أحدثت عمليةإغتيال الحريري شرخاً كبيراً على الساحة اللبنانية حيث قسمت اللبنانيين إلى قسمين ، الأول يتهم سوريا وحلفاءها بالوقوف وراء هذه الجريمة والقسم الآخر يقول بوجوب وضع كل الإحتمالات في مجريات التحقيق بهذه العملية وخاصة الكيان الصهيوني المستفيد الأول من هذه العملية
شارک :
لعل من أبرز عوامل التشنج والاحتكاك في الساحة اللبنانية اليوم وماترتب عليه من حالات الفرقة والخصومة ولا نقول: العداء بين الفرقاء اللبنانيين هو موضوع المحكمة الدولية التي أنشأت للتعامل مع ملف اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق السيد رفيق الحريري الذي قتل في ١٤\\٢\\٢٠٠٥ بإنفجار سيارة مفخخة كانت متوقفة على جانب الطريق الذي مر فيه موكبه المتجه نحو دارته في قريطم وسط بيروت ،علماً بأن الرئيس الراحل كان يمتلك أجهزة حماية الكترونية على درجة عالية من التطور والتعقيد تستطيع- كما يقال- تعطيل كل الأجهزة الإلكترونية المحيطة بالموكب في دائرة قطرها ألف متر ، ويقال أن هذه الأجهزة لا يمكن أختراقها إلا من قبل الجهة المصنعة لها أو من يملك تقنية في غاية التطور، وهذا ما لا تملكه إلا أمريكا و إسرائيل،وأحدثت عملية الإغتيال هذه شرخاً كبيراً على الساحة اللبنانية حيث قسمت اللبنانيين إلى قسمين ، الأول يتهم سوريا وحلفاءها بالوقوف وراء هذه الجريمة والقسم الآخر يقول بوجوب وضع كل الإحتمالات في مجريات التحقيق بهذه العملية وخاصة الكيان الصهيوني المستفيد الأول من هذه العملية ، وقد أنجبت عملية الإغتيال هذه ما سمي بثورة الأرز وهو الفريق الذي رفع لواء العداء لسوريا محملاً إياها كل الويلات التي جرت على لبنان خلال الحقبة الماضية ،ثورة الأرز هذه التي أشاد بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في مذكراته التي صدرت مؤخراً اذ عد هذه الثورة!! من أهم إنجازاته التي حققها وقد سمي هذا الفريق بجماعة ١٤ آذار. وقد شكلت لجنة تحقيق دولية لملاحقة كل التفصيلات التي صاحبت وقوع عملية الاغتيال وجمع الادلة التي يمكن ان تفضي الى كشف الجناة المتورطين بهذه الجريمة النكراء ,ولكن عمل هذه اللجنة اكتنف بالكثير من اللغط والجدل و(المخالفات) منذ بداية انطلاقه كما صاحب مجرى التحقيقات عناصر تسببت في تعقيد الملف وزجه في متاهات عسيرة , ومن ابرز هذه العناصر موضوع الشهود الذين استخدمت شهاداتهم لتبرير اعتقال وحبس أربعة من كبار ضباط الأمن اللبناني لمدة دامت حوالي أربع سنوات دون اي سند قانوني معقول ومقبول وهو ما رسم الكثير من علامات الإستفهام حول أهداف هذه المحكمة ولجنتها , وصار من حق المتابع ان يتساءل عن الاهداف الحقيقية التي تكمن وراء انشاء هذه المحكمة وحول طبيعة اجراءاتها ونشاطها!! فهل - ياترى - أنشئت لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري ؟؟أم لأجل تصفية حسابات مع بعض الجهات والقوى السياسية ؟؟ام لاغراض اخرى من قبيل الإنتقام من الخصوم بنحو عام , وقد حاولت لجنة التحقيق منذ بداية عملها رمي ظلال التشكيك بدور سورية ثم تطور خطابها لياخذ طابع الاتهام لها ،حيث وجه فريق ١٤ آذار التهمة مباشرة لسورية محتجاً بكون الجيش السوري هو المسؤول مباشرة عن الأمن حين وقوع جريمة الإغتيال،وقد دفع المسؤولون السوريون هذه التهمة مراراً وردوها بقوة مستشهدين بكثير من الادلة والشواهد التي انتشرت خلال المدة الماضية ,كما اورد السوريون الحوادث والإنفجارات التي وقعت في أمريكا وأوروبا وبلدان اخرى امثلة للاستدلال عن براءة الاجهزة الامنية مما يقع ويحصل من جرائم وحصر كل ذلك بالجناة المجرمين الذين يشكلون اهدافا مباشرة لمتابعات الاجهزة الامنية وملاحقاتهم ومن ثم القضاء على مخططاتهم ونشاطاتهم الاجرامية من جهة وزج المسؤولين عن تلك الجرائم والعصابات التي تنفذها في دائرة العقاب وفق القوانين المسنونة لهذه الاغراض ..