انتفاضة الشعب المصري, عرت الرئيس ونظامه وبدت مناظر سوءاتهم والرئيس وأركانه يخصفون عليهم بكثير من القرارات والإجراءات والتصريحات والخطابات ليواروا سوءات أفعالهم النكراء، والشعب المصري يرد عليهم بصوت واحد, أرحلوا عن أرض مصر.
شارک :
وأخيراً انتصرت ثورة الشعب المصري على الرئيس محمد حسني مبارك ونظامه وأسقط الرئيس ونظامه، ونرفع أسمى التحيات لشعب مصر ونتقدم إليه بأحر التهاني على جهوده وتضحياته في إسقاط هذا النظام.
وما تتناقله وسائط الإعلام والشارع المصري عن فضائح الرئيس مبارك وأسرته ونظامه تذهل العقول والألباب؛ والرئيس مبارك المتهم بالفضائح صامت على هذه التهم التي تقشعر لها الجلود والأبدان وتدفع بالمرء إلى الغثيان.
فانتفاضة الشعب المصري, عرت الرئيس ونظامه وبدت مناظر سوءاتهم والرئيس وأركانه يخصفون عليهم بكثير من القرارات والإجراءات والتصريحات والخطابات ليواروا سوءات أفعالهم النكراء، والشعب المصري يرد عليهم بصوت واحد, أرحلوا عن أرض مصر.
فليس فيها مكان لمن يقترف مثل هذه الأفعال وحتى الآن ما افتضح من أفعال الرئيس وأركانه ورموز نظامه خلال ثلاثين عاما لا تسر الصديق ولا العدو. وكم هو مضحك رؤية الإدارة الأميركية حائرة ومضطربة وعاجزة عن اتخاذ القرار، وهي مشتتة التفكير وممزقة الفؤاد. و ستحصد الخيبة والفشل إذا لم تطور مواقفها بما يتلاءم مع تطلعات الشعب المصري الذي يحتشد في الساحات معلناً سخطه على نظام مبارك؛ وخاصة بعد أن اتضحت للعيان أن مواقفها لا تلبي رغبات شعبها الأمريكي, وإنما سيستفيد منها أعدائها في كل مجال.
وهذه المواقف يمكن إيجازها وتعدادها بهذه النقاط: • فموقفها المتعاطف مع إسرائيل التي تقيم المأتم لتقبل التعازي بهذا النظام, والذي سيسبب لها سقوطه الكثير من التداعيات والانهيارات، دفع بالإدارة الأميركية لدعم النظام بتحدِ واضح للشعب المصري.
• والإدارة الأمريكية وإسرائيل تراودهما الرغبة بالتدخل عسكريا لدعم نظام مبارك وإبقائه على قيد الحياة، إلا أن تجاربهما المرة في العراق تكبح شهوتيهما لأن التجربة في مصر ستكون أشد غلظة و مَرارا.
• وصمت الإدارة الأمريكية على إجرام وفساد وإرهاب نظام مبارك والتي هي جرائم حرب، حولها إلى متهمة و أنها مشاركة فيها مع هذا النظام. وستكون مُحرجة إن لم تطالب بمحاسبة رموز هذا النظام.
• ودعمها لهذا النظام إنما هو تقاعس وتهاون من قبلها بسمعتها وسمعة بلادها ومن سبقها من إدارات.
• وانصياعها لما يمارس عليها من ضغوط إسرائيلية ومن بعض حلفائها بضرورة دعمها لهذا النظام كي لا يصل الموسى إلى ذقونهم فتحلق لهم شعوبهم كما حلقت تونس ومصر لنظامي زين العابدين ومبارك، سيُخَلف في المنطقة هزات ارتدادية, قد تدمر كل ما بنته بلادها من مصالح مع العالمين العربي والإسلامي خلال أكثر من مائة عام. وهذا يفرض عليها أن تقطع كل صلة لها بهذا النظام ورموزه.
• ودعمها لهذا النظام كان أكبر دليل على صدقية ما كشفته الوثائق من فضائح لها ولمن سبقوها بدعمهم لأنظمة الطغيان والاستبداد والفساد والإجرام. وهذا سيعود على بلادها بأفدح الأضرار.
على ما يبدو وما يصدر من تصريحات في واشنطن وتل أبيب، بأن الخسارتان الأمريكية والإسرائيلية جسيمة وفادحة بسقوط نظام مبارك. ولكن تلكأ الإدارة الأمريكية باتخاذها موقف واضح وصريح بوقوفها مع شعب مصر وتخليها عن هذا النظام. أو تعنتها بدعم هذا النظام بعد أن جن جنون رموزها مطالبين بدعم هذا النظام سيدفع بمصالح بلادها إلى التهلكة والانتحار.
