11 شباط 1979 حدث تاريخي قلب الموازين الاستراتيجية اقليمياً ودولياً فارضا واقعاً سياسياً مغايراً، بعيداً عن تلك الاصطفافات التي كانت موجودة في تلك الفترة.
شارک :
بقلم: ابراهيم عبدالله
ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع (العربي - الاسرائيلي)، تمخضت عبر خروج مصر من حلبة الصراع مكبلة باتفاقية كامب ديفد معلنة الانقلاب على شعار «حرب التحرير واستبداله بحرب التحريك».
اما على الصعيد الدولي جاءت ثورة الشعب الايراني بقيادة الامام الخميني (قدس) في زمن كان شاهداً على حمأة الصراع (الاميركي - السوفياتي) الذي شطر دول العالم بشماله وجنوبه في انقسام عامودي، متخندقا خلف عقليات متصارعة شيوعية - اشتراكية وراسمالية - ليبرالية، عندها انبلج تيار ثالث من بين ثنايا الدجى رافعاً شعار «لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية»، تقوده الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام روح الله الخميني الموسوي.
أعوام كثيرة من الصبر والحصار والعمل الدؤوب انتقلت ايران من درك الدول المتخلفة الى مصاف الدول المتقدمة من خلال انجازاتها النووية والفضائية فارضة نفسها وبقوة امام العدو والصديق دولة اقليمية عظمى، وعزز هذا الحضور انخراطها في الحرب على الإرهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومدها يد العون والدعم للمقاومات العربية وخصوصاً اللبنانية والفلسطينية قافزة فوق جدار الطائفية والمذهبية العفنة.
وفي اطار رؤية تقييمية لمنجزات الثورة على مدى سنين متتالية لابد من الأخذ بعين الإعتبار عدة امور هي:
اهداف الثورة الإسلامية، الأوضاع قبل انتصارها، امكانات البلاد الذاتية، الضغوط ومؤامرات اعداء الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي الامكان دراسة منجزات الثورة الاسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفتين وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين.
وعلى سبيل المثال فإن اسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي وإحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الإستقلال السياسي هو من أبرز منجزات الثورة الإسلامية في اطارها العام والتي على اساسه تحققت باقي المنجزات، كان بمثابة الأرضية الصلبة والمتينة للتأسيس رحلة ايران الطويلة وانتقالها من طور الى طور.
في زمن الإنتصار يعد جانب من اهداف الثورة الإسلامية مثل الاستقلال الاقتصادي من المنجزات التي تحتاج الى زمان ومساعي اكثر.
ويمكن لنا ان نشير هنا الى منجزات الثورة الاسلامية في ايران من الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
المنجزات الثقافية والإجتماعية
وفرت الثورة الايرانية الاجواء المناسبة لتنمية القيم الاخلاقية والإنسانية، والعودة الى الذات، عبر ازالة مظاهر الفساد من المجتمع، وعملت على رفع مستوى الوعي العام والمعنويات، من خلال مكافحة الأمية، التي حققت اغراضها الى حد كبير، في سبيل توفير الامن الإجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب، والعمل على تنمية روح الوحدة والإخاء واشاعة الأدب الثوري – الديني.
كما ساهمت الحكومة الايرانية بعد الثورة في زيادة عدد المطبوعات والمجلات والصحف والدوريات، وكان لها اليد الطولى في «اسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والإقتصادية والإدارية والعسكرية والسياسية».
وأحيت الفكر الديني محدثة تحولات في القيم الإجتماعية ومفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والإخلاص والحج السياسي، والتضحية والإيثار.
وعملت على ترسيخ مبدأ التنسيق بين الإلتزام والتخصص والتدين والثقافة، من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية ومراكز البحوث والدراسات وزيادة امكانياتها.
نجحت الثورة في ايران في تحويل القوات المسلحة الى قوات مؤيدة للشعب وايجاد قوة التعبئة الشعبية، وعملت على التعريف بنموذج المرأة المسلمة- الثورة الاسلامية من خلال اعداد الاجواء لإقامة مهرجانات مختلفة حول النساء.