كذا ، ويزعم فريق ١٤ اذار أنه هو الذي أخرج القوات السورية من لبنان وهو الذي أنشأ المحكمة الدولية ، ويحتج هذا الفريق دائماً بما يسميه الشرعية الدوليه و التي لا يرى فيها الفريق الآخر إلا وسيلة وعصا غليظة بيد الإستكبار العالمي يلوح بها كلما اقتضت الحاجة لتحقيق أهدافه فهذه الشرعية لم تحم لبنان يوماً من عدوانية إسرائيل وتجاوزاتها المتكررة على السيادة اللبنانية ، وبالعودة إلى المحكمة الدولية وظروف تشكيلها لابد من التذكير بأن رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة قدم قانون المحكمة الدولية في جلسة مجلس الوزراء ممهلاً الوزراء نصف ساعة لدراستها والبت فيها ولما أبدى بعض الوزراء عدم كفاية الوقت لدراستها طالباً مهلة كافية لذلك أمتنع السنيورة مصراً على التصويت على قانون هذه المحكمة مما أضطر بعض الوزراء(وعددهم ستة) إلى الإنسحاب من الجلسة وإعلان تعليق عضويتهم في تلك الحكومة، وكان قد سبقهم وزير الداخلية للإستقالة قبل ذلك بتسعة أشهر كما أنه كان قد أغتيل أحد الوزراء قبل ذلك أيضاً وبهذا تكون الحكومة قد فقدت ثلث أعضائها مما يفقدها النصاب القانوني لإستمراريتها، إلا أن ضغوطاً كبيرة مورست على وزير الداخلية المستقيل وأعادته إلى عمله- وهذا ما يخالف القانون- كما أمتنع من يومها رئيس الجمهورية من حضور جلسات مجلس الوزراء معتبراً إياه غير دستوري وغير شرعي، وإضافة إلى رئيس الجمهورية فإن رئيس مجلس النواب وكثير من الدستوريين والقانونيين أعتبروا تلك الحكومة غير دستورية ، ومن يومها تعطل أيضاً مجلس النواب عن العمل لأن رئيسه غير مستعد للتعامل مع حكومة بتراء كما كان يصفها، تلك الحكومة وبهذا الشكل الملتبس دستورياً أقدمت على إرسال رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة تطالبه فيها بتشكيل محكمة دولية خاصة بلبنان تحت الفصل السابع لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري معللة ذلك بعجز الحكومة اللبنانية عن تحقيق هذا الأمر نظراً للظروف الصعبة والمعقدة التي يعيشها لبنان وهذه الخطوة هي الأخرى رأى فيها خبراء القانون أنها غير شرعية لأن هذه المحكمة تعتبر من المعاهدات الدولية التي تحتاج إلى موافقة رئيس الجمهورية وتوقيعه كما ينص الدستور على ذلك، وقد بعث رئيس الجمهورية بدوره رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة يشرح فيها الجانب القانوني والدستوري محذراً إياه من القيام بهكذا خطوة مخالفة للقانون اللبناني من جهة وتساهم في تعميق الشرخ في المجتمع اللبناني مما يزيده خطورة وتعقيداًُ من جهة اخرى ، وهكذا وفي ظل هذه الظروف العصيبة والحرجة التي كان يمر بها لبنان أتخذ مجلس الأمن الدولي -وبجهود حثيثة خاصة من قبل أمريكا وفرنسا- القرار رقم ١٧٥٧ بتاريخ ٣٠\\٥\\٢٠٠٧ تحت الفصل السابع، وبعد عجز لجنة التحقيق من إلصاق التهمة بسوريا نراها اليوم تحاول إلصاق التهمة بالمقاومة الإسلامية ومن يقف وراءها ، وقد زار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري سماحة السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله وفاتحه بموضوع القرار الإتهامي الذي تنوي المحكمة إصداره وتتهم فيه بعض عناصر حزب الله بهذه الجريمة النكراء عارضاً عليه تسمية هذه العناصر بالعناصر الغير المنضبطة وهو ما دعى السيد نصر الله إلى الوقوف بحزم وقوة في وجه هذه التهمة الظالمة نافياً أن يكون للحزب اي دور فيها ورافضا ان يكون في الحزب اي وجود لعناصر غير منضبطة ، وحذر كل من يسير في هذا المشروع الخطير من عواقب وخيمة يجرها على لبنان ،و يذكر أن السيد نصر الله عرض في مؤتمر صحفي معطيات مصورة وموثقة تشير إلى رصد إسرائيلي جوي ومعلوماتي دقيق لحركة الرئيس الشهيد الحريري قبل سنوات عدة سابقة على إغتياله وصولاً إلى ساعة عملية الإغتيال، وقد اعترفت مصادر العدو الصهيوني بمصداقية ما عرضه السيد نصر الله، ورغم أن المسؤولين الصهاينة والصحافة الإسرائيلية هم من يروج للقرار الظني المزمع إصداره من المحكمة الدولية إلا أن فريق ١٤ آذار يصر على نزاهة المحكمة كما أنه لم يجرأ ولو لمرة واحدة أن يوجه التهمة إلى إسرائيل في إقتراف الجريمة .
