بدأت القضية بقرار استهداف لبنان وسوريا وفك الارتباط بينهما وتحويلهما إلى أطراف متعادية، لأن في لبنان المقاومة التي مرغت كرامة إسرائيل في الوحل عام ٢٠٠٠
شارک :
وكالة انباء التقريب (تنا) : عبد الله الأشعل يفترض من الناحية النظرية أن المقاومة والمحكمة في خندق واحد، فالمقاومة تنشد صد العدوان والدفاع عن الحق الذي يتهدده هذا العدوان، ومحكمة الحريري هدفها النظري على الأقل معاقبة الذين تورطوا في قتل الحريري.
فما الذي خلق العلاقات العكسية بين هذه المحكمة وبين المقاومة؟ لقد أصبح الإعلان عن التمسك بمحكمة الحريري حتى تعاقب المتورطين في أحداث الاغتيالات التي بدأت بالحريري أمرا مستفزا للمقاومة، بل أعلنت المقاومة أن كل من يؤيد المحكمة معاد للمقاومة، فلا شيء يجمع بينهما بعد الآن. فما الذي حدث حتى يكون التناقض بينهما قائماً، وحتى تتهم المقاومة المحكمة بأنها أنشئت خصيصاً للقضاء على المقاومة؟
بدأت القضية بقرار استهداف لبنان وسوريا وفك الارتباط بينهما وتحويلهما إلى أطراف متعادية، لأن في لبنان المقاومة التي مرغت كرامة إسرائيل في الوحل عام ٢٠٠٠، وفي سوريا نظام جديد مقيم على دعمه للمقاومة كورقة وكالتزام ضد إسرائيل المعتدية والمزروعة في المنطقة والتي تسعى إلى الهيمنة الكاملة عليها.
لاشك أن صعود المقاومة، بل ونشأتها تعود إلى إسرائيل، فلولا غزو بيروت عام ١٩٨٢ كإحدى ثمار "السلام" بين مصر وإسرائيل لما نشأت المقاومة ولولا توحش إسرائيل وتصديها للمقاومة الفلسطينية لما نشأت المقاومة اللبنانية تعويضاً عن استسلام المنطقة للمشروع الصهيوني تحت مسمى "السلام". فكأن المقاومة اللبنانية هي استمرار للمقاومة الفلسطينية ولكن مع الفارق وهو أنها لبنانية وليست أجنبية كما رددت إسرائيل عن الفلسطينيين، وعن أنه احتلال فلسطيني للبنان واحتكاك مستمر بين الجانبين اللبناني والفلسطيني طيلة الستينات حتى حسمته إسرائيل عام ١٩٨٢ فلم تغادر لبنان إلا بعد مغادرة القوات الفلسطينية.
الفارق الثاني هو أن المقاومة اللبنانية تحارب إسرائيل كلما اعتدت على لبنان، كما أنها تتصدى لها بسبب ما كان وما بقي من أراض محتلة. وإذا كانت المقاومة مدعومة من إيران، فإن إسرائيل مدعومة من العالم كله بما فيه المنطقة العربية، كما أن المقاومة اللبنانية تحارب عدوا للمنطقة بأسرها ووحشا أطلقه الغرب ينهش جسد الأمة العربية، ومن الطبيعي أن يرحب الشرفاء من أبناء هذه الأمة بأي مساعدة ضد هذا الوحش من أي طرف كان.
ثم إن الهدف الإستراتيجي الذي يحدث التقاطع بين إسرائيل والمقاومة ومن ورائها إيران وسوريا هو تحرير فلسطين، وهذا هو بالضبط ما دفع إسرائيل إلى تجنيد عملائها وحلفائها في المنطقة الذين يسهمون في تمكين المشروع الصهيوني وفقاً لاعترافات رئيس الموساد السابق عاموش يالدين المعلنة والمنشورة والتي لم يعلق عليها أحد مما عناهم فيها.
هكذا خططت إسرائيل بعد استئناس النظم العربية لحشد الجميع للتصدي لهذه المقاومة اللبنانية ذات الأفرع الإيرانية والسورية والتي تعيق تقدم المشروع الصهيوني. بدأ المخطط بجدية واستمر ثلاث سنوات متعاقبة ثم استمر التربص، فقد بدأ رسمياً بقرار مجلس الأمن الذي يسهم في دعم المشروع الصهيوني وتشجيع التوحش الإسرائيلي وضياع حقوق الشعوب العربية مثلما يساهم الآن في تفتيت السودان وفصل الجنوب بمساندة دول عربية لم تعد تفرق بين مصلحة الوطن ومصلحة النظم الضيقة.
