وافق مجلس وزراء إسرائيل المصغر " مبدئياً " يوم ٧ من الشهر الجاري على اقتراح عرضه رئيسه بنيامين نتنياهو بإخلاء الجزء الشمالي من قرية الغجر بهدف تسليمه لقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة باعتبارها أراضي لبنانية محتلة .. على أن يبقى جزئها الجنوبي التابع للسيادة السورية تحت إدارتها الإحتلالية لحين التوصل إلى اتفاق مع دمشق حول أراضي هضبة الجولان ككل ..
موقع القرية الأصلي محدود المساحة كان واقعاً حتى عام ١٩٨٧ داخل الحدود السورية وفق خط ترسيم الحدود بين الجارتين سوريا ولبنان الذي قامت به الحكومة الفرنسية فيما عرف باتفاقية سايكس بيكو أوائل القرن الماضي ..
بعد ذاك العام أصبح لحدود القرية امتداد مصطنع داخل الأراضي اللبنانية .. أو بمعنى آخر أصبحت القرية كلها عبارة عن قنبلة موقوتة دأبت إسرائيل على تكوين جزئياتها - لكي تجعلها قابلة للاشتعال في أي لحظة - على امتداد الـ ٣٢ عاماً الماضية ..
رقعة القرية الأصلية كان يحدها شمالاً قرية عين اللبنانية وغربا بلدة نهر الوزاني والقرية المسماة باسمه وشرقا قريتي العباسية والمجيدية وجنوباً أطراف سهل الحولة الشمالية ..
التوسعات داخل الأراضي اللبنانية جعلت للقرية منطقة إضافية شمالية تابعة للسيادة اللبنانية وأخرى أصلية جنوبية تابعة للسيادة السورية ، وكلتاهما حتى اللحظة تحت هيمنتها العسكرية ..
عودة إلي القرار الإسرائيلي ..
مصطلح " مبدئيا " كما جاء في البيان الوزاري الإسرائيلي ، تعني الحق في التراجع عن هذه الموافقة في أي وقت وبالكيفية التي يراها أعضاء المجلس المصغر مناسبة !! حفاظاً على أمن أطرافها الشمالية واستقرار شعبها ..
كما أن "الموافقة " ليست محددة زمنيا .. فالتكليف الصادر لوزارة الخارجية " مفتوح " لكي تنتهي من اتصالاتها التي كلفت بها مع أمين عام المتحدة بعد بضعة أشهر أو سنة ، وربما أكثر .. لا احد يدري ..
ما سربه الإعلام الإسرائيلي حتى اليوم فيما يتعلق بهذا التكليف يدور حول مقترحات إسرائيلية تتطلب التنسيق مع الهيئة الدولية ، حول .. ١ – تولي قيادة القوات الدولية مسؤولية الأمن في القطاع الشمالي للقرية ، على ان يتم تزويدهم بالمعدات اللازمة لضمان سلامة الجزء الجنوبي من القرية الذي تحتله إسرائيل .. ٢ – مشاركة الأمم المتحدة في توفير الاحتياجات الحياتية للسكان .. ٣ – التعاون في إقامة سور فاصل بين شمال القرية وجنوبها إذا ما اقتضي الأمر .. ٤ – الاتفاق في قابل الأيام علي الموعد المناسب من وجهة نظر إسرائيل علي الانسحاب المرتقب وترتيباته وسبل تنفيذه ..
مبرر نتيناهو الذي قاله لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون – خلال لقائهما الذي رتب له إبان زيارته الأخيرة لنيويورك بمناسبة مشاركته في النشاط السنوي لجمعيات / لوبيات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة – أن إسرائيل تريد أن تقوم بما يُلزمها به قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٧٠١ لعام ٢٠٠٦ !! ..
لا يصدق غالبية المحللين أن إسرائيل صحا ضميرها بعد أكثر من أربع سنوات على إصدار الشرعية الدولية لقرارها الشهير !! وأنها تُفكر جدياً في القيام بما يُلزمها بها المجتمع الدولي " الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها " ..
كلنا يذكر أن حكومات إسرائيل المتعاقبة – ٢٠٠٦ / ٢٠١٠ - أقامت الدنيا وأقعدتها لأن حزب الله والدولة اللبنانية تقاعسا لبضعة أسابيع حيال تنفيذ التزاماتهما حيال نفس القرار .. ونذكر أيضا أن الاجتماعات الدورية التي توالي انعقادها بمقر القوات الدولية المتحدة منذ أغسطس ٢٠٠٦ وحتى الأمس القريب بين ممثليها وممثلي الحكومة اللبنانية بحضور مندوبي القوات الدولية ، كانت تصطدم دائماً برفض الجانب الإسرائيلي مناقشة مطلب سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة ..
