لم يكن من قبيل الصدفة أن يختار نائب رئيس الوزراء الصهيوني سيلفان شالوم، الذي ينتمي لعائلة مهاجرة من تونس ليكون أول من يعقب على أحداث تونس قبل فرار الطاغية
حقاً، لا يوجد كلمة أخرى يمكن أن توصف ردة الفعل الإسرائيلية على ثورة "الياسمين" في تونس بدقة، سوى "الذهول والفزع"، فصناع القرار الذين عقبوا على الأحداث حتى قبل أن يتأكد فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اعتبروا أن الثورة التونسية، وضعت "إسرائيل" أمام واحد من أكبر التحديات الإستراتيجية منذ الإعلان عنها عام ۱۹4۸، وتحديداً على صعيد إمكانية أن تمثل ثورة تونس كوة نار تسري في هشيم الأنظمة الشمولية في العالم العربي، بشكل يقلب رأساً على عقب خارطة التهديدات التي كانت معتمدة من أجهزة التقدير الإستراتيجي في تل أبيب، وتحديداً شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، التي يتم تفويضها في تحديد مكان الخطر التي تتعرض لها "إسرائيل".
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يختار نائب رئيس الوزراء الصهيوني سيلفان شالوم، الذي ينتمي لعائلة مهاجرة من تونس ليكون أول من يعقب على أحداث تونس قبل فرار الطاغية، حيث قال: "أخشى ما أخشاه أننا نقف حالياً أمام مرحلة جديدة وبالغة الخطورة في العالم العربي، فإن سقوط النظام التونسي القائم، قد لا يؤثر ذلك بشكل كبير في الوقت الآني على الأمن القومي الإسرائيلي، لكن يمكن الافتراض أن هذا التطور سيشكل سابقة قد تكرر في دول يؤثر استقرار نظامها علينا بشكل مباشر".
وفي حديث مع الإذاعة الإسرائيلية كان شالوم أكثر وضوحاً عندما قال إنه في حال تم استبدال الأنظمة في الدول التي تحيط بـ"إسرائيل" بأنظمة ديموقراطية فإن هذا يحمل في طياته خطر كبير على الأمن القومي الإسرائيلي، على اعتبار أنه يفترض أن تعتمد الأنظمة الجديدة أجندة تشكل بحد ذاتها مساً بالمصالح القومية الإسرائيلية. ولكي يدلل على منطقية فرضيته هذه أشار شالوم إلى حقيقة أن هناك مصلحة مشتركة بين "إسرائيل" ومعظم الأنظمة العربية الشمولية في محاربة ما أسماه بـ"الأصولية الإسلامية ومنظماتها المتطرفة" التي تهدد "إسرائيل"، وهو ما أوجد في كثير من الأحيان تنسيقا أمنيا مباشرا وغير مباشر بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية والأجهزة الأمنية التابعة للأنظمة العربية.
في حين يرى شالوم أن سيادة الديموقراطية في العالم العربي سيقضي على تحالف الأمر الواقع القائم حالياً، إذ يفترض أن تراعي الأنظمة الديموقراطية توجهات الرأي العام في العالم العربي المناصر للكفاح العربي ضد "إسرائيل". قد يكون شالوم هو المسؤول الإسرائيلي البارز الذي سمح لنفسه بالتعليق على أحداث تونس والتعبير عن مخاوفه كصانع قرار، لكن هذه التعليقات تعيد للأذهان الإرث الكبير من الأدبيات الإسرائيلية التي كانت قد حذرت من خطورة سقوط الأنظمة الشمولية في العالم العربي. فلم يتردد عاموس مالكا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق عام ۲۰۰5 في الدعوة إلى إجراء تغييرات جوهرية على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، في حال حلت أنظمة ديموقراطية محل الأنظمة الشمولية القائمة في الدول التي تحيط بـ"إسرائيل".
وأوضح مالكا أنه على الرغم من أنه لا يتم التعاطي مع طابع الأنظمة العربية في بنود العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إلا إنه من الواضح أن هذه العقيدة اعتمدت بشكل كبير على أن وجود الأنظمة الشمولية يسهم في تسهيل مهمة "إسرائيل" في مراكمة الردع في مواجهة الدول التي تحكمها هذه الأنظمة، على اعتبار أن هذه الأنظمة تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على بقائها بشكل رئيس، وبالتالي فإن هذا يقلص رغبة هذه الأنظمة في تحدي "إسرائيل" ويعمل على تآكل استعدادها للاستثمار في مواجهة الكيان الصهيوني.
ويرى يعكوف عامي درور الذي تولي منصب رئيس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، أن الذي يشي بأهمية بقاء الأنظمة الشمولية في العالم العربي للأمن القومي الإسرائيلي هو حقيقة ما كشفته وثائق ويكيليكس، حيث أظهرت هذه الوثائق أن الأنظمة العربية تشارك "إسرائيل" من ناحية عملية في تقييماتها لطابع التهديدات التي تواجه المنطقة، بحيث إن الأنظمة العربية تتبنى موقف "أكثر تقدماً" من قوى اليسار الإسرائيلي، حيث ترى أن البرنامج النووي الإيراني هو الخطر الذي يتهدد المنطقة وليس بقاء القضية الفلسطينية بدون حل. لكن هناك في "إسرائيل" من يرى أن خطورة التحول نحو الديموقراطية في العالم العربي تتمثل في أنه يمثل ضربة قاضية لواحدة من منطلقات الدعاية الصهيونية التي كان يعتمد عليها في استحثاث التعاطف الدولي مع "إسرائيل"، ألا وهو الشعار الصهيوني القائل: ""إسرائيل" هي واحة الديموقراطية في محيط من الديكتاتوريات الشمولية".
الوزير الإسرائيلي بني بيغن، ونجل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن لا يخفي مخاوفه من خسارة "إسرائيل" (الفرادة) التي منحتها التجربة الديموقراطية، مشيراً إلى أن أحد مظاهر تفهم العالم لقيام "إسرائيل" بالخروج للحروب ضد العرب يعود بشكل أساسي إلى نجاح "إسرائيل" في تثبيت مقولة إنها: "ديموقراطية مسؤولة".
لقد بات واضحاً، أنه على الرغم من البعد الجغرافي، ورغم حقيقة أنه لم يشهد أن أبدت البيئة التونسية اهتماماً كبيراً بما تفعله "إسرائيل"، فإن ما يفترضه بعض صناع القرار في تل أبيب من تداعيات متوقعة لثورة الياسمين في العالم العربي يصيب قادة الكيان الصهيوني ونخبه بالذعر.