فهامش الوقت والمناورة يضيق أمامها, وحينها ستدفع بعلاقتها مع العالمين العربي والإسلامي إلى درجة من التوتر, قد تتحول نتيجة هذا التخبط والتردد إلى ما لا تحمد عقباه. وحينها لن يكون بمقدور الرئيس باراك أوباما هو ورموز إدارته سوى النحيب والبكاء على ما ارتكبوه من أخطاء دفعت بالعلاقات العربية الأمريكية نحو الطلاق.
وعلى إدارة الرئيس أوباما أن تنتبه جيدا للنواحي التالية: • فالشعبين العربي والإسلامي والشعب المصري, يعتبرون دعم الإدارة الأمريكية لمبارك ولعمر سليمان ولرموز النظام الفاسد، نوعاً من التحدي لإرادة الشعب المصري الذي يطالب بالتغيير والإصلاح.
• ودعم الإدارة الأميركية لعمر سليمان, بعد ما افتضح عن علاقاته الوثيقة مع أجهزتي الأمن الأميركية والإسرائيلية، فسرعلى أن الإدارات الأميركية متورطة بكل أعمال الإرهاب والقتل والاغتيال والتعذيب التي طالت العرب والمسلمين والمصريين وغيرهم من الشعوب منذ أكثر من عشرة عقود.
• وما رشح عن تورط السفارة الأمريكية في القاهرة, من ضلوعها بدعم النظام، من خلال مشاركة عرباتها بدهس وصدم المتظاهرين عمل إرهابي, لن يسامحها الشعب المصري عليه على الإطلاق.
• والمواقف والتصرفات الأمريكية الداعمة لنظام مبارك والمعادية للشعب المصري ستبقى وصمة عار في جبين الولايات المتحدة الأمريكية مادامت الشمس تشرق وتغيب على ربوع أرض مصر.
متى تفهم الإدارات الأمريكية وتعي أن مصالحها ستكون بآمان وبأحسن حال مع الشعوب والأنظمة الوطنية, وليس مع حكام وأنظمة الفساد!!!!! وأن سبب توتر علاقاتها مع بعض الدول والحكومات, أو مع القادة والرؤساء الوطنيين الشرفاء, إنما سببها أن الإدارات الأمريكية لا تقيم وزناً لشعوبهم, ولا يعجبها النهج الوطني والشريف الذي ينتهجوه في سياساتهم. ولهذا لن يقيموا أي وزن لهذه الإدارات الأمريكية على الإطلاق.
لم تفطن بعد الإدارات الأمريكية أن عصر المعلوماتية والقرن الحادي والعشرون سيكونا عليها أكثر من حسيب ورقيب؛ وأنها بأفعالها النكراء خلال هذا القرن الجديد قد وصفوا بلادهم على أنها دولة الإرهاب وأنهم جل همهم تخريب وتدمير الأوطان والمجتمعات وأن ازدواجيتهم مفرطة لأبعد الحدود، وهذه بعض الأمثلة عليها: • في لبنان وقفت الإدارة الأمريكية بقضها وقضيضها ومعهم السفارة الأميركية مع قوى ١٤ آذار؛ وحتى أن السفير جيفري فيلتمان ومن تلاه كانوا يتواجدون في الساحات مع جموع قوى ١٤آذار ينظمون صفوفهم ويضبطون الإيقاع ليشدوا من أزرهم ويشحذون هممهم في معاداة سوريا و قوى المعارضة وحزب الله ورئيس الجمهورية العماد أميل لحود. بينما يقف نفس هؤلاء مع السفارة الأميركية في مصر لدعم الرئيس مبارك ونظامه, وفي تحدي الشعب المصري برمته للحفاظ على النظام ومنعه من السقوط والتداعي والانهيار. وكم حصدوا بهذه الازدواجية من هزائم وخزي وعار!!!!
• يطالبون الأنظمة باحترام حرية الجماهير والرأي والرأي الآخر من خلال البيانات والخطب والتصريحات العصماء والجوفاء. أما أفعالهم فهي ليست سوى انتهاك فاضح لحقوق الإنسان وحريته وكمّ للأفواه ومصادرة للحريات العامة والخاصة ودفع بالجماهير نحو اليأس والإحباط!!!!!
