تاريخ النشر2010 14 November ساعة 13:21
رقم : 31226

التقريب ضرورة ملحة في واقعنا الإسلامي المعاصر

الشيخ حاتم أبو ديه *
التقريب ضرورة ملحة في واقعنا الإسلامي المعاصر
الوحدة الاسلامية هي حاجة ملحة وطموح شرعي لكل مسلم يبحث عن هويته واصالته وقوته ووجوده في هذا العالم بالخصوص في هذا الزمن الذي أجمع فيه الاعداء على رص صفوفهم في سبيل تمزيق اواصر الاجتماع، والتوحيد حول عقيدة التوحيد والرسالة السمحاء، وعملو ومازالوا يعملون كل يوم وبإمكانات هائلة على تشتيت المسلمين وتفريقهم بالنزاعات العرقية والمذهبية، وتوقع الخلاف فيما بينهم وتقوى النزعة الاستئثارية والهيمنة لفرقة على اخرى، حتى وصل الامر الى حد خطير وخطير جداً، حدا ببعضهم الى ان ينهج سبيل التفكير للمسلمين على قاعدة من كان معه في فكره وعقيدته ومنهجه فهو مسلم ودمه وماله وعرضه حرام، ومن خالفه في ذلك فهو كافر ودمه وماله وعرضه مهدور، وامام هذا المستوى الخطير الذي يمزق الامة، امة رسول الله (ص) من المؤسف ان نجد ان الكثيرين من العلماء والمفكرين والقييمين على هذا الدين الحنيف والشريف قد تخلو عن مسؤولياتهم الشرعية لكشف الحقيقة الربانية والقرآنية امام الناس، والتي تدعو وتدفع الامة للتمسك بحبل الله المتين، ولتتوحد تحت راية التوحيد والاجتماع على مافيه خير وصلاح للامة، وما يحفظ مصالحها ويقوي شوكتها ومنعتها واستمراريتها، وحفظ كرامتها، وهذا التخلي، اتاح المجال امام الغوغائيين البسطاء والسذج البلهاء ان يهدموا بأفكارهم الشيطانية والتكفيرية مابناه الرسول (ص) والائمة الاطهار والعلماء والمخلصون من بعدهم للحفاظ على البنيان الوحدوي للاسلام ، والذي قدم من اجله الغالي والرخيص، وبذلت المهج للحفاظ عليه.

وهذا التخلي جعل الساحة خالية من بعض العلماء المخلصين الذائبين في الاسلام المحمدي الاصيل، والذين يخافون الله تعالى في أمور الدين والامة، ومصالح المسلمين فحاول هؤلاء ملأ الفراغ واستغلال هذه الفرصة التي تظهر الدين بغير سماحته، وتقدم للعالم وللغرب خاصة صورة سوداء عن الاسلام والمسلمين، كل ذلك ايها الاحبة، وكتاب الله تعالى وحبله الممدود منه الينا ما زال بين ايدينا وما زلنا نتفيء بظله الوارف الذي يتسع للجميع، ولكن للأسف لم يتل حق تلاوته، ولم يرع حق رعايته، بل ترك المجال واسعاً امام الجهال وعوام الناس يخوضون فيه، ويعيثون في الامة والناس فساداً، ويطيح بطموح المسلمين الذي يرى ان الوحدة والتلاقي والحوار هي طموح كل مسلم شريف وهو كفيل بأن يعيد الامور الى طبيعتها والى سنة نبيها وأئمتها والسلف الصالح من الاصحاب، وهذا مما يكمن في ان يستعيد العلماء المخلصون، والرواد والقياديون، دورهم ودأبهم لجمع الامة بما يحقق مصالحها، ويحفظ وحدتها، ويقوي شوكتها، ويحقن دماءها، وان يركزوا على الاسلام كدين عقيدة ومعاملة، لا على مذهب، وان يؤسسوا لوحدة جامعة تركز في عقول المسلمين، مفهوم حرمة المسلم على المسلم، وعدم تكفيره بسبب مذهبه، ومعتقده، بعد سلامة عقيدته في الله تعالى والرسول (ص)، والرسالة والمعاد وهي معتقدات لا خلاف فيها، وان يعيدوا لها طموحها الذي كان وسيبقى بإن الوحدة اساس شرعي يجب المحافظة عليه، كما أخبرنا النبي (ص) في كتاب الله جل جلاله بقوله: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا اليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيمو الدين ولا تتفرقوا".

