قبل عدة شهور، أبرمت وزارة الطيران المدني اتفاقية للنقل الجوي مع الحكومة الإيرانية، بما يسمح لطائرات الركاب المصرية باستخدام المطارات الإيرانية والعكس. وما كاد يعلن عن الاتفاق حتى سارعت الولايات المتحدة إلى الاحتجاج على هذه الخطوة، وطالبت مصر بالرجوع عنها لأنها تخرق قوانين الحظر والعقوبات الأمريكية على إيران. وجرى بالفعل تجميد الاتفاقية بالرغم من أنها في صالح مصر والخطوط الجوية المصرية.
شارک :
لم يكن ذلك هو المؤشر الوحيد لمدى انصياع مصر للسياسات الأمريكية الإسرائيلية، ولكن تراجع العلاقات التجارية والسياسية مع إيران، واكبته حملات أمنية ضد المذهب الشيعى وأتباعه. وألقى القبض على العديد منهم بتهمة الترويج للمذهب الشيعى على الرغم من اعتراف الأزهر به كأحد المذاهب الإسلامية. ولعبت إسرائيل دورا مهما في توسيع فجوة الخلاف بين مصر وإيران، بسبب دعم السياسة الإيرانية للفلسطينيين في غزة، خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وفرض حصارها عليه. حيث قدم الإيرانيون مساعدات كبيرة لدعم المقاومة الفلسطينية بالمال .. بينما اتخذت مصر موقفا سلبيا، وانضمت إلى السياسات الأوروبية والأمريكية في إحكام قبضة الحصار على القطاع، متهمة إيران بتشجيع حركة حماس على إقامة دولة دينية تمثل خطرا على حدود مصر الشرقية. وفى كل ذلك كان الملف النووي الإيراني هو المحرك وراء النزعة العدوانية الإسرائيلية تجاه إيران. وقد نجحت إسرائيل في إثارة المخاوف والشكوك الأمريكية تجاه الإنجازات التكنولوجية التي حققتها إيران، حرصا منها على أن تبقي هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة. وانعكس ذلك بصورة أو بأخرى على العلاقات الإيرانية بدول الخليجية التى أبدت مخاوفها من تزايد النفوذ العسكرى الإيرانى.. وهو ما لم يكن موجها بالضرورة إلى دول المنطقةبقدر ما كان موجها إلى المحاولات الإسرائيلية المستميتة لتحريض أمريكا والغرب ضد الخطر النووي الإيراني، ضاعف منها فشل أمريكا في الوصول إلى حل سلمى للملف النووي الإيراني. من هنا يبدو مفهوما لماذا شرعت مصر في مراجعة علاقاتها الخارجية مع عديد من الدول التي أفسدت السياسات المصرية علاقاتها بها لصالح أمريكا. وكانت إيران على رأس هذه الدول. فبالرغم من العلاقات التاريخية وأواصر الدين والثقافة التي ربطت إيران بالعالم العربي وبمصر من وجوه كثيرة، وضعت سياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس السابق إيران في دائرة الدول غير الصديقة. وأجهضت كل المحاولات التى بذلت من جانب إيران، لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد ثلاثين سنة من قطيعة دبلوماسية بغير سفراء. من المؤكد أن مصر الثورة كانت فى أمس الحاجة إلى توجه جديد فى سياستها الخارجية، تستعيد من خلاله مكانتها وعلاقتها الطبيعية مع دول الجوار ومع الدول ذات البعد الحضارى المتشابه. وربما كانت الزيارة الأولى التي قام بها رئيس الوزراء على رأس وفد من الوزراء والخبراء إلى السودان بشقيه في الخرطوم وفي جوبا هي البداية السليمة لعملية تصحيح طال انتظارها.. وسوف تتلوها على الأرجح زيارات إلى دول عربية شقيقة وعلى رأسها دول الخليجية . التي أبدت شيئا من القلق إزاء التقارب المصري الإيراني. وهو تقارب مازال في طور التمهيد، وليس لهذا القلق ما يبرره. إن كل ما تسعى إليه السياسة الخارجية المصرية، أن تعيد ترتيب الأولويات التي تبعثرت واختلطت، بما يحفظ وضوح الرؤية المصرية، ودون إخلال بعلاقاتها الوثيقة بدول المنطقة التى تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إيران والحرص على استقرارها والدفاع عن أمنها وسلامتها، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية نبيل العربي. وربما كان الأساس لمثل هذا التحرك هو السعى لتطبيق مبدأ الأمن الجماعي لدول المنطقة. لقد انتهت أسطورة الكنز الاستراتيجي لإسرائيل.. وأصبح الكنز الحقيقي لمصر وللعالم العربي هو روح الثورة الجديدة، القادرة على إقامة علاقات مثمرة ,وناجحة بين العرب وجيرانهم، دون الدخول في محاور وتكتلات خارج المنطقة. تعترف بحقوق الآخرين ومصالحهم على أساس متبادل، وتعمل على تحقيق الأمن والسلام العام على غرار ما حققته دول الاتحاد الأوروبي .