• وخلال الثورات المزركشة والملونة في بعض دول أوربا الشرقية، انبرت وسائط إعلام الإدارة الأمريكية ووسائط إعلام رجال المال والإعلام للوقوف مع المتظاهرون في كل الأزقة والساحات والأحياء، لينقلوا للعالم حركتهم على مدار الساعة. بينما نفس هذه الوسائط تتعمد الغياب عن انتفاضتي تونس ومصر. والاكتفاء بالتحشد والتجمع داخل أروقة وزواريب النظامين لينقلوا فقط ما يرغبا به كل من النظامين, وما ترغب به إسرائيل والإدارة الأميركية وقوى الامبريالية والصهيونية والاستعمار.
• ويبررون ترويج الأكاذيب والخداع على أنها مظهر من مظاهر حرية الإعلام، بينما هم من قتلوا رجال الإعلام في أكثر من مكان.
• والتظاهر بالحزن على اغتيال رفيق الحريري في لبنان, من قبل مجلس الأمن الدولي والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي كون، ومسارعتهم لتشكيل لجنة تحقيق دولية ومحكمة دولية لكشف ملابسات عملية الاغتيال، يفضح تسترهم على ما أرتكبه نظام مبارك من نهب للمال العام, وجرائم وأعمال إرهاب بحق أطفال ونساء وشباب وشيوخ الشعب المصري وعدم تحرك أي منهم في هذا المجال لكشف الحقيقة أو إدانة ممارسات هذا النظام ورموزه؛ بل على العكس مازال بعضهم سنداً للنظام.
• ومواقف الإدارة الأمريكية من انتفاضتي شعبي تونس ومصر, كان مناقضاً لمواقف من سبقها من إدارات من الثورات الملونة في بعض دول أوروبا؛ وهذه الازدواجية ليس لها من تبرير على الإطلاق.
• وتبجح الإدارة الأميركية بحضها على نشر وتعميم قيم الحرية والديمقراطية في دول العالم، يدحض موقفها المعادي لنسبة ٩٩% من الشعب المصري الذي طالب بإسقاط نظام الرئيس مبارك.
• وأخيراً فإن الشعبين العربي والإسلامي والشعب المصري, يعتبرون أن الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان بمواقفهما وخطبهما وتصريحاتهما وتصرفاتهما، ما هم سوى دميتان تحركهما إسرائيل والإدارة الأميركية ويرددان ما تطلبه كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية في كل وقت ومكان، ومجسان يجسان من خلالهما نبض الجماهير العربية والإسلامية والمصرية, لينقلاها إلى حواسيب إسرائيل والإدارة الأميركية؛ وخير مثال على ذلك نصيحة الرئيس محمد حسني مبارك للرئيس صدام حسين قبل الغزو الأمريكي للعراق بضرورة الاستقالة والرحيل عن العراق. بينما لم يلتزم هو بوصفته التي وصفها لغيره وهو يرى جموع شعب مصر تطالبه بالرحيل. ربما لأنه يطمح برحيل شعبه عن مصر بدل هو أن يرحل؛ فهؤلاء إنما هم دمى ينطقون ويتحركون وفق ما تمليه عليهم إسرائيل والإدارة الأميركية.
تقف الإدارة الأميركية اليوم أمام امتحان عسير من قبل شعوب العالم وشعب مصر, وعلى ضوء تصرفاتها سيتحدد مستقبل علاقاتها مع هؤلاء. وسيكون الحكم والفيصل لعشرات العقود, في الحاضر والمستقبل المنظور وغير المنظور. ولهذا فالموقف الحالي لا يحتمل الدجل والخداع والنفاق. ولذلك فعليها أن تتوخى في كل مواقفها وتصريحاتها وحتى خطواتها الدقة والحذر والانتباه بمنتهى الحكمة والموضوعية وبكل ما يمليه المنطق والعقل.
والسؤال الذي بات يراود كل إنسان في هذا الكون: هل يعقل أن يكون من يرسم هذه السياسات الأميركية السياسية والإعلامية أصحاء الجسم والعقل؟ أم أنهم ليسوا سوى زعماء مافيا وعصابات منظمة للإجرام والإرهاب؟ أم أنهم جهلة أو حمقى أو أغبياء؟ أم أن أنانيتهم جعلتهم لا يفقهون سوى تحقيق مصالحهم العمياء؟ أم أنهم بقايا نازيين وفاشيين يعتبرون شعوب العالم ليسوا سوى قطعان من الرعاع, قادرون على استعبادهم واسترقاقهم, والتحكم بمصيرهم, بنخب يختارونها لهم من الخونة والعملاء والجواسيس وزمر الفساد والإرهاب؟