تبدو منطقة الشرق الأوسط مع دنوّ منتصف العام متجهة نحو تكريس نتائج كاسرة للتوازنات التي عاشت عليها المنطقة خلال ثلاثة عقود .
شارک :
ناصر قنديل
فالتفاهم الغربي مع إيران عبر أطر التفاوض التي توفرها صيغة 5+1، يعني إنهاء لحرب باردة مفتوحة بين الغرب وإيران، شكلت الإطار الأوسع لحروب ومواجهات كانت تدور تحت غطائها، وما عاد ممكناً لها الاستمرار وفقاً لذات موازين القوى، والمعايير الحاكمة، حرب الزعامة السعودية للعالم العربي، والزعامة التركية العثمانية للعالم الإسلامي، والهيمنة «الإسرائيلية» على القرار الأمني، في هذه المنطقة التي تبدو حيوية للغرب، لكنها وجودية بالنسبة إلى القوى صاحبة مشاريع الحروب، والتي تجد نفسها فجأة أمام معادلات الإقرار بتغير القواعد بصورة نوعية في غير صالحها.
- حاولت «إسرائيل» البحث عن عنوان مناسب لصرف فائض القوة الهائل الذي تختزنه لإعادة إنتاج مشروع هيمنتها الأمنية، فاكتشفت أنه من دون نصر حاسم على حزب الله فلن يكون لها ما تريد في زمن التفاهم الغربي مع إيران. وحاولت تركيا إيجاد إطار مناسب لحجز مقعد للعثمانية الجديدة ولو بصيغة تعويض نهاية خدمة، أو جائزة ترضية، أو ورقة توت تستر خسارة المشروع الكبير، وهي تمثل القوة العسكرية الأولى في المنطقة بجيش عضو في الحلف الأطلسي، فلم تجد سوى الانخراط أكثر في الأزمة والحرب في سورية. أما السعودية التي تعرف أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقدر على خوض حرب من الجو لسنوات، بلا حساب الأكلاف وتقدر على تمويل جيوش متعددة لمساندتها من دون أن تقيم حساباً للكلفة، تعرف أنها لا تحتمل حرباً واحدة لأيام محدودة في البر تهز أمنها الداخلي، واستقرار وعمران مدنها، وهي تجد فائضها العسكري والمالي والديبلوماسي، أعجز من أن تنفع للحفاظ على نفوذ الدولة التي تصنع السياسية بين العرب، بل تعلم أنه ما لم تفعل شيئاً بعد تكريس الطريق المسدود لحربها في اليمن فإنّ زعامتها الخليجية ذاتها تبدو مشكوكاً فيها.
- مجموع القدرات التي يختزنها الجيش الإيراني ومعه الحرس الثوري والحلفاء المحليون في سورية ولبنان والعراق واليمن، والطابع الوجودي للمواجهات الدائرة بالنسبة للجيش السوري والجيش العراقي والثوار الحوثيين وحزب الله، واستطراداً لإيران تكفي لفرض حسابات أخرى، خصوصاً أنّ إيران ستفقد أي معنى لنتائج مفاوضاتها النووية إن هي تسامحت مع خصومها الإقليميين، الذي دبّروا لها المكائد لتعطيل هذا الاتفاق، ويستهدفون حلفاءها لتوسيع نفوذهم من جهة، لكن لتقليص نفوذها من جهة أخرى، بما يجعل التراجع أمام هجمات أطراف حلف المنتفضين على مكانتها الجديدة، طريقاً لخسارة الأهمّ وهو المكانة الإقليمية التي تليق بقدرات إيران وحجم تأثيرها، وحجم التضحيات التي بذلتها لنيل التفاهم من دون تقديم أي تنازل عن مواقفها من القضايا الكبرى في المنطقة سواء موقفها من سورية أو المقاومة.
- كل شيء في المنطقة يقول إن فائض القوة لدى أطرافها يتزامن مع خوضها معارك وجودية، لا يبدو التسليم بنتائج توازناتها سلفاً على ضوء المواجهات التي جرت في السنوات الأربع الماضية وما قبلها، سهلاً ولا ممكناً كأساس لرسم تسويات يبدو أنها في حال تمّت ستكرس صيغاً قاسية على أطراف المثلث «الإسرائيلي» التركي السعودي، وفي المقابل يبدو الاكتفاء ببعض من المواقع المعنوية مقابل خسارة ما تمّ تحقيقه في مواجهات السنوات الماضية بالنسبة لحلفاء إيران، تفريطاً بمصالح وجودية، سيؤدّي اهتزازها دفعاً للمنطقة نحو اللااستقرار لعقود مقبلة، ولحروب لا تتوقف، تعيد تدفيعهم أكلاف ما حققوه مرات عدة.
- حلف المقاومة يملك من القوة ما يكفي لحماية منجزاته، ومنع أي اندفاعة لتغيير قواعد الاشتباك في ربع الساعة الأخير من سورية إلى الجبهة مع «إسرائيل» إلى العراق واليمن، وحلف المثلث التركي السعودي الإسرائيلي يملك من القوة ما يمنعه من التسليم بقراءة تعتبر عجزه عن التغيير من المسلمات، وكلا الفريقين يعلم أن التسليم بحسابات الفريق الآخر خسارة وجودية لا تعوّض.
- لا تقع الحروب لأنّ المنتصر يخوض حرباً مضمونة، إلا نادراً، فأغلب الحروب يكسبها الذين خيضت ضدّهم، وليس الذين قاموا بخوض غمارها وفقاً لحسابات كانت توحي لهم بالنصر الأكيد، بل تقع الحروب غالباً عندما يوحي كلّ من المتحاربين بعناصر الردع التي يعتقدها كافية لتراجع الطرف المقابل، ويؤدّي التصعيد المتبادل باستحضار عناصر الردع المتقابلة إلى ساحات القتال، إلى بلوغ درجة يصعب فيها منع الانزلاق إلى الحرب، لترسم جولات المواجهة والوقائع الناتجة منها معادلات لتسويات أشدّ رسوخاً، لأنها حقائق يصعب إنكارها وليست حسابات قابلة للاجتهاد، وتصير للتسويات قوة التأثير في الرأي العام لصدم عنجهيته وجعله أكثر مرونة لقبولها تحت تأثير حقائق الحروب، عكس التعنّت والتعالي ما قبلها على خلفية الأوهام والادّعاءات.