ليست كل معارضة في الدولة الاسلامية شرعية بل هناك حركات معارضة لا يهمها
سوى الوصول الى المناصب وتلبية أهوائها ورغباتها بينما المعارضة الشرعية
هي التي تسعى الى اصلاح الأمور وتقويم انحراف القيادة والمسؤولين والقضاء
على كافة أشكال الفساد في المجتمع
لا يمكن الاجابة على هذا السؤال ما لم نعرف فلسفة حركة الامام الحسين عليه السلام، فقد تكللت جهود النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بارساء دعائم الدولة الاسلامية وبعد وفاة النبي كان من المفترض أن يكون كل قائد لهذه الدولة خليفته مما يعني أن يتصف بكل صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل لنقل أنه ينبغي أن يكون المجسد لكل الصفات التي دعا اليها القرآن الكريم وبما ان الخلافة انتقلت الى يزيد بن معاوية فهل كان يزيد نموذج لتلك الصفات؟
بالتأكيد لم يكن كذلك، وهنا بالتحديد تبرز مهمة ومسؤولية الامة، فهل يتعين عليها أن تقف مكتوفة اليدين ليعبث الخليفة أو القائد ما يشاء بشؤونها وشؤون الدين أم تبادر وتقف بوجهه وتقول له ما قاله المسلمون للخليفة عمر بن الخطاب "ان لم تستقم قومناك بسيوفنا" غير أن الأمة لم تتحرك ولم تمسك بزمام المبادرة نتيجة أجواء الكبت والقمع التي كانت تسود تلك الظروف، لذلك بادر الامام
الحسين عليه السلام وأول خطوة جريئة أقدم عليها أنه رفض مبايعة يزيد ولو كانت الأمة كلها رفضت مبايعته لما أوغل يزيد في انحرافاته، ولو ترك الامام وشأنه لما تطورت الأمور الى مجزرة قل نظيرها في التاريخ.
ما كان يضير يزيد لو ترك الامام عليه السلام وشأنه خاصة وأن الامام هجر مدينة جدته ولم يعلن معارضته أمام الملأ غير أن يزيد أصر على شق عصا الأمة بملاحقته لابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وباستعجاله على القضاء على الامام كان يستعجل القضاء على حكمه، فتصور أنه ستستتب له الأمور لو قضى على الامام عليه السلام الا أن كارثة كربلاء رسمت منهجا جديدا في الاسلام تجلى بشكل واضح في الثورات التي أعقبت الكارثة، فشهادة الامام الحسين عليه السلام منحت الشرعية لأي انسان يرفض الحكم الظالم والفاسد.
من هنا لا يظن حكام المسلمين الفاسدين أن حكمهم سيستقر لو قاموا بتكميم الأفواه وقمع المعارضين والتنكيل بهم سواء باعتقالهم أو تعذيبهم أو حتى قتلهم، بل حتى لو قضوا على معارضيهم باغرائهم بالمال أو المناصب فلن يجدي ذلك في بقاء حكمهم الفاسد بل سيخرج معارضون آخرون لن تغريهم الأموال ولا المناصب ولا يرضون بأقل من اصلاح الحكم الفاسد أو القضاء، وهذه بالتحديد فلسفة حركة الامام الحسين عليه السلام، فغاية ما كان يريد تحقيقه الامام هو تصحيح الانحراف والأعوجاج الذي ظهر في الأمة الاسلامية، ولو كان يزيد اصلح نفسه واستقام لربما كان الامام عليه السلام بايعه ووقف الى جانبه كما فعل أبيه عندما كان يقدم النصح للخلفاء الثلاثة الذين سبقوه.