واليوم وبعد ما أعلن فريق كبير من اللبنانيين عدم إعترافهم بهذه المحكمة وبالتالي عدم تعاونهم معها ، فقد أضطرت المحكمة إلى إجراء بعض التعديلات على قواعد الإجراءات والإثبات فيها ،ومن أبرز هذه التعديلات تلك المتعلقة بالقواعد التي ترعى عملية تبليغ قرار الإتهام والتي تبين بالتفصيل التدابير العملية التي يجب إتخاذها بعد تصديق قرار الإتهام ولا سيما فيما يخص مباشرة إجراءات المحاكمة غيابياً، كما تتضمن هذه التعديلات إمكان قبول الإفادات الخطية للشهود الذين تحول( أسباب وجيهة) دون حضورهم للإدلاء بشهاداتهم ،ويرى البعض أن ذلك مخالف للقانون إذ إن وجود أسباب وجيهة تحول دون حضور الشاهد إلى قاعة المحكمة للإدلاء بإفادته لا يبرر قبول الإفادة الخطية للشاهد من دون مثوله أمام المحكمة ، إذ يمكن للمحكمة إجراء استنابة قضائية لقضاة الدولة الموجود فيها الشاهد لتنفيذ مضمونها لجهة إستماع الشاهد والإعادة،كما أنها تخالف قواعد جوهرية لقانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان والتي تنص على وجاهية المحاكمة وإستماع الشهود بحضور المتهم وموكليه والمدعين المتضررين وذلك لمناقشة الشاهد بمضمون شهادته حتى يظهر المتهم عدم صدقية إفادة الشاهد كي لا تستند المحكمة إليها من دون توفير قناعتها بعد المناقشة ، وأن هذا التعديل لا يدل على أن الشاهد سيصار إلى أدائه القسم القانوني الذي يؤدى عادة أمام المحكمة، كما استغرب خبراء قانونيون منح صلاحية التعديل للهيئة العامة لقضاة المحكمة وهذا -حسب رأيهم- مخالف لمبدأ فصل السلطات حيث أن التعديل هو من صلاحيات السلطة التشريعية لا القضاة الذين عليهم إصدار الأحكام إستناداً لقانون المحكمة، كما رأى هؤلاء بأن العجلة في موضوع التعديل تعكس جهوزية لدى مكتب المدعي العام القاضي دانيال بلمار لتقديم قرار الإتهام قريباً وتأتي رداً على مواقف صدرت في لبنان حول عدم التعاون مع المحكمة الدولية و تهدف لتنفيذ المحاكمة الغيابية ، كما أبدى حزب الله عدم إهتمامه بهذه التعديلات لأنها لا تعنيه، وأنه يراهن على مساعي إقليمية وخاصة الجهود السعودية والسورية لتلافي الآثار السلبية الكارثية لقرارات المحكمة المتوقعة،وعدم اهتمامهم هذا لا يدل على عدم مبالاتهم وإنما هم بالأساس لا يعتقدون بنزاهة هذه المحكمة ولا بنواياها بل يعتقدون جازمين أنها محكمة مسيسة تخدم أهداف أمريكا وإسرائيل بضرب المقاومة الإسلامية في لبنان ومن يدعمها، فبعد أن عجزت أمريكا وإسرائيل عن القضاء على حزب الله في حرب تموز ٢٠٠٦ وبعد الإنتصار الكبير الذي سجلته المقاومة والهزيمة النكراء لإسرائيل في تلك الحرب فإنها عادت لإتخاذ المحكمة مطية لتحقيق أهدافها ومآربها الخبيثة فهاهي أمريكا تقدم عشرة ملايين دولار للمحكمة وتبعتها بريطانيا بتقديم مليون جنيه استرليني لها رغم الأزمات الإقتصادية التي يعانون منها ، وهناك فريق كبير من اللبنانيين يرى أن هذه المحكمة تجر الويلات والمصائب إلى لبنان ولا تخدم الشعب اللبناني ويدعو هذا الفريق إلى إلغائها أو على الأقل عدم التعامل معها ويطلبون من الرئيس سعد الحريري إتخاذ موقف شجاع وتاريخي من هذا الموضوع حماية للسلم الأهلي وحماية لوطنهم لبنان وإبعاد المخاطر التي تتربص به .