بعد أن وضعت الأزمة المالية العالمية أوزارها، وانقشع الغبار عن آثارها، تبيّن أن البنوك الإسلامية كانت أقل تأثراً بتلك الأزمة، وذلك وفق تقارير صادرة أثناء وعقب الأزمة، ومن جهات غربية محايدة.
شارک :
وكالة أنباء التقریب (تنا) : بعد أن وضعت الأزمة المالية العالمية أوزارها، وانقشع الغبار عن آثارها، تبيّن أن البنوك الإسلامية كانت أقل تأثراً بتلك الأزمة، وذلك وفق تقارير صادرة أثناء وعقب الأزمة، ومن جهات غربية محايدة.
فقد أشار تقرير "ماكنزي" للتنافسية لسنة ٢٠٠٨/٢٠٠٩ إلى أن قطاع الصيرفة الإسلامية يسير على طريق تحقيق نمو قوي وربحية عالية، كما أن أداء البنوك الإسلامية فاق أداء البنوك التقليدية في معظم الأسواق الرئيسية.
وخلافاً للاعتقاد السائد، دلّت نتائج التقرير على أن البنوك الإسلامية تأثرت إلى حدّ ما بالأزمة المالية العالمية خاصة بسبب المخاطر المتأصلة في قطاع المالية الإسلامية، مثل ارتفاع نسبة عدم تواؤم الاستحقاق في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية، وكذلك تعامل العديد من المؤسسات المالية الإسلامية الرئيسية مع قطاع العقارات. إلاّ أن تأثير الأزمة المالية العالمية كان أقل على المصارف الإسلامية مقارنة مع المصارف التقليدية، فالبنوك الإسلامية أقل اعتماداً في سيولتها على الديون وأكثر اعتماداً على إيداعات العملاء، مما حدّ من تعاملها مع أسواق الديون.
كما أشار تقرير أعدته "أرنست آند يونغ" إلى أن الصيرفة الإسلامية رغم أنها تمثل جزءاً من الحل للأزمة المالية العالمية الراهنة وليس الحل بأكمله، إلاّ أنها لا تزال تمثل نسبة ضئيلة لا تتجاوز ٣ % من إجمالي الصيرفة المالية العالمية، وهي الأقل تأثراً بالأزمة المالية مقارنة بالمصارف التقليدية، وستكون موضع ترحيب أكبر في الغرب حالياً بفعل الأزمة المالية العالمية الراهنة.
ولعل من بين أهم آثار الأزمة المالية العالمية أيضاً، الإيمان بضرورة مراجعة معايير العمل والإدارة في البنوك والمؤسسات المالية لكونها المتضرر الأكبر من تلك الأزمة، بما فيها القواعد الاحترازية أو معايير الحذر Prudential Standards، فكان الإسراع إلى إصدار معايير بازل ٣ والذي من المقرر أن يتم خلال السنة الجارية ٢٠١٠.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا يمكن أن تستفيد البنوك الإسلامية من هذه المعايير الجديدة ؟، وهل هي في حاجة إلى هذه المعايير أصلاً ؟.
إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب منا الإلمام أولاً بما تتضمنه هذه المعايير الجديدة، خاصة وأنها قد طُرحت للبحث والنقاش منذ أعقاب الأزمة وعلى نطاق واسع بين المؤسسات المالية الكبرى والبنوك المركزية. وبالطبع لن يسع المجال هنا للحديث عن كل ما يمكن أن تحتويه تلك المعايير، لكن ما يجب التركيز عليه خاصة هو معالجتها لمشكل السيولة، حيث كان لجفاف مصادرها الأثر الأكبر في انهيار العديد من المصارف أثناء الأزمة المالية العالمية، وذلك بالرغم من تدخل البنوك المركزية وضخها للملايين من أجل دعم تلك البنوك.
يُفترض إذن أن تتجه اتفاقية بازل ٣ إلى إبلاء اهتمام أكبر لأدوات إدارة السيولة لدى البنوك، وذلك استكمالاً لما أصدرته لجنة بازل في سبتمبر ٢٠٠٨ من مبادئ إرشادية لإدارة مخاطر السيولة تضمنت بالخصوص استخدام أدوات لإدارة تلك المخاطر مثل نماذج التنبؤ بالتدفقات النقدية، وكذا الاحتفاظ بنسبة من الأصول السائلة عالية الجودة لمقابلة الاستحقاقات الطارئة.
إن البنوك الإسلامية تعاني فعلاً من مشكل إدارة السيولة، والمعاناة تكون في أحيان كثيرة بالفائض لا بالعجز، لكن مع ذلك يجب الانتباه للحالتين. والأصول السائلة عالية الجودة التي توصي بها لجنة بازل يمكن أن تغطّيها البنوك الإسلامية بالصكوك والأدوات المالية الإسلامية، وذلك بإصدار المزيد منها، وكذا التنويع فيها خاصة من حيث الأجل، سيما وأن صيغ التمويل الإسلامي التي تجسّدها تلك الصكوك يمكن أن تستجيب للتعامل بها لمختلف الآجال.
إلاّ أن العائق الأكبر حالياً أمام إصدار وتداول الصكوك الإسلامية هو عدم تقيد الكثير منها بالضوابط الشرعية، خاصة بعد أن دُقت أجراس الإنذار أكثر من مرة بشأن هذا الموضوع، وأثيرت العديد من الشبهات حول التعامل بهذه الصكوك. هذا إلى جانب ضرورة توفير سوق مالية إسلامية بالمفهوم المكاني وعلى نطاق محلي وإقليمي واسع، إذ لا يمكن إصلاح الأدوات دون إصلاح المكان.
كما يُفترض أيضاً أن تتجه بازل ٣ إلى فرض المزيد من القيود على البنوك بغرض الحد من قدرتها على المضاربات في الأسواق المالية، وهو الشيء الذي أثبتت الأزمة الأخيرة أن البنوك الإسلامية بمنأى عنه أيضاًَ، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى مثل هذا الإجراء ما لم تتحول أسواق الصكوك أيضاً إلى أسواق للمضاربات.
ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر أمام البنوك الإسلامية هو تطويع اتفاقيات بازل في كل مرة بما يتلاءم مع طبيعة عملها، وهو ما تحرص عليه تلك البنوك والهيئات الداعمة لها بغرض اكتساب مصداقية أكبر على المستوى الدولي، وهو ما تنجح فيه أيضاً كل مرة بفضل الجهود التي يتبناها مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB بماليزيا، لكن كسب ذلك التحدي يبقى غير ذي قيمة في ظلّ عدم إلزامية تلك المعايير للتطبيق، وذلك بسبب عدم تبنيها من طرف العديد من البنوك المركزية المشرفة على البنوك الإسلامية وفي العديد من البلدان التي تعمل فيها هذه البنوك بما فيها تلك الأعضاء بالمجلس، على غرار المعايير التي تصدرها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين.
إن عدم تقيّد البنوك الإسلامية بمعايير تلك الهيئات وخاصة معايير المجلس، يعني باختصار إهدار للجهد والوقت والمال، بعد أن تمّ وضعها من طرف الخبراء والمختصين، وبتمويل من البنوك الإسلامية نفسها، وتمت إجازتها من الهيئات الشرعية لتلك الهيئات، ثم لقيت اعترافاً من المؤسسات النقدية والمالية الدولية بما فيها بنك التسويات الدولية صاحب فكرة هذه المعايير، وهذا كفران من البنوك الإسلامية لنعمة توفر معايير تجمع بين الحسنيين، القالب الإسلامي أو الشرعي لها، والاعتراف الدولي بها من طرف الهيئات المعنية.