أغلب حكام المسلمين لم يصلوا الى الحكم بين ليلة وضحاها ولاشك أنهم بذلوا ما بذلوا ليمسكوا بزمام أمور المسلمين، ولاشك أيضا أنهم ليس لديهم أي استعداد للتنازل عن حكمهم غير أن الضمانة الوحيدة لبقاء سلطانهم هو الاستقامة، ولن تكون الاستقامة باجتهاداتهم الشخصية أو اجتهادات سائر البشر التي غالبا ما تختلط باهوائهم وشهواتهم، وانما ينبغي أن تكون الاستقامة هي التي يدعو اليها ربنا عزوجل وهي الحكم بما أنزل الله، من هنا فان المعارضة تكشف عن وجود خلل في القيادة واذا لم تتدارك وتصلح هذا الخلل فسيكون مصير القيادة السقوط والانهيار، وهنا تجدر الاشارة الى أنه ليست كل معارضة في الدولة الاسلامية شرعية بل هناك حركات معارضة لا يهمها سوى الوصول الى المناصب وتلبية أهوائها ورغباتها بينما المعارضة الشرعية هي التي تسعى الى اصلاح الأمور وتقويم انحراف القيادة والمسؤولين والقضاء على كافة أشكال الفساد في المجتمع.
ولو ألقينا نظرة على الشعوب الراهنة لرأينا أن القيادة تلعب دورا كبيرا في تماسك ووحدة هذا الشعب أو ذاك وبغض النظر عن الشعوب الشرقية أو الغربية التي لا تؤمن بالاسلام، فان سلوكيات حكام المسلمين وسياساتهم هي الركيزة الأساسية في تماسك ووحدة شعوبها ويتجلى ذلك واضحا في أية مؤامرة يحيكها أعداء المسلمين ضدهم، فالبلد الذي ينأى فيه حاكمه عن كافة أنواع الفساد فأنه يكون عصيا على المؤامرات ويتصدى لأي عدو حتى لو كان مدججا بأنواع الأسلحة ولن ينهزم أمامه، أما لو كان الحاكم منشغلا بأهوائه ولا يهمه سوى مضاعفة ثرواته وبناء القصور فمن الطبيعي أن الشعب لا يكترث لما يحل بهذا الحاكم ولا يبالي بالعدو حتى لو غزاه في عقر داره، بل أن الظلم والفساد يستشري في بعض الدول الاسلامية حتى أن اليأس يصل بذلك الشعب الى أنه يتصور أن العدو أرحم من هذا الحاكم، ولا شك أن القارئ الكريم ترتسم أمام عينيه نماذج عديدة لهذه الظاهرة.
يا ترى من المسؤول عن وجود هذه الظاهرة أليس الحاكم الفاسد الذي لم يهمه سوى تلبية رغباته وشهواته؟ أليست سلوكيات الحاكم المنحرفة عن الاسلام هي السبب الرئيسي وراء تشرذم الشعب وانقساماته، ثم أليست الانقسامات هي السبب الرئيسي وراء انهيار الحكم وسقوط الحكام؟ من هنا تأتي أهمية الحركات التصحيحية فهي التي تساهم في قوة وتماسك الحكم بشرط أن يستجيب الحكم لهذه الحركة التصحيحية ويقوم بتغيير نهجه واصلاح انحرافاته ولكن لو ركب الحاكم أنفه وبدل أن يستقيم يوغل في انحرافاته متصورا أن وسائل القوة التي بيديه ستقضي على معارضيه فانه يخدع نفسه. وبكلمة فان حركة الامام الحسين عليه السلام كانت تسعى الى تقويم الانحراف في سلوكيات يزيد وسياسته تجاه الأمة الاسلامية بما أنه كان حاكما لهذه الأمة ولو كان يزيد امتثل لمطالب هذه الحركة ولم يكابر ولم يعاند والتزم وطبق كافة شروط الحاكم الاسلامي لبقيت الأمة متماسكة تسير في سبيل الهدى والحق، وهنا تجدر الاشارة الى ان حركة تقويم الانحراف لا تقتصر على فرد في الأمة وانما على الجميع ممارستها انطلاقة من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو أنبرى أحد المصلحين وبادر الى الاعتراض على الانحرافات والأخطاء فعلى الأمة الالتفاف حوله ودعمه ومساندته والا فان الانهيار والسقوط لن يقتصر على الحاكم وانما سينهار المجتمع برمته نتيجة عدم المبالاة، لأن السياسة التي يسلكها الحاكم المنحرف تنتهي الى انهيار المجتمع كله فلو كان المجتمع الاسلامي راضيا على الانحراف فانه سينهار مع حاكمه.