المحوران التركي والسعودي يغامران بمصير العرب السنة في المنطقة
تنا
إن الصدام التركي – السعودي سيستمر ويتفاقم في قادم الأيام. وقد اعتاد الطرفان إدارة الحروب لا المشاركة فيها. وعليه إن الانخراط في هذا الصراع من أطراف عربية أخرى سيحول أوطانها الى ساحات حرب ويفتت ما تبقى من هوية وطنية، وهو ما سيدفع ثمنه العرب السنة تحديداً كما يحصل الآن .
شارک :
بقلم : حسام مطر
خلال الأسبوعين الماضيين كان لافتاً الحديث عن مشروع تحالف إقليمي مصري –خليجي (سعودي) للتعامل مع التهديدات في سيناء، اليمن، وليبيا، وتأجيل اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين في الدوحة، وثم القمة المصرية – القبرصية – اليونانية الموجهة "للعدو التركي" الذي رد بإطلاق تهديدات واضحة تلاها هجوم على قوة بحرية مصرية سارع بعض المصريين لتحميل تركيا مسؤوليته، فيما تتواصل المعارك الطاحنة في ليبيا، وبين فصائل المعارضة السورية، وبين "داعش" والعشائر السنية في الأنبار، دون أن ننسى تفجيرات غزة الأخيرة.
كان من المفترض أن ندرك أفق واحتمالات التنافس بل الصدام السعودي – التركي قبل سنوات من الآن بدل الانكفاء لموقع دفاعي في تفنيد مقولات الفتنة السنية – الشيعية. تزامن الانعطاف التركي نحو المنطقة مع انهيار النظام الرسمي العربي - السني الذي أنتج فراغاً سارعت تركيا الى محاولة التمدد فيه من خلال الشراكة مع الإخوان المسلمين، ما فتح أفق تفجير العلاقة مع السعودية.
داخل العالم العربي –السني، السعودية هي قوة حماية الأمر الواقع، فيما تركيا هي قوة تغيير. إستندت السعودية الى الأنظمة العربية التي استبدت بالسنة ونكلت بهم، فيما ذهبت تركيا نحو قوى المعارضة السنية الطامحة للارتقاء السلطوي أي الإخوان المسلمين بالتحديد ولاحقاً "داعش". سعت الدولتان لهدم ما تبقى من هوية وطنية لتضخيم الهوية المذهبية من باب إضعاف إيران وحلفائها ثم تحولا بعد ذلك الى تفتيت الهوية السنية ذاتها كجزء ضروري من الحرب بينهما والتي تقتات من دماء اهل السنة العرب.
إعتمدت الدعاية السعودية – التركية ضد إيران على عدة شعارات: أولاً، أن إيران تغامر بالشيعة العرب وتزج بهم في صراعات عبثية في سبيل بناء إمبرطوريتها. ثانياً، أن الصراع في المنطقة طابعه مذهبي وليس بين منظومة نهب واستعمار وقوى تحررية. ثالثاً، أن السعودية وتركيا يتحركان في المنطقة بهدف الدفاع عن السنة وحقوقهم. رابعاً، أن الدولتين حريصتان على سيادة الدول وتدينان التعامل مع جماعات تتجاوز سيادة الحكومات المركزية. إلا أن حاصل الواقع الإقليمي يُشير الى ما يلي:
اولاً، حين ساندت إيران حلفاءها سواء لمواجهة الكيان الصهيوني أو جماعات التكفير، تمكنوا من تحويل التهديد الى فرصة وتحقيق واقع أفضل بشكل ملحوظ . تتعامل إيران مع حلفائها من منطلق الشراكة والمصالح المتبادلة والتفهم لخصوصياتهم، بما يتيح الاستفادة العقلانية المدبرة لأقصى الطاقات الكامنة. (مثلاً لم تزج إيران بشيعة البحرين في مواجهة عسكرية عبثية من باب الضغط على السعوديين).
ثانياً، يطغى على المشهد الإقليمي الصراعات بين عناصر تتشارك العنوان السني العام، ما يؤكد الصبغة السياسية على صراعات المنطقة، وإن طرح العنوان المذهبي لم يكن إلا سلاحاً سعودياً – تركياً لدفع السنة العرب نحو حروب خاسرة لا أفق لها مع شركائهم المحليين من المذاهب الأخرى.
ثالثاً، لسنوات طويلة تحالفت السعودية مع الأنظمة الرسمية الاستبدادية واتهمت من يعارض هذه الأنظمة بالخروج عن الشرعية والعمالة للخارج. في حين أن كلاً من السعودية وتركيا تدعم جماعات مسلحة تعارض الحكومات المركزية، بما فيها المنتخبة كالعراق، دون أي اعتبار للسيادة والمصالح الوطنية. السعودية تدعم المعارضة المسلحة السنية في وجه النظام السني الموالي لتركيا والعكس صحيح.
رابعاً، من مجمل الحالة الإقليمية يظهر بوضوح أن المحورين التركي والسعودي يغامران بمصير العرب السنة في المنطقة. من النادر أن يضع أي من المحورين يده في دولة ما إلا وتسوء حالة السنه فيها. في لبنان تعيش الجماعة السنية حالة من العزلة والضياع والتوتر الداخلي وضموراً اجتماعياً وسلطوياً. في العراق جرى وضع الإقلية السنية في مواجهة انتحارية مع باقي العراقيين قبل أن تنقلب داعش عليهم وتفتك بهم. في سوريا كان مصيرهم كارثياً حين انصاع جزء منهم لخديعة "الثورة السنية بوجه النظام النصيري". في مصر حرب أهلية باردة، وساخنة في ليبيا. في فلسطين مزيد من الانقسام والعداء ولو تحت نير الاحتلال، فيما دفعت غزة ثمناً مضاعفاً بسبب الصراع التركي – المصري. وفي اليمن فر الإخوان والتكفيريون هائمين على وجوههم بعد أن تسلطوا على اليمنيين لسنوات خدمةً لأمير من هنا وملك من هناك.
خلاصة القول، إن الصدام التركي – السعودي سيستمر ويتفاقم في قادم الأيام. وقد اعتاد الطرفان إدارة الحروب لا المشاركة فيها. وعليه إن الانخراط في هذا الصراع من أطراف عربية أخرى سيحول أوطانها الى ساحات حرب ويفتت ما تبقى من هوية وطنية، وهو ما سيدفع ثمنه العرب السنة تحديداً كما يحصل الآن، في حروب لا أفق لها. بداية الخروج من هذا النفق، العودة الى صياغة تفاهمات وطنية والانفتاح على شركائهم من المذاهب الأخرى والخوض في مشروع بناء دول وطنية وفتح قنوات اتصال مع قوى الاستقرار الإقليمية. متى يكف الفقراء عن خوض حروب السلاطين والأمراء؟