تمثّلت مدرسة الامام الحسن (ع) في تربيته لكوكبة من طلاّب المعرفة، وتصدّيه للانحرافات الدينية التي كانت تؤدي إلى مسخ الشريعة، كما تصدّى لمؤامرة مسخ السنّة النبويّة الشريفة التي كان يخطّط لها الخوارج و بنو امية من خلال تنشيط وضع الأحاديث والمنع من تدوين الحديث النبويّ.
شارک :
أنشأ الإمام مدرسته الكبرى في يثرب، وراح يعمل مجدّاً في نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وقد انتمى لمدرسته كبار العلماء وعظماء المحدّثين والرواة، ووجد بهم خير عون لأداء رسالته الإصلاحية الخالدة التي بلورت عقلية المجتمع. وأيقظته بعد الغفلة والجمود، وقد ذكر المؤرّخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه وهم:
ابنه الحسن المثنى، والمسيّب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد الرحمن، والشعبي، ومبيرة بن بركم، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن خلد، وأبو الجوزا، وعيسى بن مأمون بن زرارة، ونفالة بن المأموم، وأبو يحيى عمير ابن سعيد النخعي، وأبو مريم قيس الثقفي، وطحرب العجلي، واسحاق بن يسار والد محمد بن اسحاق، وعبد الرحمن بن عوف، وسفين بن الليل، وعمرو بن قيس الكوفيون، وقد ازدهرت يثرب بهذه الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الاسلامية علماً وأدباً وثقافة.
وكما كان يتولّى نشر العلم في يثرب كان يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتأدّب بسنّة النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد رفع (عليه السلام) منار الأخلاق التي جاء بها جدّه الرسول لإصلاح المجتمع وتهذيبهم، فمن سموّ أخلاقه أنّه كان يصنع المعروف والإحسان حتى مع أعدائه ومناوئيه، وقد بلغه أنّ الوليد بن عقبة قد ألمّ به السقم فمضى لعيادته مع ما عُرف به الوليد من البغض والعداء لآل البيت،....و أوصله ببعض ألطافه وهداياه.
مرجعيّته الاجتماعية:
والتي تمثّلت في عطفه على الفقراء وإحسانه وبذله المعروف، وتجلّت في استجارة المستجيرين به للتخلّص من ظلم الاُمويين وأذاهم.
أ ـ عطفه على الفقراء:
وأخذ (عليه السلام) يفيض الخير والبرّ على الفقراء والبائسين، ينفق جميع ما عنده عليهم، وقد ملأ قلوبهم سروراً بإحسانه ومعروفه، ومن كرمه أنّه جاءه رجل في حاجة فقال له: (اُكتب حاجتك في رقعة وادفعها الينا)، فكتبها ذلك الشخص ورفعها اليه، فأمر (عليه السلام) بضعفها له، قال بعض الحاضرين: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه يابن رسول الله؟!،
فأجابه (عليه السلام): (بركتها علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من حاجته، أبكآبة أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذلك من وجهه فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك).
لقد كان موئلاً للفقراء والمحرومين، وملجأً للأرامل والأيتام، وقد تقدّمت بعض بوادر جوده ومعروفه التي كان بها مضرب المثل للكرم والسخاء.
ب ـ الاستجارة به:
كان (عليه السلام) في عاصمة جدّه (صلى الله عليه وآله) كهفاً منيعاً لمن يلجأ اليه، وملاذاً حصيناً لمن يلوذ به، قد كرّس أوقاته في قضاء حوائج الناس، ودفع الضيم والظلم عنهم، وقد استجار به سعيد بن أبي سرح من زياد فأجاره، فقد ذكر الرواة أنّه كان معروفاً بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) فطلبه زياد من أجل ذلك فهرب إلى يثرب مستجيراً بالإمام، ولمّا علم زياد ذلك عمد إلى أخيه وولده وزوجه فحبسهم، ونقض داره، وصادر أمواله، وحينما علم الإمام الحسن ذلك شقّ عليه الأمر، فكتب رسالة إلى زياد يأمره فيها بأن يعطيه الأمان، ويخلّي سبيل عياله وأطفاله، ويشيّد داره، ويردّ عليه أمواله.......
صلى الله عليكم يا اهل بيت النبوة و رحمة الله وبركاته.