ان الفرصة مؤاتیة جدا للحوار و المصارحة بین الدول الاسلامیة، و تفویت الفرصة علی اعداء الامة المتربصین بها، و عدم الثقة بالغرب و الشروع ببناء الثفة فیما بینهم.
شارک :
مقدمة : ظهرت تسریبات ویکیلیکس الی العلن عبر اهم و اشهر الصحف العالمیة باللغات الانکلیزیة و الفرنسیة و الاسبانیة و الالمانیة فی آن واحد لتحدث ضجة کبری و تداعیات لا تزال مستمرة لم یتوقعها احد و لم تخطر علی بال بشر..
وادت هذه التسریبات الی طرح اسئلة کثیرة و اوجدت الکثیر من التساولات و فقدان الاتزان في التحالیل و القراءات .
فمن متسائل عن طریقة وصول الوثائق الامریکیة الی ویکیلیکس وآخر یتسائل عن صحتها و مصداقیتها و هل انها مفبرکة ام حقیقیة ؟
وثالث یقف امام اسباب نشرها و تسریبها و هل انها جزء من مصادیق نظریة الموامرة التي تعطي امریکا و اسرائیل القدرة الفائقة و المطلقة للعب بالعالم کله و باشکال و صور مختلفة و مدهشة ؟ ام انها فلتة اعلامیة! او معلوماتیة ؟ لم تنتبه لها القوة العظمی ؟
وربما یطرح آخرون انها صراع بین الاجنحة الحاکمة فی الولایات المتحدة کما حصل في قضیة " واتر غیت " ابان حکم الرئیس نیکسون و غیرها من النماذج؟
وسنحاول دراسة الاحتمالات و تقییمها و من ثم استشفاف آثارها علی مجمل التیارات في العالم و خاصة العالم الاسلامي.
کیف وصلت الوثائق ؟ یقول موقع ویکیلیکس عن قصة وصول الوثائق: في وقت سابق من العام الجاري وصل جهاز للذاکرة الصلبة لا یتجاوز حجمه حجم الاصبع الی احد مراسلی الغاردیان.
کان الجهاز صغیرا جدا بحیث یمکن تعلیقه بحاملة المفاتیح و لکن محتواه ضخم . سعة الجهاز التخزینیة کانت ۱.۶ غیغا بایت و احتوی علی ملایین الکلمات هي محتوی اکثر من ربع میلیون وثیقة من وثائق وزارة الخارجیة الامریکیة ارسلت من والى السفارات الامریکیة في شتی انحاء العالم.
ما ظهر و سیظهر هو کشف غیر مسبوق للدیبلوماسیة السریة للقوة العظمی الوحیدة في العالم و طریقة تعاملها مع حلفائها و اعدائها و کیف تفاوضهم و تضغط علیهم في بعض الاحیان ویصل الامر الی نعت الزعماء بابغض النعوت و کل ذلک خلف الکوالیس و من خلال قنوات خلفیة و تصنیات سریة ظن الدبلوماسیین انها عالمهم السری الخاص الذي لن یطلع علیه احد غیر الامریکي في یوم من الایام.
الجیش الامریکي یعتقد ان المسئول عن التسریبات هو الجندي برادلی ماتنغ البالغ من العمر ۲۲ عاما و الذي یحتجز فی زنزانة انفرادیة منذ عدة اشهر و ینتظر محاکمة عسکریة .
هذا المحلل السابق في جهاز المخابرات متهم بتنزیل وثائق مصنفة علی انها سریة بدون تخویل رسمي عندما کان یخدم قاعدة عسکریة قرب بغداد.
ماتنغ مشتبه علی انه قام بتصویر نسخ من ارشیف وزارة الخارجیة و کذلک تسریب ملف فیدیو یحتوي علی تصویر لطائرة مروحیة امریکیة تقتل مدنیین عراقیین بالاضافة الی الاف الوثائق المتعلقة بالحرب في اقغانستان و العراق.
وقد مرر ماتنغ تلک المعلومات الی موقع ویکیلیکس الناشط في حریة تداول المعلومات . و یظهر ان اسانج و مجموعته قرروا تمریر المعلومات الی النشر لتضخیم الصدمة السیاسیة کما قالوا .
