حل علينا شهر رمضان، هذا الشهر العظيم المبارك، الذي تستقبله قلوب المؤمنين بالتفاؤل والأمل، فهو فرصة للتقرب إلى الله عز وجل بالعبادات والخيرات، وهو خير الشهور عند الله، فيه أنزل القرآن على سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
شارک :
عبدالوهاب الطويل
وإذا أردنا أن نحيي ليالي وأيام هذا الشهر الكريم كما أمرنا الله تعالى وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نحقق المقاصد الأساسية والمعاني السامية للصيام، وذلك بترويض النفس على تقوى الله، وشكر نعمه التي لا تحصى، وإحياء مشاعر التآلف والتراحم والتكافل بين أبناء الأمة الإسلامية، وتقوية أواصر المحبة بينهم، ونبذ كل مظاهر الخلاف والشقاق، وحقن دماء المسلمين التي تسيل هنا وهناك، وتحكيم الشرع والعقل فيما ينشب من خلاف بين إخوة العقيدة.
إن وحدة المسلمين في شتى أرجاء المعمورة تتجلى في أعظم صورها في شهر رمضان حينما نراهم يجتمعون على الإفطار عند الغروب والإمساك عند الفجر، ويتسابقون في الإقبال على الله؛ بصيام نهاره، وإحياء ليله بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، ويسارعون في فعل الخيرات بالإنفاق على الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، وإغاثة الملهوفين، ومساعدة المنكوبين، متأسين في ذلك برسول الأمة صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود ما يكون بالخير في هذا الشهر الفضيل.
إن شهر رمضان فرصة عظيمة لتزكية النفوس، وإحياء القلوب، والكف عن كل الممارسات التي تجلب غضب الله تعالى، وتنافي الفطرة السليمة للمسلم، وتسيء إلى الإسلام وأهله، وتبث الفتنة والفرقة بين شعوب وحكومات الأمة، وتشيع الظلم والقهر، وتفسد العقول والقلوب، وتحل الدماء التي حرمها الله.
كما أنه فرصة لتدارك الأخطاء، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والتي تسببت فيها بعض الفئات الضالة المنحرفة، وإظهار الصورة المضيئة للإسلام بسماحته وعدله أمام الشعوب الأخرى، ومحو الصورة المظلمة التي ترسخت في أذهان غير المسلمين عن الإسلام، وعلى هؤلاء أن يُعلوا مصلحة الأمة على أي مصالح أخرى حزبية أو طائفية..
وعلى الجميع أن يتذكروا أن رمضان الذي شهد تاريخاً حافلاً بانتصارات المسلمين وفتوحاتهم لا يجب أن يكون مسرحاً للقتل والتدمير والتشريد بين طوائف المسلمين، بل يجب أن يكون فرصة للعودة إلى جادة الصواب والتوقف عن الصراعات والخلافات التي لا طائل من ورائها إلا المزيد من الشقاق والعداء.
ما أحوجنا للعودة إلى مباديء شريعتنا السمحة، والتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فبها تحيا القلوب، وتسمو الأرواح، وتقوى شوكة الأمة، ويعز أهل الإسلام، ويذل أهل الطغيان، ويسود الحق والعدل أرجاء الدنيا، ويصبح المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.