وتمكنت الجمهورية الاسلامية من نشر الصحف والمجلات النسوية، وتأسيس الجمعيات الخاصة بهن، هذا بالإضافة الى مشاركة فاعلة للمرأة في الرياضة وتواجدها في الحياة السياسية الذي يتجسد فيما يتجسد في الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلدية والقروية.
وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجاً جديداً للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للأسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الأجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.
ونجحت الثورة في ايران من ترسيخ مبدأ الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الاسلامية ومنطقة العالم الثالث، والتأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.
المنجزات السياسية
لعل من اهم المنجزات السياسية للثورة الاسلامية في ايران، هي القضاء على الحكم الشاهنشاهي ورفع الظلم عن الشعب الإيراني، من خلال الإتكاء على عائدات البترول، والجيش والأجهزة الأمنية، حيث كان الشاه يسعى وبدعم الأجانب له الى اظهار نظامه بشكل مقتدر، مزيلاً من الأذهان حتى مجرد التصور بزلزلته فكيف بسقوطه، لكن ارادة الله سبحانه وتعالى قد شاءت غير ما اراد الشاه اذ تمكن الشعب الأعزل من السلاح من اسقاط الحكم البهلوي المستبد.
وتمكنت الحكومة في ايران من بلورة تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف، من اجل تحقيق وتعزيز الإستقلال السياسي للبلاد، وقطع ايادي التسلط الأجنبي عنها، عن طريق المساهمة في نمو الوعي السياسي والوعي العام للشعب وتواجده في مختلف المجالات، والحركة نحو التقنين والمجتمع المدني الديني.
وعملت على ارساء دعائم نظام الجمهورية الاسلامية في ايران فبعد انتصار الثورة، تحققت ارادة الشعب في ايجاد النظام الاسلامي، وأن لفظ الجمهورية يحدد نوع الحكومة، اما لفظ الإسلامية فيحدد مضمون نظام الحكم الجديد في ايران، حتى ان تسمية كلمة الجمهورية الاسلامية لم تفرض على الشعب الايراني بل جاءت عبر استفتاء نزولاً عند رغبة الشعب الثائر وهذا يسجل لأول مرة في تاريخ الثورات بأن تسمية النظام لا تفرض او تسقط على الشعب بل اتت عبر ارادة حرة وخالصة نابعة عن قناعات الجماهير الثائرة.
ومن وجهة نظر الإمام الخميني «قدس» فإن نظام الجمهورية الإسلامية ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي ونظرية ولاية الفقيه العادل، وفي نظام الجمهورية الإسلامية يؤدي ابناء الشعب دورهم في تعيين مصيرهم من خلال ابقاء باب الحريات السياسية مفتوحاً على مصراعيه ومن خلال اجراء الانتخابات العامة الحرة والنزيهة.
وعمق النظام الجديد اواصر الإرتباط بين الدين والسياسة وعرض النموذج الزاهي للحكومة الدينية، بحيث كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة «الدين افيون الشعوب»، اما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة «عزل الدين عن السياسة»، وجاءت الثورة الاسلامية لتثبت ان الدين ليس افيوناً للشعوب بل هو «المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع».
وعلى صعيد الانتخابات حصلت في ايران بعد الثورة انتخابات نيابية (مجلس شورى) عديدة بالإضافة الى الإستحقاقات الرئاسية وتناوب شخصيات متعددة على سدة الرئاسة في حين لم تشهد دول الجوار اي انتخابات فضلا عن تعيين موظفي الفئة الاولى.
نجح النظام الجديد بـ «كسر شوكة الغرب والشرق»، وأن انتصار ثورة الشعب المسلم في ايران قد حقق هذا الأمر، على ان عدة عوامل قد ساهمت في انتصار الثورة الاسلامية مثل روح التضحية والإيثار وعدم الخنوع والخضوع للظلم والإستبداد، وعززت الثورة تجديد الحياة السياسية للإسلام في العالم ومنح العزّة للشعوب المستضعفة والعالم الثالث.
نعم لقد حملت الثورة الاسلامية في ايران على اجنحتها الشفافة بشرى الحرية من نير الظلم والاستبداد حتى لغير المسلمين في العالم.