خسائر جانبیة: في ابریل عام ۲۰۱۰ اعلنوا في موتمر صحفي في واشنطن اطلاق تصویر مروحیة الاباتشی الامیریکیة الذي اطلقوا علیه عنوان " القتل کخسائر جانبیة " . و اتفق نیک دیفیز احد افراد طاقم الغاردیان مع آسانج علی تسلیمه نموذجین من الوثائق العسکریة عن العملیات المیدانیة في حربی العراق و افغانستان لیحللها المتخصصین.
و تسببت التسریبات في غضب البنتاغون و الیمین المتطرف الذي تعالت اصوات للقبض علی آسانج او حتی اغتیاله.
واصدرت السوید مذکرة اعتقال دولیة بحق آسانج. لكنه سیستمر نشر الوثائق القادمة حسب توقعات الغاردیان بصورة مستقلة و بالتزامن مع نیویورک تایمز و دیر شبیغل و لوموند و الباییس .
نماذج من الوثائق : لانرید الاستغراق في شرح الوثائق و لکننا سنشیر الی نمادج منها لدراستها و استخراج البانوراما التي تعرضها هذه المجموعة . ۱- وثائق تطرح جرائم الحرب الامریکیة ضد الشعب العراقي و الافغاني ۲- وثائق تشرح التآمر السیاسي الامریکي ضد الدول الحلیفة لامریکا ۳- وثائق تظهر التآمر ضد دول الممانعة و البعیدة عن الفلک الامریکي ۴- وثائق تشیر الی تدخلات امریکا في القارات الخمس ۵- وثائق تظهر الدعم الامریکي للبرامج و النشاط الاسرائیلي ۶- وثائق تکشف محاولات التعبئة الاقلیمیة ضد الجمهوریة الاسلامیة وتصریحات مسئولي بعض الدول ۷- وثائق حول رموز و شبکات التجسس الامریکیة ۸- وثائق حول الحکومات الخلیجیة حیث یذکر انها اقامت علاقات سریة مع اسرائیل لاعتقادها ان اسرائیل تستطیع ان تاتي بافعال سحریة ۹- و في وثیقة اخری تذکر ان الولایات المتحدة و المانیا تطوران بشکل سري اقمار تجسس عالیة التقنیة ۱۰- و تطرح اسرار اللقاء الذي جمع بین صدام و السفیرة الامریکیة غلاسبی قبل اجتیاح العراق للکویت ۱۱- و في وثائق اخری تذکر ان دبلوماسیین امریکان تحولوا الی مندوبي مبیعات لاقناع حکومات بشراء طائرات بوینغ ۱۲- وتدکر في قسم آخر ان اسرائیل کانت تستعد لحرب کبری عام ۲۰۰۹ ۱۳- و ثم تطرح ان اسطنبول اصبحت وکرا للتجسس علی ایران ۱۴- و في وثیقة اخری تطرح ادعاء ان الرئیس الایراني تعرض لصفعة من قائد الحرس الثوري ۱۵- وتقول ان واشنطن سعت لترکیز مهام الجیش المصري علی مکافحة الارهاب والقرصنة و مراقبة الحدود ۱۶- و في مکان آخر تذکر ان اسبانیا تخشی تحول موریتانیا الی صومال آخر لایبعد عن حدودها سوی ۳۰۰ کیلومتر ۱۷- و ان وفد وزارة الخزانة الامریکیة ناقش فرض عقوبات علی بعض ارکان النظام السوري ۱۸- وان بطاقات ائتمان قتلة المبحوح صادرة عن ولایة آیوا الامریکیة ۱۹- وان سفارة امریکا فی ابو ظبی ابرقت لوزارة الخارجیة الامریکیة عن عملیة اغتیال المبحوح ۲۰- وفي مجال آخر تذکر ان شیعة العراق یریدون حکم کامل العراق ولیس فقط المناطق الشیعیة ۲۱- وتذکر في موقع آخر ان الحکومة السوریة وراء الهجوم علی السفارات الاسکندنافیة في قضیة الرسوم الکاریکاتیریة المسیئة للنبي (ص) ۲۲- وتذکر