتنمية.
الفقر والجهل والتنصير أبرز تحديات
يوجد الكثير من التحديات، التى تواحه المسلمين فى الكاميرون ، منها على سبيل المثال:
جهل كثير من المسلمين بالشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى قلة العلماء والدعاة المتخصصين في العلوم الشرعية.
انتشار الفقر والأمية في مناطق المسلمين وفي مدنهم الكبرى؛ في غاروا وماروا وساميان وآن قوندرى ، حتى إن الأب قد لا يستطيع الإنفاق على تعليم أولاده
انتشار منظمات التنصير بين الأحياء المسلمة الفقيرة؛ حيث يقدمون لهم المساعدات في جميع المجالات التي يحتاجونها، فتوجد في مناطق جنوب الكاميرون بعثات تبشيرية مكثفة ومؤسسات إعلامية تعرض مشاريعها في التعليم والعمل الإغاثي.
الخلافات بين المسلمين خصوصًا بين أصحاب الطريقة التيجانية وجمعية مسلمي الكامرون.
تحدي السلطات الحاكمة، وعرقلة بعض الأنشطة الإسلامية بطريقة غير مباشرة.
ضعف الصلات مع العالم الإسلامي .
نظم التعليم المشتركة، مثل المدارس الفرنسية العربية أو الإنجليزية العربية، هذه المدارس أصبحت تشكل معوقات للتعليم الإسلامي، حيث تركز اهتمامها على تدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية و تهمل اللغة العربية، إما لنقص في عدد المدرسين وضعف أهليتهم التربوية، أو لعدم وجود المناهج الجادة والكتب المدرسية العربية؛ مما أحدث تسرب التلاميذ بعد المرحلة الابتدائية؛ مما أدى إلى إضعاف الثقافة الإسلامية.
بجانب الفقر المدقع فإن المسلمين يعانون من هيمنة الثقافة الإنجليزية والفرنسية على البلاد التي لا يتكلم معظم أهلها سوى بهاتين اللغتين وتنحسر فيها اللغة العربية التي لا يتكلمها سوى 4 بالمائة من السكان.
الاحتياجات والمتطلبات
تتمثل احتياجات المسلمين فى:
إنهاء الخلافات بين الطوائف الإسلامية.
العناية بالتعليم الإسلامي، والاهتمام بالبعثات الطلابية إلى الجامعات الإسلامية.
العناية بتأهيل المدرسين بالمدارس الإسلامية، وتوفير الكتب العربية وكتب الثقافة الإسلامية.
إصلاح المساجد ،فهى فى حالة لا تليق ببيوت الرحمن في بلد ثلث سكانه من المسلمين.