الدوافع والمحاذير امام اي عمل عسكري اسرائيلي ضد طهران
تنا - بيروت
شارک :
لم يكن من قبيل الصدفة ان تنطلق مجموعة من المواقف والتحليلات الصهيونية عن الاوساط المقربة من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو التي صوبت وبصوت عال على المشروع النووي الايراني دفعة واحدة كأنها اكتشفت خطرا جديدا على اسرائيل، في حين ان القادة الصهاينة بدأوا الحملة على هذا ايران ومشروعها النووي منذ التسعينيات من القرن الماضي، فبنيامين نتنياهو الذي ارتفعت اسمهمه بشكل جيد بعد علمية التبادل واعادة الجندي الاسير غلعاد شاليط وفق استطلاعات الرأي يريد ان يبقي على الحرارة في محركات الدفع لشعبيته عبر اطلاق مواقف كبيرة اثبت منذ تسلمه لرئاسة الحكومة الحالية انها اكبر من طاقته بكثير، ولعل المراقب لن يجهد نفسه كثيرا ليراجع موقف نتنياهو من الحرب على غزة حين انتقد وقف العمليات والعودة الى التهدأة مجددا مع الفصائل الفلسطينية دون ان تتمكن حكومة اولمرت حينها من تحقيق نتائج تذكر في هذه الحرب، لكن نتنياهو اضطر مؤخرا لتجرع الكأس نفسها حين اجبر على العودة الى التهدأة بعد التصعيد الاخير مع فصائل المقاومة التي دكت المستوطنات بعشرات الصواريخ، ووسعت دائرة استهدافها لها، واجبرت حوالي مئتي الف مستوطن على المكوث في الملاجىء، فيما عجز نتنياهو عن التجرؤ على شن عملية واسعة في القطاع لن تكون مضمونة النتائج لاسرائيل. نتنياهو الذي يحرص ان يظهر بمظهر الحريص على مصالح اسرائيل الاستراتيجية يسعى وفق ما تنقله وسائل الاعلام الاسرائيلي الى توليف طاقم من رؤوساء الاجهزة الامنية والعسكرية المنسجمة مع توجهاته في الموضوع الايراني، وتحدثت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان نتنياهو يسعى الى تعيين قائد جديد لسلاح الجو يتوافق مع رؤيته في الموضوع الايراني بعد نهاية ولاية قائد سلاح الجو الحالي عيدو نحوشتان، لكن نتنياهو يواجه من جهة اخرى اعتراض كل من رئيس الاركان بني غانتس ورئيس الموساد تامير باردو ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية افيف كوخافي في التصعيد حاليا ضد طهران، ولم تكن تجربة نتنياهو من رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي مشجعة لعدم انسجامه مع موقفه في هذا الموضوع اضافة لخلاف اشكنازي العميق الذي أخذ بعدا شخصيا مع وزير الحرب ايهود باراك المتماهي مع نتنياهو في الملف الايراني حيث قالت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان جزءا من الخلاف بين اشكنازي وباراك كان يتعلق بمقاربة الملف الايراني وكيفية التعاطي معه، وكانت المفاجأة الكبرى حين خرج رئيس الموساد السابق مئير دغان بموقفه العنلي المعارض لاي عمل عسكري ضد ايران في الوقت الراهن وتحذيره من توجهات نتنياهو وباراك لخوض مغامرة غير محسوبة ضد الجمهورية الاسلامية، وقد رأى المراقبون حينها ان موقف دغان اضر بشكل كبير بالموقف الرسمي الذي تعتمده اسرائيل وحكومة نتنياهو خصوصا في الموضوع الايراني. هذا في حين عكست العديد من التعليقات الاسرائيلية في الماضي مدى الحاجة الاسرائيلية لضرورة ابقاء الخيار العسكرية مطروحا على الطاولة قبالة طهران كوسيلة ضغط على الادارة الاميركية وحلفائها لدفعهم لمزيد من الضغط على ايران تجنبا للخيار