في وثیقة اخری ان مسئولین امریکیین و بریطانیین تواطئوا لاخفاء کمیات من القنابل العنقودیة ۲۳- و حول اسبانیا تذکر انها عرقلت انشاء مصنع لحمض النتریک في لیبیا ۲۴- وعن سارکوزي تقول انه امتعض من تذوق الاطعمة العربیة التی قدمت له وانه اثار غضب السعودیین ۲۵- و تذهب في وثیقة اخری الی ان السعودیة اظهرت مخاوف من اطلاق صواریخ سکود ایرانیة علی مرافق النفط فی المنطقة الشرقیة ۲۶- وفي مجال آخر تقول ان اسرائیل شعرت بالقلق علی مستقبل برویز مشرف و تعتقد ان دول الخلیج لاتجید التعامل مع التجهیزات العسکریة التي بحوزتها ۲۷- وعن مبارک تقول انه نصح اسرائیل بعدم توجیه ضربة الی ایران وان نتنیاهو اقترح تعاون السعودیة مع اسرائیل ضد ایران ۲۸- وتذکر اعتراف رایس بتورط اسرائیل في تدمیر مفاعل سوري عام ۲۰۰۷ ۲۹- وفي موقع آخر تبین ان العرب لن یستطیعوا الانضمام الی الولایات المتحدة في تحالف ضد ایران خوفا من انتقامها ۳۰- و تتوقع ان الرئیس الجدید لمصر سیتبنی خطابا معادیا للامریکیین حتی یثبت وطنیته للشارع المصري ۳۱- ومن جهة اخری تقول ان مصر لدیها خلایا نائمة في ایران و سوف تستمر في تجنید العملاء الذین یفعلون کل ما یطلب منهم وهنالک الالاف من الوثائق الاخری التي تطرحها مجموعة الویکیلیکس من شتی البلدان.
التحلیل و الاستنتاجات: لا شک ان العالم الاسلامی یعانیي من الکثیر من الفرقة و التشتت و خاصة علی مستوی الحکومات، لذلك: الف) اما لابد من تقییم لمدی صحة و امکانیة اختراق شبکة الاتصالات لوزارة الخارجیة الامریکیة ؟ ونقول ان اضفاء طابع الکیان الذي لایقهر علی الولایات المتحدة او اسرائیل لا ینطبق علی الواقع؛ حیث تشیر التجارب الی العدید من الاختراقات التي حصلت و منها اختراق شبکات البنوک والمصارف من قبل شباب مهووسون بالبرامج المعلوماتیة، حتی في حالة المصارف التي تستعین بالعدید من الاغطیة الامنیة التي تصل ربما الی خمس . وهنالک الانتهاک لشبکة الاتصالات اللبنانیة من قبل اسرائیل ؛ وهنالک الاختراق لشبکة الرادار والقوة الجویة الاسرائیلیة من طرف المقاومة اللبنانیة ؛ اذ ان الاساس هو المعرفة التقنیة المعلوماتیة بالذبذبات و مایحیطها من رموز و دهالیز و صمامات امان و شفرات سریة. اذن، امکانیة الاختراق و معرفة اسرار الرسائل امر لایعد من المحالات.
ب)السئوال الاخر هو : مدی صحة انتساب هذه المجموعة الی ارشیف وزارة الخارجیة الامریکیة ؟ یظهر ان ردود الفعل الامریکیة العجولة والغاضبة لم تکن آتیة من الفراغ؛ حتی لو افترضنا ان اسانج کان عمیلا للسي آي ایه ؛فان التضییقات علیه و الضغط علی دول اخری لمحاصرته و اسناد تهم اخلاقیة و مالیة تذکرنا بالاسالیب الفجة التي تستعملها الدول المختلفة لتشویه صورة معارضیها.
و ما تقدیم الاعتذار الرسمي الذي صدر عن هیلاري کلینتون، الی رئیس الوزراء البریطاني، الادلیل آخر علی امکانیة ان تکون بعض التسریبات صحیحة .