ماهية الوحدة ومعناها
يقول عز من قائل: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون".
في النصوص المثبتة في كتاب الله والواردة عن رسول الله (ص) وآله (عليهم السلام)، تشير الى اهمية الوحدة والاتحاد، وهي كثيرة وقد ركز عليها الاسلام العزيز، وبالعودة الى المصادر اللغوية نلحظ فرقاً واضحاً بين الكلمتين:

الاولى: الوحدة والثانية الاتحاد، فالوحدة تعني: "الشيء الذي ليس فيه كثرة" "وهي عبارة عن كون الشيء لا ينقسم" "وهي من اشد الاشياء مباعدة عن الكثرة وهي التي تجعل المجموع واحداً"، "الوحدة ليست بعدد، بل هي مبدأ للعدد المتقدم بها لا غير"، "والوحدة هي عدم الانقسام الى أمور متشابهة ... أو متشاركة في الماهية".
قال بعضهم إن الوحدة تعتبر غير قابلة للتعريف أو الشرح إلا عند وضعها في مقابل "الكثرة والتعدد" وهذا ما أشار اليه "ابو البقاء" في الكليات بقوله:"الوحدة لكون الشيئ بحيث لا ينقسم ، وتطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ".

إلا ان هذه الكلمة أصبحت اليوم تعطي معاني الاتحاد، واتحاد شيئين أو أكثر معاً، كما يقال مثلاً الوحدة بين دولتين، أو وحدة القوانيين التجارية) ويقال: الوحدة الوطنية، وتعنى اشتراك أفراد وفئات أو طوائف شعب ما ، في دولة ما، في أهداف تعود بالنفع على الجميع بحيث يعتبرون مجموعة واحدة ذات خصائص محدده.
أما فيما يخص الوجه الاسلامي، فإن الامر يختلف، وذلك لأن الوحدة التي تحدث عنها القرآن، هي بالمعنى الاساسي للكلمة، وهي الاصل، الذي فقدناه، والمخلصون يعملون لاستعادته، ولو تحت عنوان الاتحاد، ولو بقيت لنا هذه الوحدة التي ارادها الله لهذه الامة، لما فقدنا قوتنا وعزتنا ومنعة أمتنا ولما فقدنا طموحنا الشرعي لتحقيقها والذي يسعى اليوم المخلصون لاعادته لانها من الضروريات، ويجب العود الى الينابيع الصافية، لننهل منها وهي مصادر تشريعنا وأقصد بها القرآن والسنة النبوية اللذان يطرحان مبدأ الوحدة على مستويات كثيرة ومتنوعة نذكر منها:

المستوى الاول: وحدة الانبياء والرسل في الدعوة
يقول سبحانه وتعالى في محكمة آياته من القرآن الكريم: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) صدق الله العظيم (وصبغة الله) هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الانسان، كما ان الصبغة حلية المصبوغ .

المستوى الثاني: وحدة المسلمين ضرورة شرعية بالنص
قال الله تعالى:
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
وقوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
وقوله تعالى :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

فلكل مبدأ جوهر ولب، ولب الرسالة الاسلامية والالهية هو ما عنته هذه الايات الكريمات، الا وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرقة وهي أصل شرعي ثابت بقول العلامة الشيخ محمد عبده في تفسيره لقوله تعالى وأعتصموا بحبل الله هي أستعارة تمثلية، وذلك لان حالة المسلمين في تمسكهم بكتاب الله ، او اتحادهم ، وتآخيهم ، ونصرة احدهم للآخر، قد تشبهت في هذه الآية ، بحالة تمسك شخص ما بحبل ثابت من مكان عال ، بحيث يشعر الشخص بالأمان وعدم السقوط من ذلك المرتفع نتيجة تمسكه بالحبل.