الواقع العملي للاحتلال الإسرائيلي يقول لنا .. أن قواتها التي احتلت هضبة الجولان السورية عام ١٩٦٧ لم تكن تعرف الكثير عن تلك القرية وموقعها الاستراتيجي المتميز بين حدود الدول الثلاث !! كانت خرائطها العسكرية تقول أنها " تجمع سكاني " يقع داخل الحدود اللبنانية ..
جاءتها الفرصة الذهبية بعد ثلاثة أشهر من هذا التاريخ لتضع يدها الإحتلالية عليها عندما لجأ سكان القرية إلي مركز القيادة العسكرية الذي أقيم عند نقطة تلاقي الحدود بطلب المساعدة في تلبية احتياجاتهم المعيشية بعد أن قطع احتلالهم بعنصرية بالغة سبل اتصالهم بالسلطات السورية التي كانت مسؤولة عنهم ..
فيما بعد مدت إسرائيل نفوذها في هذه المنطقة المحدودة حتى نهر الليطاني ضمن توسعاتها الإحتلالية عام ١٩٨٧ ومن ثم نشرت قواتها شمال وجنوب الحدود اللبنانية والسورية عند هذه النقطة .. وبعد ذلك بخمسة أعوام ( ١٩٨٢ ) منحت بعض سكان القرية الجنسية الإسرائيلية وميزتهم عن أقرانهم ربما بسبب ما يقدمونه لرئاسة قواتها العسكرية من خدمات أمنية ..
كان من بين أهم النتائج التي ترتبت علي ترسيم الحدود بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي عام ٢٠٠٠ على اثر انسحاب الثاني من الشريط الحدودي الذي كان يحتله ، تمزيق قرية الغجر إلى قسمين شمالي وجنوبي حيث مر " الخط الأزرق " في منتصفها تقريبا .. وبالرغم من ذلك بقيت كلها تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، واستمر الوضع كذلك بعد إصدار مجلس الأمن لقراره رقم ١٧٠١ / ٢٠٠٦ الذي اشرنا إليه ..
تشير تقارير الأمم المتحدة أن إسرائيل رفضت أكثر من مرة طلب قيادة اليونيفيل في الجنوب اللبناني الانسحاب تنفيذاً لهذا القرار ، بحجة عدم قدرة القوات المسلحة اللبنانية على ضبط الأمن بعد انسحابها .. كما رفضت منذ بضعة أشهر اقتراحاً بأن تتولى قواتها القيام بالمهام الأمنية في الجزء الشمالي من القرية ثم تقوم بتسليمها تدريجياً للأجهزة اللبنانية المسؤولة ، وظلت متمسكة بهذا الرفض حتى منتصف الشهر الماضي .. اليوم وبدون مقدمات تخطط إسرائيل لتنفيذ هذا المقترح بعد هذه السنوات الطويلة من الاحتلال العنصري المتواصل للقرية .. لماذ ؟؟ ..
أولا .. تود أن تدخل هي والأطراف الأخرى في مهاترات لا نهاية لها حول ما يحق للقوات الدولية أن تمارسه في المنطقة بعد انسحاب قواتها – في حالة انسحابها الفعلي – مما يطيل فترة بقائها هناك تحت عنوان ترتيبات هلامية لا بعد لها ولا توقيت ..
ثانيا ً .. تريد أن تزيد من عوامل اشتعال الأزمة الداخلية اللبنانية حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحرير بعد اتساع رقعة الخلاف حول جدواها وهل هي مسيسة أم لا ؟؟ وما مدى حيادها ونزاهتها ؟؟ ومدى استجابة حكومة سعد الحريري للضغوط الخارجية على حساب السيادة اللبنانية ؟؟ خاصة فيما يتعلق بعلاقات القضية كلها بملف المقاومة التي يمثلها حزب الله ومدى مشروعية ما في حوزته من أسلحة ..
ثالثاً .. كما تخطط لتفجير الموقف بين دمشق وبيروت انطلاقاً من نقاط التماس الأكثر توتر بينهما .. نعني بذلك أحقية المقاومة اللبنانية في التواجد العملي داخل القطاع الشمالي للقرية حتى في ظل إشراف القوات الدولية علي الأمن هناك ، والتعهدات الدولية التي ستتعهد بها الحكومة اللبنانية لضمان الاستقرار على مستوي القرية ككل ..
رابعاً .. العمل على تحويل القطاع الشمالي للقرية إلى معسكر دائم لسكان القرية الذين سيعاملوا بعد وضع أرضه تحت مسؤولية القوات الدولية "كلاجئين سوريين داخل الأراضي اللبنانية" حيث مقومات الحياة الأساسية مفتقدة مقارنة بالحياة في الجزء الجنوبي الذي سيبقى طويلاً تحت إدارة الاحتلال الإسرائيلي .. بحيث يمثل مع مرور الوقت نزفاً سلبياً متواصلآً لطاقات الجارتين العربيتين الشقيقتين تعود فوائده في المقام الأول على إسرائيل سواء فيما يتعلق بسياساتها الاحتلاليه لهضبة الجولان او بمخطط تأمينها لحدوده الشمالية ككل ..