يطالعنا التاريخ بومضات مشرقة زاخرة لرجال تقلدوا الإسلام عقيدة ومنهاجاً حتى أصبح جزءاً منهم في مسيرتهم نحو الكمال، فكانوا بحقِّ القدوة التي يحتذى بها والمدرسة التي تقدح بالإسلام العظيم ومفاهيمه الرائعة التي تسوق البشرية نحو السعادة الحقة..
شارک :
ولم تكن منهنّ، اللواتي شمخت العقيدة ببطولتهنّ الا النزر اليسير، وفي قمة ذلك نساء عظيمات قد خلد ذكرهنّ في القرآن أو على لسان المعصومين، وقد أشار معلم البشرية (ص) إلى هذه الحقيقة حين قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد".
أجل قد يخط التاريخ على جبين المعطيات من النساء حروف المجد والخلود حيث تفوقن بجانب ما، أما أمثال ابنة محمَّد، فاطمة الزهراء (ع) فقد ضاق بنعوتها وفضائلها التاريخ فلم يستطع احتوائها لذا انفجر بها كلّ تاريخ في أي مكان وزمان كان ليجعل الحديث عن الزهراء يعني الحديث عن الإسلام والشخصية الإسلامية للمرأة كما ارادتها رسالة السماء.. كيف لا وقد رضعت تلك الحوراء الإنسية من ثدي الإيمان وتربت في بيت النبوة وتنسمت عبق الرسالة، ولم يصمت كتاب الله أو السنة النبوية عن ذكرها، ففي القرآن حوت كلمة (نساءنا) في آية المباهلة إذا كانت لها الأهلية والمكانة الملائمة في تمثيل النساء حيث طهرها الله من الرجس تطهيراً.. وكذا كان لها النصيب الوفير من سورة (الدهر.. اما في السنة المطهرة فقد قال لها أبوها (ص): "انّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك". كما ورد عن أم سلمة (المرأة الصالحة): "أن رسول الله (ص) حين تزوجها أمرها بتربية الزهراء (ع) ورعاية شؤونها لسد الفراغ الذي حدث في حياتها بعد أُمها، ولكن أم سلمة (رض) لم تستطع تحقيق مهمتها، فصرحت انّها وجدت الزهراء (ع) أأدب وأدرى بشؤونها منها:
إنّ العناية التي اغدقها أبوها معلم البشرية عليها إنما أراد بذلك اعطاء دروساً بليغة في لزوم توجيه نظر الرجل واهتمامه بالمرأة المخلوق الإنساني الكريم.
هكذا كانت فخر الرسالة الإلهية، وأسرة الوحي، لأنسبها الذي يقرب من النبي المصطفى (ص) ولكن لمكانة رسمتها لشخصها بإيمانها وورعها وتقواها فأصبحت أهل لأن يقال عنها: "سيدة نساء العالمين"...
فأين أولئك الذين يتشدقون شعارات لا تغني من جوع ولا تسمن، تقول بضعف المرأة ومحدودية تفكيرها ووعيها ها هي الزهراء (ع) نموذجاً رائعاً يبطل دعواهم، تلك التي طرحتها الرسالة السماوية قيادة صالحة.. فكانت الذابة عن الرسالة وقائدها، والمحتضنة لآلامه، المداوية لجراحه، حتى نالت منه زلفى لم تنلها غيرها، فكانت أم لأبيها القائد الرسالي.. ولم تعدمها سوح العطاء بعد أن انتقلت إلى بيت ابن أبي طالب (ع) الذي رباه الحجر ذاته، لقد قال عليّ (ع) عنها: "انّ الزهراء (ع) استقت بالقربة حتى اثرت في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من أجل ذلك ضرر شديد". ولم يكن دورها في البيت يشغلها عن أداء مسؤوليتها كامرأة رسالية، فحين ألمت بها الخطوب بعد وفاة قائد الرسالة (ص) حملت لواءها متخذة الحقّ شعار أو العلياء مطلباً في ذلك.. وأيم الحقّ لو كفاها أحد من الرجال ذلك لما استطاع أن يحدث في التساؤل على وجوه الأجيال المعاصرة واللاحقة في معرفة سر ذلك ومن ثمّ السير على نهجها في مواجهة الظلم والاستبداد...
واليوم بعد ان غاب شخص ريحانة رسول الله عنا، ترى هل غاب نهجها وفكرها عنّا؟! هل هي إلّا صرخة حية تدعوه للنهوض بدينه وحمل أعباء الرسالة.
فاطمة، كبرياء النبوة الثائرة في حياتها وفي موتها، من أحق منها بين كلّ نساء الأرض أن تكون قدوة تستلهم منها العزة والخلود والكبرياء، هذه هي البتول النموذج الذي يجب أن يحتذى لكلِّ امرأة في الأرض تفتش عن دور لها عظيم.