وقد جاء في " تفسير الامثل" أن هذا الحبل ليس الا حبل الله المتين ، وهو الارتباط بالله عن طريق الاخذ بتعاليم القرآن الكريم ، والقادة الهداة الحقيقيين ، والتي ترتفع بالناس من حضيض الحضيض الى أعلى الذرى في سماء التكامل المادي والمعنوي.
وقد ذكر المفسرون أن المقصود (بحبل الله ) هو الاسلام أو القرآن، أو التوحيد والولاية لآل الرسول (ص) وبكلمة هو دين الله أم نعمة الله يقول الشيخ الطنطاوي – فهي المتمثلة بالهداية والتوفيق للاسلام الذي يهدي الى الائتلاف.

وقال الشيخ الطوسي قدس سره ان المراد بقوله واعتصموا بحبل الله جميعاً هو التمسك بعهد الله ، الذي هو سبب الخلاص كما أن الحبل هو سبب النجاة من السقوط.
والالوسي ينقل حديثاً يستشهد به وهو قول رسول الله (ص): ( كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء الى الارض ) وينقل ايضاً عن ابن ثابت ، ان رسول الله (ص) قال : (اني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والارض ، وعترتي أهل بيتي).
الى ما هنالك من تفسير بمجموعها تشير ان المراد بحبل الله هي كل وسيلة تؤدي الى الارتباط بالله سواء كانت الوسيلة هي الاسلام ام القرآن ام النبي وآله (ع) تؤكد على ان الوحدة بين المسلمين هي واجب شرعي والاعتصام بحبل الله تعالى هو من مبادئ الاسلام الاصيل واصل من أصوله المنيعة.

الفرقة في القرآن والسنة النبوية
كما سلف وذكرنا ان الله تعالى يدعونا الى التمسك بالعقيدة والوحدة وينهى عن الفرقة "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا". كذلك هناك آيات يبين الله تعالى فيها الاثر السلبي للفرقة ومخاطرها على الامة نذكر منها قوله تعالى:
" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيئ".
"ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون".
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة).
( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات).
(ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
(وان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ).

فالايات الكريمات تشير بكل وضوح، ان الله تعالى امر الناس ان تعتصم بحبله، وأمر المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، واخبرهم جل جلاله انه انما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. وقد أوصى الله تعالى عباده بهذا الصراط المستقيم الذي لا أعوجاج به عن الحق، وأمرنا ان نعمل، ونتخذه منهاجاً ومسلكاً وان لا نسلك طريقاً سواه ، لانه لا يؤدي الى التشتت، والتفرق والابتعاد عن دينه ويسلط علينا من لا يرحمنا ، ويحل غضبه وعذابه علينا ويرفع عنا البركة والرحمة.

وحبل الله كما ذكرنا هو القرآن، وعهده وامره فتمسكوا بدين الله الذي أمركم به ، ولا تفرقوا عن دينه وعهده من الائتلاف، والاجتماع على طاعته، وطاعة رسوله (ص)، والله تعالى قد كره لكم الفرقة وحذركم منها ، ونهاكم عنها ورضي لكم السمع والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا لانفسكم ما رضي الله لكم ، ان استطعتم.

وتشير الآيات بمفهومها ودلالتها الى أمر هام وهو:
واذكروا ايها المؤمنون، نعمة الله التي انعم بها عليكم، حين كنتم اعداء في شرككم، يقتل بعضكم بعضاً، عصبية في غير طاعة الله، ولا طاعة رسوله، في جاهلية عمياء، فألف بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعض اخوانا، بعد أن كنتم اعداء، تتواصلون بألفة الاسلام ، وتتوادون بنعمة القرآن، وتجتمع كلمتكم عليه قال تعالى:"واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً".

