طهران والانتصارات الاستراتيجية.. مأزق واشنطن في العراق
تنا
على أمريكا أن تتقبل هزيمتها السياسية في العراق لصالح إيران، فلا يمكنها أن تتبع سياسية العصا و الجزرة في ظل تموضع ايران قوي و نافذ، واذا ما ارادت ادارة ترامب اعادة التوازن لمصالحها مقابل المصالح الايرانية فإن عليها إعادة التقارب مع طهران .
شارک :
الدكتور حسن مرهج
المراقب لسياسية واشنطن في الشرق الأوسط و على وجه التحديد خلال العقد الأخير، نجد أن الإدارة الأمريكية تتبع سياسة غير واضحة المعالم، و يمكن أن نضعها ضمن تصنيف العواصف الإعلامية و السياسية، و بالعودة إلى إدارة أوباما التي تركت إرثا ثقيلا على ترامب، بدا ذلك واضحا في جملة التطورات التي رافقت المسارات السياسية و الميدانية في الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع بـ ترامب إلى انتقاد أوباما جراء ما أسماه القرارات الخاطئة، لا سيما في قضيتين يعتبران من الأهمية بمكان، ما شكل أحد أهم الأبعاد الاستراتيجية لواشنطن، و هنا نتحدث عن الاتفاق النووي الذي نقضه ترامب، إضافة إلى التخبط الواضح في السياسية تجاه العراق، فما يشهده اليوم العراق من توترات مفتعلة، يؤكد أن النكسة الأمريكية في العراق يقابلها فشل واضح في إدارة البيت الأبيض لملف العراق .
بطبيعة الأحوال و انطلاقا من البعد الاستراتيجي للسياسية الإيرانية، نجد أن العراق يشكل ساحة سياسية هامة لطهران، ومن مبدأ تشبيك العلاقات على أسس السيادة و الاحترام المتبادل، لجأت إيران إلى تعميق العلاقات سياسيا و اقتصاديا و عسكريا مع بغداد، حيث عملت ومن خلال هذه الاستراتيجية على مد جسور التحالف و العلاقات مع جميع مكونات الشعب العراقي دون استثناء، و يأتي هذا ضمن سياسية ايرانية هادئة و واعية تتناسب و طبيعة المستجدات في المنطقة، و لا يمكن أن ينكر العراق و أي قيادي سياسي أن إيران تفانت في الدفاع عن العراق، تطبيقا للسياسة الإيرانية الداعمة للشعوب العربية، و هنا قد لا يروق هذا الكلام لبعض المتابعين، لكن و بكل وضوح فإن السياسية الإيرانية تمكنت من الوقوف في وجه الأطماع الأمريكية ليس في العراق فحسب، بل في عموم المنطقة العربية .
كنتيجة طبيعية و منطقية لسياسات إيران الداعمة للقضايا المُحقة في المنطقة، تتصاعد حدة التوترات بين طهران و واشنطن، لتأتي مرحلة الانتخابات العراقية و تؤكد المؤكد، بأن إيران تسير في ركب السياسيات الهادئة و الهادفة و البعيدة عن فرض الأوامر السياسية، بخلاف واشنطن التي تتبع سياسية قوامها التهديد و الوعيد وصولا إلى تفعيل الإرهاب، و لا شك بأن طهران و واشنطن حاولوا كسب النقاط في مرحلة الانتخابات العراقية، و التي ستمهد إلى تولي مناصب سياسة في الدولة، و لكن بعد توضح الصورة و انكشاف الحقائق، توضحت معالم الانتصار السياسي الايراني على حساب الدور الأمريكي المهزوم سياسيا، فبعد أن كانت ايران تدعم المرشح لمنصب رئاسة الوزراء، ها هي اليوم تسيطر على غالبية المناصب السيادية، و هنا لا يقتصر الأمر على المكون الشيعي،فـ إيران و عبر سياسة ناجحة تمكنت من التقارب مع المكونات السنية و الكردية، جاء ذلك بفوز المكون السني بمنصب رئاسة البرلمان، و الأهم بأن أول تصريح يعكس نجاح ايران و فشل واشنطن، هو إعلان رئيس البرلمان المنتخب وقوف بلاده ضد العقوبات و السياسيات الأمريكية تجاه طهران .
حماقة ترامب في ادارة السياسة الأمريكية كانت عبر التعامل مع العراق و الوضع السياسي الذي يحكمه بخلاف الوقائع و المعطيات المستجدة على مستوى المنطقة، و هذا ما تُرجم سياسيا في العراق، فقامت واشنطن بالرهان على حيدر العبادي من أجل تنفيذ الأجندة الأمريكية الرامية إلى أقصاء ايران سياسيا من العراق، في وقت أغفلت به كافة حلفاؤها السياسيين في العراق، ما شكل ثُغرة تمكنت من خلالها ايران التقارب معهم، فكان ان نجحت ايران وحلفائها في العراق بتحييد وابعاد حيدر العبادي عن المنافسة على منصب رئاسة الوزراء بعد احداث البصرة , لتفقد امريكا ورقتها الوحيدة التي كانت تراهن عليها .
باختصار، على أمريكا أن تتقبل هزيمتها السياسية في العراق لصالح إيران، فلا يمكنها أن تتبع سياسية العصا و الجزرة في ظل تموضع ايران قوي و نافذ، واذا ما ارادت ادارة ترامب اعادة التوازن لمصالحها مقابل المصالح الايرانية فإن عليها إعادة التقارب مع طهران، و ترميم جسور العلاقة التي تهدمت بفعل حماقات ترامب و سياساته الخرقاء .