بدأ الاستهداف بقرار مجلس الأمن ١٥٥٩ الذي وجه مباشرة إلى ما أسماه سلاح المليشيات مع سلاح المخيمات الفلسطينية وأخلصت الأمم المتحدة لهم إخلاصاً مشبوها في تنفيذ مشبوه يناقض ميثاق الأمم المتحدة وأعقب هذا القرار اغتيال الحريري فدخل مجلس الأمن بشدة على الخط باتهام مباشر لسوريا، ثم لجنة لتقصي الحقائق ثم لجنة للتحقيق كان كل همها البحث عن شهود الزور وفبركة الأدلة ضد سوريا، ثم تبعها إنشاء المحكمة.
فاللجان والمحكمة لا تنشأ إلا لظواهر وليس لأفراد، كما أن المحكمة نشأت بقرار من مجلس الأمن كأداة في يد المجلس ضد المقاومة، ولما ظهر أن شهود الزور هم أساس الاتهام، فكان طبيعيا أن يسقط الاتهام وتبحث المحكمة في الأطراف الخفية وراء الشهود، ولكن المحكمة لم تكترث خاصة وأنها أطلقت سراح القيادات الأمنية اللبنانية التي سجنت انتظارا لأدلة لم تظهر بل إن المحكمة هاجمت حزب الله وتجاهلت القرائن التي قدمها.
فالمحكمة نشأت أصلاً في ظروف مشبوهة واتخذت شكل المحكمة وقرارات مجلس الأمن بعد أن أصبحت هذه كلها هي الشرعية الدولية أي التآمر على الأطراف التي تعترض المشروع الصهيوني، تماماً كما نشطت الجنائية الدولية ضد البشير حتى ترهبه ويسلم بتفتيت السودان وسط مؤامرة أميركية مكشوفة تتحدى التخاذل العربي المحير، بينما المجرمون الإسرائيليون يفخرون بجرائمهم ويعتبرونها بطولات.
كان طبيعياً أن تطالب المقاومة البت في شهود الزور والبحث في فلسفة المحكمة خاصة بعد أن نشرت إسرائيل أن المحكمة تريد أن تلعب دوراً مباشراً مساندا لها ضد حزب الله باتهام بعض عناصره باغتيال الحريري لصرف الانتباه إلي دور إسرائيل وحتى تحرق الساحة اللبنانية، إذ كيف يتآمر حزب شيعي وفق طرحهم على اغتيال قطب سني، وهكذا تقوم الفتنة بين الشيعة والسنة في العالم كله بدلا من تصدي الجميع للمؤامرة التي تحيق بكل العرب والمسلمين.
ومن المعلوم أن عام ٢٠٠٤ هو عام القرار ١٥٥٩، أما عام ٢٠٠٥ فهو عام القرار ١٥٩٥ بإنشاء لجنة التحقيق بعد اغتيال عرفات بقليل، ولم يتحرك مجلس الأمن لذلك كما لم تتحرك المحكمة للقرائن التي قدمها حزب الله وتوجب افتراض أن إسرائيل بين المتهمين باغتيال الحريري، بل إن المحكمة أرسلت محققيها للتفتيش عن النساء والطلبة الشيعة مما دفع الحزب إلى مطالبة الشعب اللبناني بمقاطعة المحكمة وشن حرب شعواء عليها.
هكذا اتضح للعيان أن المحكمة بظروفها وسلوكها قد كشفت عن طبيعتها كأداة في يد إسرائيل لإقلاق الساحة اللبنانية وتوريط حزب الله للعدوان عليه. وهكذا نستطيع أن نفهم أن المحكمة هي ستار قانوني للمؤامرة على المقاومة، وكان أولى بمجلس الأمن أن يشكل محكمة خاصة لمحاكمة المجرمين الإسرائيليين الذين أحرقوا غزة أمام أنظار العالم واغتالوا عن عمد وتخطيط شهداء أسطول الحرية، وتقاعس المجلس عن مجرد الأمر بالتحقيق الدولي في هذه الجريمة.
هكذا يجب التصدي للمؤامرة في ثوبها القانوني وأن المدافعين عن المحكمة هم يدعمون إسرائيل بشكل ظاهر، بعد أن عرفوا حقيقة المحكمة التي أساءت إلى قدسية المحاكم وجلال القضاء.
القضية هي دفاع عن قيم العدالة التي توظف في مؤامرات سياسية وتلبس أثوابا قانونية براقة فيكفر الناس بقيم العدالة مثلما دفعوا العرب إلي الكفر بالعروبة التي تحت علمها استبيحت قيم وأوطان، والعروبة والعدالة كلاهما منها براء.