ذلك هو الفضل الالهي في المجتمع الانساني ، وذلك هو الاصل الشرعي لامر الله في المجتمع الاسلامي، إلا ان الواقع اليوم قد ذهب بإتجاه آخر، حيث خولفت وصايا الله تعالى، ما أوقع المسلمون أنفسهم في ما أوقع فيه أهل الرسالات من قبل ، فتفرقوا عن سبيله ، واختلفوا في أمره ونهيه وباتوا شيعاً يقتل بعضهم بعضاً ، ويكفر بعضهم بعضاً، مع انهم يتلون كلام الله " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون".
وقد أستشرق الرسول الاكرم (ص) هذه الحال من بعده ، قائلاً لنا في حديث الافتراق "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة".

ومن شأن هذا الحديث ان يبعث الرعب في صدور المسلمين، ويدفعهم بقوة الى الائتلاف والوحدة، وان يعودوا الى كتاب الله وسنة نبيه (ص) وسيرة عترته (ع) والسلف الصالح للتمسك بها والعمل بسيرتها.
ورد أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص) تؤكد على الجماعة والاجتماع نذكر منها:
قوله (ص) من فارق جماعة المسلمين (فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه ) قيل يا رسول الله (ص) وما جماعة المسلمين ؟ قال : ( جماعة أهل الحق وان قلوا). وقال (ص) : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا). كثيرة النصوص التي تشير ان الاسلام دين الوحدة والالفة والمودة ودين الاجتماع والتكاتف، ودين التوحيد والاخلاص والناس كلهم عباد الله وعياله وأحبهم اليه انفعه لعياله، فالنراجع ذلك بدقة وتمعن. 

الطرق المطلوبة للتوحيد بين المسلمين
هناك طرق مختلفة يمكن أن نعتمدها لتأصيل الوحدة بين المسلمين نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
۱- العمل للتقريب بين المذاهب
قد يتوهم البعض ان هذا المطلب يؤدي الى إلغاء المذاهب والفرق، فليس المقصود من التقريب بين المذاهب هو توحيدها لتصبح مذهباً واحداً، وبذلك تتحقق الوحدة المنشودة فهذا أمر مستحيل بطبيعته، ويخالف الفطرة في الاصل فضلاً عن أنه لا ينسجم مع الواقع التكويني والعقلي والانساني بشكل عام، وللانسان المسلم شكل خاص، ولاننا نرى ان المذهب الواحد فيه اختلافات بين مجتهديه لا تقل عن اختلافات المذاهب الاخرى بين بعضها، وهذا امر طبيعي بل وضروري لتطوير الفقه ومسائل الدين التي يحتاجها الانسان في عملية تطور حياته وإلا لجمدت العملية الفقهية، وتوقفت الحلول التي يحتاجها الانسان في مسيرة حياته ومتطلباته الدائمة.
فتوحيد المذاهب مستحيل كما سبق وقلنا، لان هذا يعني (دمج مذهب بمذهب، وتغليب مذهب على مذهب).

والحل هو بقاء المذاهب الاسلامية المختلفة وعدم السعي الى دمجها أو الغائها كونها تشكل ثورة فكرية وفقهية وعلمية ... تؤدي الى حيوية وتطور الفكر الاسلامي. فما دامت هذه المذاهب متفقة على الاصول التي تعتبر الحد الفاصل بين المسلمين وغيرهم وأبرز هذه الاصول هي أركان الاسلام والايمان، وديننا الخاتميه، ونبينا خاتم الانبياء، وان ماجاء به الكتاب حق وما صدر عن رسول الله حق وان الساعة حق، والموت حق، والبعث حق، والثواب حق، والعقاب حق والجنة والنار حق وان الله يبعث من في القبور وهو حق الى ما هناك من أمور تتفق عليها كل المذاهب الاسلامية وتقر بها وتتفق عليها.
ولم يوجد مذهب أو فقيه من فقهاء المسلمين أنكر ذلك لانها من اركان الاسلام وأصوله.

