ظريف في "نيويورك تايمز": صفقات الأسلحة الأميركية لن تجلب الأمن للسعودية
تنا
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يدعو في مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز" الدول الإقليمية إلى الاعتبار من دروس التاريخ من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراعات في المنطقة، مؤكداً أن لا صفقات الأسلحة ولا سلاسل الذهب أو الأجرام المتوهجة ستجفف مستنقعات الإرهاب في المنطقة أو ستحقق الأمن البعيد المدى للسعودية.
شارک :
كتب وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في نيويورك تايمز:
في الوقت الذي كان يكرّم فيه ترامب في قصور العائلة الملكية السعودية بعد التوصل إلى صفقة أسلحة تاريخية، كان الإيرانيون يحتفلون بنتائج انتخابات جاءت بشقّ الأنفس. من خلال التصويت تجلى تصميم الناخبين الإيرانيين على إكمال طريق الاعتدال والشراكة البناءة القائمة على الاحترام المتبادل الذي جلب للعالم الاتفاق النووي في 2015.
في حال كان الأداء السابق دليلاً على النجاح في المستقبل، فإن المليارات المئة وعشرة دولار الجديدة من الأسلحة لن تقلّص العبء على الجيش الأميركي ولن تساهم في جلب أمن طويل الأمد للسعودية، وفق ما تقول وزارة الخارجية.
المرة الأخيرة التي أنفق فيها السعوديون هذا المبلغ من المال كانت حين زودوا الديكتاتور العراقي صدام حسين بالمليارات في الثمانينيات لتسليح حربه العدوانية على إيران. أنظروا ماذا جرّ هذا الأمر عليهم وعلى العالم.
في أفضل الأحوال يبدو أن ترامب يبتزّ جيراننا السعوديين ويحلبهم من أجل الحصول على المال الذي لا يمتلكونه. وفي أسوأ الأحوال يحوّل الولايات المتحدة إلى مرتزقة للسعودية في الشرق الأوسط، في موقف مخزٍ لأميركا بلحاظ المكان الذي قدم منه 15 من خاطفي الطائرات في 11 أيلول/ سبتمبر.
إن الحملة الأمنية في السعودية قبيل زيارة ترامب وهجوم النظام البحريني الدموي على أحد الاعتصامات مباشرة بعد الزيارة يظهران أن الطغاة في المنطقة مُنحوا تفويضاً مطلقاً للقضاء على المعارضة السلمية. بكلمات أخرى، فإن ما يتكشف في الجزء الخاص بنا من العالم يبدو فاسداً.
من أجل منع انتشار الإرهاب والتطرف على الزعماء المسؤولين في المنطقة وعواصم العالم أن يصعدوا ويواجهوا التحديات الجسام التي تقع على كاهلهم. فلنضع رقصات السيف والولائم المترفة جانباً، ولنعالج التناقضات الأساسية.
في اليمن تهاجم السعودية جماعة أنصار الله، القوة الوحيدة التي أثبتت براعتها في توجيه ضربات لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يعتبر الأكثر خطراً بين فروع شبكة الإرهاب العالمية. ويبرر الداعمون الغربيون للتحالف السعودي بأن دافعهم هو دعم الديمقراطية بالرغم من أن هذا المفهوم ليس المفضل في الرياض أو بين حلفاء الولايات المتحدة العرب الآخرين.
السخافات بشأن مأساة اليمين تتردد للأسف في سوريا. هناك، تواجه القوى التي تقاتل المتطرفين الوهابيين في الصفوف الأمامية مخاطر تتأتى من سياسة الغرب في مكافحة الإرهاب القائمة غالباً على التفريق بين الحلفاء والأعداء على نحو اعتباطي.
لأكن واضحاً: ما أسماه الرئيس ترامب بـ"الكثير من العتاد العسكري الجميل" لن يجفف مستنقعات الإرهاب والتطرف المتفاقمة. ولا سلاسل الذهب أو الأجرام السماوية المتوهجة ستقدم حلاً سحرياً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تدفع نحو التطرف. ما يمكن أن ينجح هو جهد حقيقي للتوصل إلى شراكة شاملة بين جميع القوى الإقليمية تقوم على سياسة التعايش والقبول بأن الحلول العسكرية غير مجدية.