الاسوأ وهو مهاجمة اسرائيل لمنشآت ايران النووية، وليس غريبا ان تلجأ تل ابيب الى هذا التسخين المفضوح قبيل اصدار اللجنة الدولية للطاقة الذرية تقريرا جديدا حول البرنامج النووي الايراني يأمل الاسرائيليون ان يحتوي على اشارات تدل على نوايا عسكرية لطهران من خلف برامجها النووي. اما على صعيد مدى جدوى العمل العسكري ضد ايران، فإن الكثير من الخبراء الاسرائيليين شككوا في مدى قدرة اسرائيل على توجيه ضربة مؤثرة للبرنامج النووي الايراني واسع الانتشار داخل الاراضي الايراني، والذي تقع بعض منشآته الاكثر حساسية في مواقع محصنة جدا في باطن الارض، ناهيك عن ان اي عمل عسكري لن يقضي على الخبرة التي راكمها الآف العلماء الايرانيين النوويين، كما حذر هؤلاء الخبراء من ردة الفعل الايرانية والثمن الكارثي الذي ستدفعه اسرائيل في حال خوضها لهذه المغامرة، لا سيما ان ايران هي المحور الاساسي لتحالف كبير يمتلك من القدرة النارية والصاروخية بالتحديد ما يمكنها من اصابة كل الاهداف الاسرائيلية اصابات دقيقية وتدميرية، وهي توازي كل ما تمكله آلة الحرب التدميرية الاسرائيلية بحسب التقديرات الصهيونية، اضف الى ان اسرائيل لم تبلغ بعد مرحلة استكمال بناء درعها الصاروخي المتعدد الطبقات لمواجهة كافة الصواريخ التي يمكن ان تطالها من كل من ايران وسوريا ولبنان وغزة. كما ان اسرائيل تواجه معضلة اساسية وهي تعارض العمل العسكري مع المسعى الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لفرض عقوبات على طهران من اجل اجبارها على التخلي عن برنامجها النووي ومن شأن اي هجوم اسرائيلي ان يضع نهاية لهذه السياسة التي تأمل واشنطن ان تؤتي ثمارها ولو بعد حين. اما العقبة الاكثر مركزية التي يمكن ان يواجهها اي مخطط اسرائيلي لعمل عسكري ضد طهران هي الخطوط الحمراء التي وضعها البيت الابيض امام حكام تل ابيب لثنيهم عن التفكير بأي مغامرة من هذا النوع، والذي سينعكس بشكل سلبي جدا على مصالح الولايات المتحدة التي تسعى للتخلص من المستنقعين الافغاني والعراقي، ولا تريد خوض مغارمات عسكرية جديدة في ظل الازمة الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها، وقد حملت رسالة وزير الدفاع الاميركي ليئون بانيتا الى تل ابيب مؤخرا رسائل تحذيرية واضحة الى نتنياهو تطالبه بعدم التفكير في الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الايرانية. هذه الظروف التي تحيط باسرائيل وتجعلها مقيدة عن خوض اي عمل عسكري ضد طهران لا تعني بالضرورة استحالة هذا الخيار، الا ان الامر المؤكد هو ان الضوء الاخضر الاميركي هو ضرورة لا بد منها، فاحلام نتنياهو لتسجيل اسمه كمن انقذ اسرائيل من الخطر الوجودي الذي يمثله البرنامج النووي الايراني قد تدفعه في لحظة جنون الى خوض هذه المغامرة لكن من المؤكد ان الثمن الذي ستدفعه اسرائيل سيكون اكثر باضعاف مضاعفة وهي التي باتت على حافة الحرب متعددة الجبهات التي ستكون ساحاتها احياء تل ابيب والمدن الكبرى في قلب الكيان الصهيوني، ولن يكون مفاعل ديمونا الا في قلب جحيم هذه الحرب التي لن تجني اسرائيل من روائها سوى الخراب والندم، فهل ستتغلب عقلانية بعض القادة الاسرائيليين في كبح طموحات نتنياهو ان جُن جنونه؟ ام انه سيقود اسرائيل نحو الكارثة؟ الايام ستنبئنا بذلك.