ج)ومن المناسب الاشارة الی ان الکثیر من التسریبات، لم تکن بعیدة عن اذهان الناس؛ اذ کانت وسائل الاعلام ، في مناسبات عدیدة , تذکر بعضا من التسریبات اثناء الزیارات التي کان المسئواون الامریکان یقومون بها الی دول المنطقة , مثلا , او التصریحات التي کانت تصدر عنهم , والتصریحات المقابلة من دول المنطقة . فان المحلل المتابع , بامکانه استنتاج مادار في تلک اللقاءات و الزیارات. و الظریف في الامر ان تلک الاستنتاجات , تنطبق کثیرا علی هذه التسریبات !!
د )ولکن کیف نفسر الکم الهائل من الوثائق التي تدور في او حول دول الشرق الاوسط و قلب العالم الاسلامي ؟ ان من البدیهي ان تکون منطقة الشرق الاوسط , تعج بالاحداث و الوقائع و الازمات ؛ و بالنتیجة ان تحفل بالمراسلات والوثائق. وربما لاحظنا وفرة الوثائق حول الجمهوریة الاسلامیة , من شتی الحکومات , علما ان الجمهوریة الاسلامیة , لیس لدیها سفارة امریکیة ؛ و هذا مایفسر ان منشأ هذه الرسائل یاتي من دول مجاورة !!! وهذا ربما, یفسر عدم دقتها و تخبطها !! و لاننسی ان عددا کبیرا من الوثائق , یتحدث عن مؤامرات و مخططات امریکا في بقاع اخری من العالم. ونتسائل : لماذا لاتتحدث الوثائق عن جرائم اسرائیل ؟ یمکن الاجابة ان التخطیط الاسرائیلی لایتم بعیدا عن امریکا؛ لکن یظهر ان الاسرائیلیین یرغبون بجر امریکا الی اعماق الوحل و الصراع الذي سببته اسرائیل , وترید الحصول علی امتیازات اکثر من امریکا و من دول المنطقة .
هـ )من الملاحظ ان الضجة التي اوجدتها التسریبات , توضح لنا ان تغییرا هائلا في وسائل واسالیب الدیبلوماسیة فرضت نفسها على الاجواء التقلیدیة؛ اذ اصبحت المعلومات السریة والمفاوضات والحوارات، تنشر کما ینشر الغسیل في الشمس !! و هذا سینعکس علی الحکومات التي کانت تظن ان شکواها و مطارحاتها و تعاونها سیبقی قید الکتمان !!! واذا به ینشر علی الملا العام !! ومن الان فصاعدا , علیها ان تختار بین مصارحة شعوبها , والصدق في سلوکها ؛ او التخلي عن التنسیق مع المسؤلین الاجانب ! واما ان ترتمي بالکامل في احضان الغرب و تنسی علاقتها بشعبها ؛ و هذا نحسب انها لاترضاه .
و )ما هي ردود الفعل لدی الدول التي خططت امریکا و اسرائیل ضدها ؟؟ هل سترد ان هده الوثائق ملفقة و لاتعبأ بها ؟ ام انها سترد بکل حنق و غضب ؟ ام انها ستتحین الفرص للانتقام و المقابلة بالمثل ؟ و هل انها ستدرس الامور بتروی و عقلانیة ؟
ز )و ماهو دور الدول التي ذاع اسمها باعتبارها وشت بدول اسلامیة اخری ، و طلبت من امریکا او اسرائیل ان تقطع راس الافعی ( کما دکرت الوثائق ) ؟ هل ستقدم ایضاحات ؟ ام انها ستسیر کما تقول الایة الکریمة : اخذته العزة بالاثم ؟
الخاتمة : نحسب ان الفرصة مؤاتیة جدا للحوار و المصارحة بین الدول الاسلامیة ، و تفویت الفرصة علی اعداء الامة المتربصین بها ، و عدم الثقة بالغرب ، و الشروع ببناء الثفة فیما بینهم. والله الموفق للصواب . والسلام علیکم و رحمة الله و برکاته