في الوقت الذي تنفق فيه تنفق السعودية ما لا يعدّ ولا يحصى من الملايين لتعزيز الخوف من إيران بهدف حرف الأنظار عن تصديرها للوهابية التي تلهم الفكر المتطرف للقاعدة وما يسمى الدولة الاسلامية وغيرها الكثير من التنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً من كراتشي إلى مانشستر، كانت إيران تساعد ضحايا هذا التطرف في العراق وسوريا. من خلال منع داعش من السيطرة على بغداد ودمشق، تنشط إيران في العمل على التوصل لحلّ سياسي للصراعات في البلدين.
في عام 2013، اقترحت إيران وقفاً فورياً لإطلاق النار وخطة من أجل إنهاء الحرب في سوريا. لأكثر من عامين رفضت السعودية على نحو قاطع السماح فرضية أن لا حلّ عسكرياً للصراع السوري، متشبثة بوهم أن المتطرفين الذي يقاتلون بالوكالة عنها يمكنهم أن يحققوا انتصاراً في الميدان من خلال جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب.
ولكن بعد سقوط ما لا يعدّ ولا يحصى من القتلى، أصبحت خطتنا بشأن سوريا في 2015 أساساً لقرار مجلس الأمن 2254. ومؤخراً، أثبتت مبادرة الحوار بقيادة إيران وتركيا وروسيا، بالرغم من كونها غير مثالية، فاعليتها كآلية لعدم التصعيد. إن المسار الدبلوماسي المزدوج في سوريا، حيث خفت حدة القتال وحققت جهود مكافحة الإرهاب تقدماً، يوفر حلاً مصداقياً لتسوية النزاعات في أماكن أخرى في المنطقة.
من الأيام الأولى للأعمال العدائية المستمرة منذ أكثر من سنتين في اليمن، اقترحت إيران خطة من أربع نقاط لإنهاء الحرب، التي تفاخرت السعودية بأنها ستنتهي في غضون أسبوعين. الاقتراح تضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار، إرسال المساعدات الإنسانية الطارئة، تعزيز الحوار بين الأفرقاء اليمنيين ومساعدتهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة بدعم من جيرانهم.
مع وجود سبعة ملايين يمني على شفير مجاعة من صنع الإنسان، ونزوح قرابة نصف سكان سوريا، تبدو الأزمات ملحة جداً لدرجة لا يمكن إضاعة الوقت في توجيه الاتهامات للأطراف المسؤولة. بدلاً من ذلك، على القوى الإقليمية الاعتراف ومعالجة القضايا الأساسية التي تحرك التطرف، من أجل التوصل إلى النهاية التي طال انتظارها لهذه المصائب.
في هذا السياق، أمام الولايات المتحدة وحلفائها خياران. إما أن يستمروا في تقديم الدعم المادي والمعنوي وتشجيع المتقاتلين على تصعيد الحرب، بالرغم من أن هذا الأمر أثبت عدم جدواه وأنه لا يجلب سوى المزيد من الموت والدمار والمزيد من التعقيدات لمسار الحل النهائي. أو يمكن لهذه الحكومات، كما قالت إيران منذ البداية، أن تركز على المساعدة في التوصل إلى حلول سياسية شاملة بمشاركة كل الأطراف السياسية المعنية.
عام 1990 حين كنت لا أزال دبلوماسياً شاباً شهدت على فشل وزراء خارجية السعودية وحلفائها العرب في الرد على عرض نظيرهم الإيراني بالبحث عن حل أمني إقليمي شامل، في أعقاب قرار صدام حسين الانقلاب على مموليه العرب وغزو الكويت. وها نحن بعد إنفاق مليارات الدولارات على الأسلحة وسنوات من إراقة الدماء، عدنا إلى المربع الأول.
إذا لم نكسر هذه الحلقة المفرغة، سنترك هذه المهمة الكبيرة والصعبة نفسها لأولادنا وأحفادنا. يجب أن نكون الجيل الذي يتعلم من التاريخ بدلاً من أن نتهم بتكراره.