اليس هذا كاف لندرك ضرورة العمل لتأصيل الوحدة بيننا بمسؤولية شرعية، اليس هذا حلم يجب ان يتحقق وطموح يجب ان نصل اليه ، فالخالق واحد والنبي (ص) واحد والقبلة واحدة، والكتاب واحد واصول الدين متفق على جلها واركان الدين متفق عليها، فلنتعاون على البر والتقوى، وجمع الشمل، وتوحيد الصف ، ودرء الاخطار عن أمتنا، (فالاختلاف في الفروع بين المذاهب ليس خلافاً على جوهر الدين واصوله ، انما هو أمر معتاد ، وأمر طبيعي يقع تبعاً للاختلاف في وسائل النظر وطرق الفهم ليس إلا).

والاختلاف في وجهات النظر بين العلماء والمفكرين تدل على الحياة ، وعلى تطور حركة الفكر والعقل ، وهي دليل قوة واستمرار، ولكن أعداء الامة يستغلون هذه الاختلافات، وينفذون من خلاله ليزرعوا الفتن ويتخذون منها ذريعة لبث الفرقة والنزاع والضغينة والخصومة، وبناء عليه يجب ان نلتفت الى هذه الثغرة ونجعل الخلافات الفكرية بحدها الطبيعي والصحي، وبحصرها بالمجال العلمي والحوار الهادف والهادئ ، حتى لا تصبح أدوات فتك واسلحة دمار على امتنا، وتستغل بهذا الاتجاه كما يحصل اليوم في كثير من بلداننا الاسلامية.

مقترحات للحل وعلاج
ينبغي علينا ايها الاخوة ان نزرع وننمي روح الاخوة والصدق ، وتقبل الحقيقة من بعضنا البعض ونصدق بعضنا البعض بكل شفافية وثقة، وهذا يحتاج الى خطاب مسؤول وواع من الاخوة العلماء وأهل الفكر والعلم، لاشاعته بصدق ووفاء.
وان نحي العلاقات الصادقة فيما بيننا على قاعدة الاخوة في الله ومسؤوليتنا الشرعية وتبيان ذلك للامة من خلال خطابتنا بكل مصداقية ووضوح وشجاعة ولقاءتنا المتكرر عبر الوسائل المتاحة.

وكذلك ان نبتعد عن التعصب والعصبية والتكفير في خطاباتنا وتوجيهاتنا . وهذا عمل يحتاج الى خطة عملية طارئة لمواجهة المتسللين والمنحرفين الذين يمزقون هذه الامة بشعارتهم واعمالهم المسيئة للاسلام والمسلمين ، والتي تصب في مصلحة المستكبرين وأغراضهم وأهدافهم.
وان نعمل معاً لرسم أولويات المرحلة من خلال خطة عمل ، نحدد من خلالها المهم من الاهم والمصلحة من المفسدة، ونحفظ من خلال مصالح الامة، ووحدتها، وتكون أولية تحكم خطباتنا وأفكارنا ومنهاج عملنا وخطواتنا.

والجمهورية الاسلامية اليوم وبحمد الله تعالى تقوم بكل امكانياتها لتعزيز هذا المبدأ الذي احياه الامام الخميني قدس سره وجعله اولوية ، ويتابعه اليوم سماحة الامام السيد القائد الخامنئي حفظه المولى ويضعه في سلم اولوياته، فعلينا ان نعمل بها واتمنى ان نلحظ اوجزها بنقاط:
أولاً: مطلوب منا اليوم اداء التكليف الشرعي بتطبيق مفهوم الوحدة الاسلامية كواجب عيني للحفاظ على الاسلام والمسلمين واعطائه الالوية في حركتنا زعملنا.
ثانياً: وضوح الرؤية في وجهت الصراع وتحديد ومعرفة العدو من الصديق وتوضيح ذلك للأمة الاسلامية والعربية من خلال التوجيهات عبر كل الوسائل المتاحة.

