من الضروري أن تكون هناك مطالبة مستمرة لتحميل الجهات الرقابية لدى الحكومات العربية مسؤوليتها كاملة عما تنتجه هذه الآلات الإعلامية من مواد وثقافة تفجيرية في المجتمعات، ومحاسبة كل من يشارك فيها ويدعمها ويمولها، فمحاربة الإرهاب والتحريض على الكراهية تبدأ من هنا وليس من مكان آخر.
شارک :
كتبه: جعفر الشايب
تناول التقرير الذي أعدته قناة «بي بي سي» الأسبوع الماضي تحت عنوان «أثير الكراهية»، خفايا القنوات الطائفية التي تبث برامجها المثيرة في المنطقة العربية بمختلف اللغات، وتؤثر على قطاعات واسعة من المشاهدين، حيث تثير بينهم البغضاء والتباعد.
البرنامج الذي استغرق إعداده عدة أشهر أبرز مدى المهنية في تناول مواضيع شائكة بالمنطقة، والجرأة في طرحها والتعاطي معها بصورة تعجز وسائل الإعلام العربية عن عمل برامج شبيهة بها بسبب غياب الرؤية والاستقلالية لديها. يتناول البرنامج تأثير هذه القنوات على مختلف شرائح المجتمع كالشباب وغيرهم بدرجة بلغت حد التأثير في تفكيك الأسر المتوافقة مذهبياً، خاصة في العراق وسوريا.
مع أن الشخصيات المثيرة للجدل صاحبة هذه القنوات تستأسد في إثارة الكراهية ضد الغير، وتبدو وأنها جريئة في المواجهة، إلا أن مقدم البرنامج تمكن من إبراز نقاط ضعف كبيرة لديها من بينها أنها تختفي خلف الكاميرات المعدة مسبقاً وتتهرب من الحوار الصحفي الجاد معها.
إضافة إلى ذلك فإن المادة التي يقدمها هؤلاء المحرضون ليس لها أي أساس علمي، وإنما هي اجترار لقضايا تاريخية غير موثقة، وإعادة طرحها بصورة صارخة ومثيرة، فلا يمتلك هؤلاء حصيلة معرفية أو استعداداً لحوار موضوعي.
التمويل وهو المهم هنا بات مرصوداً ومعروفاً -كما أبرزه البرنامج-، فهم إما عبر تبرعات تصل من البسطاء من الناس الذين يرون في ذلك واجباً دينياً، أو من أفراد وجهات تمويلية بعضها في الخليج تدعم هذه القنوات بصورة منتظمة وتشرف على إدارتها وبرامجها.
بيَّن التقرير أنه لا توجد لدى الجهات الرسمية في مختلف الدول العربية التي تبث منها هذه القنوات أي جهود تُذكر للحد منها أو اتخاذ إجراءات جادة لإيقاف بث برامجها الطائفية، كما أن بعضها أيضاً يستخدم مجال الحرية المتاح في الغرب لمواصة عمله.
البرنامج الذي استغرق إعداده عدة أشهر أبرز مدى المهنية في تناول مواضيع شائكة بالمنطقة، والجرأة في طرحها والتعاطي معها بصورة تعجز معها وسائل الإعلام العربية أمام هذا الوضع المأزوم طائفياً، وما أفضى إليه هذا الإعلام الطائفي المحرض على الكراهية في مختلف الدول العربية. ويبقى السؤال قائماً: لماذا تظل قنوات الفتنة والكراهية تعمل على مدار الساعة في إبقاء حالة التوتر والتشنج بين المكونات المختلفة للمجتمعات العربية؟ ولماذا تصمت الأجهزة الرسمية والأمنية العربية التي تحصي كل صغيرة وكبيرة على هذه الإثارات المتواصلة؟
أليست هذه الأعمال والأنشطة والخطاب التحريضي الذي تتضمنه من مسببات الدوافع للجريمة والاعتداء على الآخر والانتقاص من حقوقه؟ أليست إرهاباً ضد المواطن العربي المختلف دينياً أو مذهبياً؟
من الضروري أن تكون هناك مطالبة مستمرة لتحميل الجهات الرقابية لدى الحكومات العربية مسؤوليتها كاملة عما تنتجه هذه الآلات الإعلامية من مواد وثقافة تفجيرية في المجتمعات، ومحاسبة كل من يشارك فيها ويدعمها ويمولها، فمحاربة الإرهاب والتحريض على الكراهية تبدأ من هنا وليس من مكان آخر.