ولا ننسى قيام السياسة الخارجية لإيران على مبدأ «لا شرقية لا غربية» بحيث انها قطعت العلاقة مع الكيان الصهيوني حيث قامت بطرد السفير الاسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني بدل علم العدو.
ان السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في ايران تقوم على اساس رفض كل انواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم، عبر تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم. ويرى اغلب الباحثين بل اكثرهم في الشؤون الاسلامية والشرق اوسطية والعالم العربي، ان «الثورة الاسلامية في ايران هي اكبر محرك للحركات الاسلامية السياسية».
لقد تأثرت بعض الدول في العالم مثل لبنان والعراق ودول حوض الخليج (الفارسي) وأفغانستان وباكستان وتونس وفلسطين ودول شمال افريقيا بشكل مباشر بالثورة الاسلامية، كما تأثرت دول اخرى في العالم بشكل غير مباشر بهذه الثورة مثل سوريا ونيكاراغوا وجنوب افريقيا.
ونجح نظام الحكم الجديد في ايران من خلال ثورته المباركة برسم معالم الوجه الحقيقي للإسلام وإثبات مظلومية الشعب المسلم في ايران في الحرب المفروضة، وعرض نظرية حوار الحضارات والعمل على ايجاد العلاقات بين شعوب العالم، وإزالة اشكال التوتر على المستوى الدولي، ومثل هذا المشروع حاز بسرعة على قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، بحيث اعتبر العام 2001 للميلاد عاماً «لحوار الحضارات».
المنجزات الإقتصادية
لقد حققت الثورة الإسلامية في ايران العديد من المنجزات على الصعيد الإقتصادي ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين والحؤول دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال، والإنكباب على العمل والإهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، وتدعيم البنى التحتية للتنمية وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة وتطوير طرق انتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكة الطرق والمواصلات والموانئ وإشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة، من اجل تحقيق هدف الوصول الى مرحلة الإكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري، والطبي والمدني كصناعة السيارات والصلب والتكنلوجيا كتقنية «النانو»، وصولاً الى الفضاء وفي مجالات اقتصادية اخرى.
لكن التطور الاقتصادي في ايران سار في طريقه الى الامام رغم وجود بعض الموانع والعقبات مثل المقاطعة الإقتصادية وحرب الثمانية اعوام التي كان النظام العراقي السابق قد فرضها ضد الجمهورية الإسلامية في ايران، حيث كانت تلك الحرب الظالمة قد تسببت في خسارة قدرت بـ 1000 مليار دولار او ما يعادل نفقات البلاد على مدى 70 عاماً.
منجزات عسكرية
لم تقتصر منجزات الثورة في ايران على البعد الثقافي والاجتماعي والسياسي انما شملت أيضاً البعد العسكري حيث شهدت ايران نقلة نوعية على صعيد تطوير الأسلحة لديها لا بل تجاوزت هذه الحقبة رغم الحصار وغاصت في صناعة الأسلحة كافة بمجهودها الذاتي كصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الإصطناعية وصناعة المدرعات والسفن الحربية والمقاتلات الجوية، بالإضافة الى صناعة الرادارات والدفاعات الجوية وصولاً الى امتلاك تقنية التشويش الإلكتروني المتطورة، لتصل الجمهورية الاسلامية بفضل ثورتها الصادقة الى مرحلة الجهوزية لخوض الحروب الإلكترونية وعلى نطاق واسع ومثال على ذلك عملية السيطرة وإنزال الطائرة الاميركية التجسسية RQ170.
والان الجمهورية الاسلامية في ايران، ايماناً منها بمبادئ ثورتها وأهدافها النبيلة، تعد نفسها لمقارعة الدول الكبرى في حرب النجوم وخير دليل على ذلك الوتيرة الزمنية المتسارعة لإطلاق الأقمار الاصطناعية على اختلاف انواعها ومهامها الى الفضاء في برنامج يشهد تطورا مضطردا وصولاً الى ارسال اول رائد فضاء ايراني الى سطح القمر بحلول عام 2020.