ثالثاً: احياء الاسلام الاصيل في ضمير الامة وواقعها وهذا يحتاج الى موقف واضح ويبين بكل شجاعة و مسؤولية وعدم ابراز المسائل المختلف عليها على ان جوهر الخلاف وابراز ما هو متفق عليه بين المذاهب.
واعطائه الالوية، وفتح باب الحوار الهادف في المسائل المتنازع عليها.

رابعاً: تثبيت المبدأ الذي أطلقه الإمام الخميني قدس سره لا شرقية ولا غربية ، وتعزيز الثقة في مقدرات الامة وخيراتها وقدراتها على مواجهة التحديات كالبنيان المرصوص والاستفادة من العبر التي تحققت في لبنان وفلسطين وغيرها.

خامساً: احياء روح الثقة بالنفس واعادة روح العزة للمسلمين وتثبيت الثقة بالله تعالى الذي وعد هذه الأمة بالنصر والعزة. "ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".

سادساً: ان يأخذ العلماء دورهم ويتحملوا مسؤولياتهم الشرعية في الدعوة الى الوحدة بكل صدق فالعلماء ورثة الانبياء قال النبي (ص) "العلماء ورثة الانبياء ، يحبهم اهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر اذا ماتوا الى يوم القيامة".

وورد عن الامام علي (ع) "العلماء هم الادلاء على الله" فهم الملجاء للمحرومين وهم صمام امان هذه الامة وتحملوا وما زالوا يتحملون مسؤولية توحيد الامة ، وتوجيهها نحو الصراط المستقيم ، وخط الجهاد لاعداء الله كما عبر الإمام الخميني (قدس سره).
وعن النبي (ص) ان مثل العلماء كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها من ظلمات البر والبحر ، فإذا أنطمس النجوم ، اوشك ان تضل الهداة.
وهم الاساس في توجيه الامة وتوحيدها، وكشف مخططات الاستعمار ودسائسة الإمام الخميني (قدس سره).

وأخيراً وليس آخر، ان الوحدة بين شعوب الامة الاسلامية هي ضرورة شرعية ملحة وهي طريق النجاح والسعادة للأمة بجميع مذاهبها ومشاربها، وبها يتحقق النصر على الاعداء، وبها تحرر البلاد والعباد وتصان الاعراض والمقدسات، وبها تحفظ رسالات السماء السمحاء، وتسود المحبة والأخوة بين المسلمين وتعم العدالة في مجتمعاتهم وينعمون بعيش رغيد، وبعزة وإباء.

نعم ايها الاحبة
بالإخلاص والوعي والعمل الجاد وبالعلم الهادف والمسؤول. وبالكلمة الطيبة وبتحمل المسؤولية والتصدي بصدق نستطيع ان نزيل العوائق ونحقق وحدة المسلمين ووحدة الأمة "ويأبى الله إلا أن يتم نوره" وعندما تشرق الارض بنور ربها ويسعدوا المؤمنون بوعد الله.
"اليس الصبح بقريب" نعم "انهم يرونه بعيداً ونراه قريباً"

بحث ألقي في المؤتمر الدولي الرابع للتقريب بين المذاهب الاسلامية في لندن (دور التقريب في نهضة الأمة الإسلامية وبناء مستقبلها)، في ۳/۱۰/۲۰۱۰م في المركز الاسلامي في انجلترا
https://taghribnews.com/vdcfv0dm.w6dy0aikiw.html
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني
أدخل الرمز